بازگشت

استثمار المناسبات الدينية لنشر الحق و كشف التضليل الاموي


ومن الامثلة علي ذلك ما رواه سليم بن قيس (ره)، قال:

(فـلمّا مات الحسن بن عليّ (ع) لم تزل الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدّان، فلم يبق وليُّ للّه إلاّ خـائفـا عـلي دمـه (وفـي روايـة أخـري: إلاّ خـائفـا عـلي دمـه أنـّه


مقتول) وإلاّطريدا وإلاّ شريدا، ولم يبق عدو للّه إلاّ مظهرا حجّته غير مستترٍ ببدعته وضلالته، فـلمـّا كـان قـبـل مـوت مـعـاويـة بـسـنـة حـجّ الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليه وعبداللّه بن عبّاس وعـبداللّه بن جعفر معه، فجمع الحسين (ع) بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم من الانصار ممّن يـعـرفـه الحـسـيـن (ع) وأهـل بـيـته، ثمّ أرسل رسلا: لاتدعوا أحدا ممّن حجّ العام من أصحاب رسول اللّه (ص) المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ أجمعهم لي، فاجتمع إليه بمني أكثر من سـبـعـمـائة رجـل وهـم فـي سـرادقـه، عـامـّتـهـم مـن التـابـعـيـن ونـحـو مـن مـائتـي رجـل مـن أصـحـاب النـبـيّ (ص)، فـقـام فـيـهـم خـطـيـبـا فـحـمـد اللّه وأثـنـي عـليـه. ثـم قال:

(أمـّا بـعـد: فـإنّ هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإنّي أريد أن أسـألكـم عـن شـيٍ، فـإن صـدقـت فصدّقوني وإن كذبت فكذّبوني، وأسألكم بحقّ اللّه عـليـكـم وحـقّ رسـول اللّه (ص) وقـرابتي من نبيّكم لما سيّرتم مقامي هذا، ووصفتم مقالتي ودعوتم أجـمـعـيـن فـي أمصاركم من قبائلكم من آمنتم من الناس (وفي رواية أخري بعد قوله فكذّبوني: اسـمـعـوا مـقـالتـي واكـتـبـوا قـولي ثـمّ ارجعوا إلي أمصاركم وقبائلكم، فمن أمنتم من الناس) ووثـقـتـم به فادعوهم إلي ما تعلمون من حقّنا، فإنّي أتخوّف أن يدرس هذا الامر ويذهب الحقّ ويُغلَب، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون).

ومـا تـرك شـيـئا مـمـّا أنـزل اللّه فـيـهـم مـن القـرآن إلاّ تـلاه وفـسـرّه، ولاشـيـئا مـمـّا قـاله رسـول اللّه (ص) فـي أبـيـه وأخـيـه وأمـّه وفـي نـفـسـه وأهل بيته إلاّ رواه.

وكلّ ذلك يقول أصحابه: أللّهمّ نعم، وقد سمعنا وشهدنا.

ويقول التابعي: أللّهمّ قد حدّثني به من أصدّقه وأئتمنه من الصحابة.

فقال: أنشدكم اللّه إلاّ حدّثتم به من تثقون به وبدينه.

(قـال سـليـم): فـكـان فـيـمـا نـاشـدهـم الحـسـيـن (ع) وذكـّرهـم أن قال:


(أنـشـدكـم اللّه، أتـعـلمـون أنّ عـليّ بـن أبـي طـالب كـان أخـا رسـول اللّه (ص) حـيـن آخـي بـيـن أصـحـابـه فـآخـي بـيـنـه وبـيـن نـفـسـه وقال: أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والاخرة؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

قال: (أنشدكم اللّه، هل تعلمون أنّ رسول اللّه (ص) اشتري موضع مسجده ومنازله، فابتناه ثـمّ ابـتني فيه عشرة منازل، تسعة له وجعل عاشرها في وسطها لابي، ثمّ سدّ كلّ باب شارع إلي المـسـجـد غـيـر بـابـه، فـتـكـلّم فـي ذلك مـن تـكـلّم، فقال: ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكنّ اللّه أمرني بسدّ أبوابكم وفتح بابه، ثـمّ نـهـي النـاس أن يـنـامـوا فـي المـسـجـد غـيـره، وكـان يـجـنـب فـي المـسـجـد ومـنـزله فـي منزل رسول اللّه (ص) فولد لرسول اللّه (ص) وله فيه أولاد؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

قـال: (أفـتـعـلمون أنّ عمر بن الخطّاب حرص علي كوّةٍ قدر عينه يدعها في منزله إلي المسجد فـأبي عليه، ثمّ خطب فقال: إنّ اللّه أمرني أن أبنيَ مسجدا طاهرا لايسكنه غيري وغير أخي وبنيه؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

قـال: (أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه (ص) نصبه يوم غدير خمّ فنادي له بالولاية وقال: ليبلّغ الشاهد الغائب؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.


قـال: (أنـشـدكـم اللّه أتـعـلمـون أنّ رسـول اللّه (ص) قال له في غزوة تبوك: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

قـال: (أنـشـدكـم اللّه، أتـعـلمـون أنّ رسـول اللّه (ص) حـيـن دعـا النـصـاري مـن أهل نجران إلي المباهلة لم يأت إلاّ به وبصاحبته وابنيه؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

قـال: (أنـشـدكـم اللّه، أتـعـلمـون أنـّه دفـع إليـه اللواء يـوم خـيـبـر، ثـم قـال: لاَدفـعـه إلي رجـل يحبّه اللّه ورسوله ويحبّ اللّه ورسوله، كرّار غير فرّار، يفتحها اللّه علي يديه؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.


