بازگشت

دعوي الدم المضنون في بني عبد مناف و حقيقتها


روي ابـن عـسـاكـر أنّ الوليـد بـن عـتـبـة أغـلظ للامـام الحـسـيـن (ع) فـي القول، فشتمه الامام (ع) وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه...

فقال الوليد: إن هجنا بأبي عبداللّه إلاّ أسدا!

فقال له مروان أو بعض جلسائه: أقتله.

قال الوليد: إنّ ذلك لدم مضنون في بني عبد مناف!!. [1] .

لاشـك أنّ الوليـد بـن عـتـبـة وهـو والي المـديـنـة يـومـئذٍ لم يـنـطـق عـن رأيـه الشـّخـصـيّ، بـل نـطـق عـن الرأي الرسـمـي للحـكم الامويّ الذي كان معاوية بن أبي سفيان علي رأسه آنئذٍ. والدم المـضـنـون فـي بـنـي عـبـد مـنـاف مـعـنـاه الدم الذي يـعـزّ عـلي القـتـل ولايـجـوز سـفكه، فهل كان دم الامام الحسين (ع) كذلك فعلافي عهد معاوية؟ وما هي حدود الحقيقة في هذه الدّعوي!؟

لقـد كـتـب مـعـاويـة إلي واليـه سـعـيـد بـن العـاص عـلي المـديـنـة قبل الوليد بن عتبة بصدد الموقف من الامام الحسين (ع) قائلا:

(... وأنظر حسينا خاصّة فلايناله منك مكروه، فإنّ له قرابة وحقّا عظيما لاينكره مسلم ولامسلمة، وهو ليث عرين، ولست آمنك إن شاورته أن لاتقوي عليه...). [2] .

إذن فـمـشـكـلة مـعاوية في موقفه من الامام الحسين (ع) هي في قرابة


الامام الحسين (ع) الخاصّة من رسـول اللّه (ص)، إنـّه ابـن فـاطـمة الزهراء (س)، وهذه الصلة الخاصّة قد فرضت له (ع) حقّا عظيما علي كلّ مسلم ومسلمة، وقد عرفت الامّة كلّها هذا الحقّ العظيم فهي لاتنكره.

مـن هـنـا فإنّ أيّة مواجهة علنيّة بين النظام الامويّ وبين الامام (ع) لاتكون في مصلحة هذا النظام الحريص علي التظاهر بالزيّ الديني.

لكـنّ هـذا المـوقـف الامويّ في عدم مسّ الامام (ع) بمكروه هو محدّد غير مطلق، ويلتزم به الحكم الامـويّ فـي حـال عدم قيام الامام (ع) ضدّ هذا الحكم، وقد صرّح الوليد بن عتبة للامام الحسين (ع) بـحـدود المـوقـف الامـويّ الرسـمـي مـنـه حـيـنـمـا عـنـّفـه الامـام (ع) عـلي مـنـعـه أهل العراق من اللقاء به، فقال الوليد يخاطب الامام (ع):

(ليـت حـلمـنـا عنك لايدعو جهل غيرنا إليك، فجناية لسانك مغفورة لك ما سكنت يدك، فلاتخطر بها فتخطر بك...). [3] .

أي لك أن تقول ما شئت وكما تحبّ مادمت لم تقم ضدّنا ولم تخرج علينا، وأمّا إذا تحرّكت عمليّا ضـدّنـا وخـرجـت عـليـنـا فـلاغـفـران ولاأمـان، ولايـكـون بـيـنـنـا وبـيـنـك عـنـدهـا إلاّ السـّيـف والقـتـل. هـذا هـوالخطّ الاحمر المرسوم للدّم المضنون في بني عبدمناف! وعليه ألاّيتجاوزه حتّي لايطاله القتل فيسفك كأيّ دم آخر غير مضنون!

هذا هو الموقف الامويّ الرسمي بحدوده وأبعاده سافرا في تصريح الوليد بن عتبة، ولقد بلّغ الامـويـّون الامـام الحـسـيـن (ع) بـهـذا المـوقـف وأشـعـروه بـهـذه الحـدود


أيـضـا قبل ذلك في زوبعة اليوم الاوّل من إمامته (ع) في المواجهة التي أثاروها لمنع دفن الامام الحسن (ع) قرب جدّه (ص).

إذن فـدم الامـام الحـسين (ع) دم مضنون في بني عبدمناف عند الحكم الامويّ ما لم يخرج الامام (ع) عـلي هـذا الحـكـم، وهـو دم مـظـنـون لاعـن إيـمـان بـحـقـّه العـظـيـم وقـداسـتـه، بل لانّ سفك هذا الدم المقدّس يمزّق الاطار الديني الذي يتشبّث به الحكم الامويّ.

وظـلّ معاوية مدّة بقيّة حياته يهتمّ بأمر الامام الحسين (ع) اهتماما فائقا، ويحسب له حسابا خاصّا، فـي مـوازنـة دقـيـقـة بـيـن عـدم التـحـرّش بـه وتـحـاشـي إثـارتـه وبـيـن مـراقـبـتـه ليل نهار مراقبة دقيقة متواصلة للحيلولة دون خروج فكرة القيام والثورة عند الامام (ع) من مكنون النـيـّة إلي حـيـّز التـطـبـيـق والتـنـفـيذ العملي، خشية من مواجهة الخيارات الحرجة التي يسبّبها لمعاوية قيام الامام (ع) في حال تمكّنه من تنفيذ هذا القيام عمليّا.


پاورقي

[1] تأريخ ابن عساکر(ترجمة الامام الحسين (ع) تحقيق المحمودي: 200، حديث 255.

[2] الامامة والسياسة، 1: 179.

[3] أنساب الاشراف، 3: 156، حديث 15.