بازگشت

الخط العام في رسائل معاوية إلي الامام


لعـلّ أوّل مـا يـلفـت انتباه المتأمّل في رسائل معاوية إلي الامام الحسين (ع) هو المكر الظاهر في المـوازنـة بـيـن التـرغـيـب والتـرهـيـب، ولاتـكـاد تـخـلو واحـدة مـن رسائل معاوية إلي الامام (ع) من النهج المتوازن بين الترغيب والترهيب.

وهـذه الظـاهـرة إنـعكاس واضح لما يتبنّاه معاوية من مبدأ الحفاظ علي حالة


المتاركة مع الامام (ع)، وهذه الرسائل نفسها برهان علي تبنّي معاوية هذا المبدأ أيضا.

ولننتق هنا أمثلة من هذه الرسائل...

(كـان مـالٌ حـُمـل مـن اليمن إلي معاوية، فلمّا مرّ بالمدينة وثب عليه الحسين بن علي (ع) فأخذه وقسّمه في أهل بيته ومواليه، وكتب إلي معاوية:

(من الحسين بن عليّ إلي معاوية بن أبي سفيان.

أمـّا بعد: فإنّ عيرا مرّت بنا من اليمن تحمل مالاوحلالاوعنبرا وطيبا إليك، لتودعها خزائن دمشق وتعلُّ بها بعد النهل بني أبيك، وإنّي احتجت إليها فأخذتها، والسلام).

فكتب إليه معاوية:

(من عند عبداللّه معاوية أمير المؤمنين إلي الحسين بن عليّ سلام عليك...

أمـّا بـعـد: فـإنّ كـتـابـك ورد عـليّ تـذكـر أنّ عـيـرا مـرّت بـك مـن اليـمـن تـحـمـل مـالاوحـلالاوعـنـبـرا وطـيـبـا إليَّ، لاودعـهـا خـزائن دمـشـق، وأعـلّ بـهـا بـعـد النهل بني أبي، وأنّك احتجت إليها فأخذتها.

ولم تـكـن جـديـرا بـأخـذهـا إذ نـسـبـتـهـا إليّ، لانّ الوالي أحـق بالمال ثمّ عليه المخرج منه، وأيمُ اللّه لو تركت ذلك حتّي صار إليّ لم أبخسك حظّك منه، ولكنّي قد ظننت يا ابن أخي أنّ في رأسك نزوة، وبودّي أن يكون ذلك في زماني فأعرف لك قـدرك، وأتـجـاوز عـن ذلك، ولكـنـّي واللّه أتـخـوّف أن تـبـتـلي بـمـن لايـنـظرك فُواق ناقة). [1] .


ولايـخـفـي أنّ مـعاوية في هذه الرسالة مع إظهاره المسامحة والتجاوز كان قد هدّد الامام (ع) بمن يأتي بعده، يعني يزيد.

كـمـا كـتب إليه نتيجة التقارير الكثيرة التي كانت تبعث بها عيونه إليه عن حركة الامّة وحركة الامام (ع):

(أمّا بعد: فقد انتهت إليَّ أمور أرغب بك عنها، فإن كانت حقّا لم أقارّك عليها، ولعمري) إنّ من أعطي اللّه صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء. (وإن كانت باطلا، فأنت أسعد الناس بذلك، وبـحـظّ نـفـسـك تـبـداء، وبـعـهد اللّه تفي، فلاتحملني علي قطيعتك والاسأة بك، فإنّي متي أنـكـرك تـنـكـرنـي، وإنـّك) مـتـي تـكـدنـي أكـدك. وقـد أُنـبـئتُ أنّ قـومـاً مـن أهـل الكـوفـة قـد دعوك إلي الشقاق، (فإتّق شقّ عصا هذه الامّة، وأن يرجعوا علي يدك إلي الفـتـنـة). وأهـل العـراق مـن قـد جـرّبـت، قـد أفـسـدوا عـلي أبـيك وأخيك، (وقد جرّبت الناس وبـلوتـهـم، وأبـوك كـان أفـضـل منك، وقد كان اجتمع عليه رأي الذين يلوذون بك، ولاأظنّه يـصـلح لك مـنـهـم مـا كـان فـسـد عـليـه). فـاتـّق اللّه، واذكـر الميثاق، (وانظر لنفسك ودينك، ولايستخفّنّك الذين لايوقنون). [2] .

فـكـتـب إليـه الامـام (ع) جوابا علي رسالته هذه كان بمثابة الصاعقة التي نزلت علي رأس مـعـاوية الذي ارتبك وتأثّر بشدّة من حدّتها إلي درجة أن كان يشكو إلي مقرّبيه من قوّة جواب الامـام (ع)، وقـد أوردت كـتـب التـأريـخ والتـراث هذا الجـواب كـاملا، وسنورده في محلّه من هذا الكتاب.



پاورقي

[1] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 18: 327.

[2] الحـسـيـن (ع) سـمـاتـه وسـيـرتـه: 115 ـ 116؛ وقـال صاحب الکتاب:...لفّقنا الکتاب ممّا أورده ابن عساکر خارج الاقواس وما ذکره البلاذري داخلها وأنا أعتقد أنّ الکتاب نسخة واحدة وإنّما الاختصار عن الرواة.