قـال: (أتـعـلمـون أنّ رسـول اللّه بـعـثـه بـبـرائة، وقال: لايبلّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

قـال: (أتعلمون أنّ رسول اللّه (ص) لم تنزل به شدّة قطّ إلاّ قدّمه لها ثقة به، وأنّه لم يدعه باسمه قطّ إلاّ يقول: يا أخي، وادعوا لي أخي؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

قـال: (أتـعـلمـون أنّ رسـول اللّه (ص) قـضـي بـيـنـه وبـيـن جـعـفـرٍ وزيـدٍ، فقال: يا عليّ، أنت منّي وأنا منك، وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

قـال: (أتـعـلمـون أنـّه كـانـت له مـن رسـول اللّه (ص) كلّ يوم خلوة وكلّ ليلة دخلة، إذا سأله أعطاه، وإذا سكت أبداه؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

قـال: (أتـعـلمـون أنّ رسـول اللّه (ص) فـضـّله عـلي جـعـفـر وحـمـزة حـيـن قال لفاطمة (س): زوّجتك خير أهل بيتي، أقدمهم سلما، وأعظمهم حلما، وأكثرهم علما؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

قـال: (أتـعـلمـون أنّ رسول اللّه (ص) قال: أنا سيّد ولد بني آدم، وأخي عليّ سيّد العرب، وفـاطـمـة سـيـّدة نـسـاء أهـل الجـنـّة، والحـسـن والحـسـيـن إبـنـاي سـيـّدا شـبـاب أهل الجنّة؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

قـال: (أتـعـلمـون أنّ رسـول اللّه (ص) أمـره بـغـسـله، وأخـبـره أن جبرئيل يعينه عليه؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

قـال: (أتـعـلمـون أنّ رسـول اللّه (ص) قال: في آخر خطبة خطبها: إنّي تركت فيكم الثقلين كتاب اللّه وأهل بيتي، فتمسّكوا بهما لن تضلّوا؟)

قالوا: أللّهمّ نعم.

فـلم يـدع شـيـئا أنـزله اللّه فـي عـليّ بـن أبـي طـالب (ع) خـاصـّة وفـي أهل بيته من القرآن، ولاعلي لسان نبيّه (ص) إلاّ ناشدهم فيه.

فيقول الصحابة: أللّهمّ نعم، قد سمعنا.

ويقول التابع: أللّهمّ قد حدّثنيه من أثق به، فلان وفلان.

ثـمّ نـاشـدهـم أنّهم قد سمعوه يقول: (من زعم أنّه يحبّني ويبغض عليّا فقد كذب، ليس ‍ يحبّني ويـبـغـض عـليـّا. فـقـال له قـائل: يـا رسـول اللّه، كـيـف ذلك؟ قـال: لانـّه مـنـّي وأنـا مـنـه، من أحبّه فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ اللّه، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض ‍ اللّه).

فقالوا: أللّهمّ نعم، قد سمعنا.

وتفرّقوا علي ذلك... [1] .


وفـي هـذه الروايـة دلالة بليغة علي شدّة وشمول الحصار الاعلاميّ والتعتيم الذي فرضه الحكم الامـويّ عـلي البـيـان النـبـويّ المـتـعلّق بفضائل أهل البيت (ع)، وتقادم الايّام علي هذا الحصار والتـعـتـيـم المـتـواصـل، الامـر الذي اضـطـرّ الامـام الحـسـيـن (ع) إلي عـقـد مـثـل هـذا الاجـتـمـاع والمـحـفـل الكـبـيـر ليـذكـّر بقيّة الصلحاء من الصحابة والاخيار من التابعين بفضائل أهل البيت (ع). وكأنّه يذكّر بأمر يكاد يُنسي، ويُنفِّس ‍ عن حقيقة تكاد تموت إختناقا من شدّة الحصار وطول مدّته!

هاهو (ع) يقول: (فإنّي أتخوَّف أن يُدرس هذا الامر ويذهب الحقّ ويُغلَب...)!

وهاهو (ع) يدعو إلي اختراق هذا الحصار فيقول لبقيّة الصحابة والتابعين: (وأسألكم بحقّ اللّه عـليـكـم وحـقّ رسـول اللّه (ص) وقـرابـتـي مـن نبيّكم لما سيّرتم مقامي هذا، ووصفتم مقالتي، ودعـوتـم أجـمـعـيـن فـي أمـصـاركـم من قبائلكم من أمنتم من الناس ووثقتم به، فادعوهم إلي ما تعلمون من حقّنا... أنشدكم اللّه إلاّ حدّثتم به من تثقون به وبدينه).

كـمـا أنّ فـي هـذه الروايـة دلالة بـليـغـة عـلي المجهود العظيم الذي كان يبذله الامام الحسين (ع) لاخـتـراق ذلك الحـصـار والتـعـتـيـم، وعـلي الصـعـوبـة الكـبـيـرة التـي كـان يـواجـهـهـا فـي هذا السبيل، ذلك لانّ أثر هذا الحصار والتعتيم بلغ أشدّه في زمانه (ع)، فلم يكن علي هذه الشدّة في زمن الحسن (ع) ولافي زمن أمير المؤمنين (ع).


پاورقي

[1] کتاب سليم بن قيس: 206 ـ 207.