بازگشت

صدق ابومحمد


كـان الامـام الحـسـيـن (ع) قد وقف من كلّ قرارات ومواقف الامام أبي محمّد الحسن (ع) موقف الشريك المعاضد والنصير المؤازر، هذا ما تؤكّده المتابعة التأريخيّة للعلاقة بينهما طيلة فترة إمامة الحسن (ع)، فضلاعن أنّ الاعتقاد الحقّ بإمامتهما وعصمتهما يفرض القطع بأنّ كلاّ منهما يصدّق الاخـر فـي القـول والفعل والتقرير. وفيما يتعلّق بأمر الصلح مع معاوية كان الامام الحسين (ع) قـد أكـّد دعـمه التامّ للقرار الحسني، وعبّر عن اشتراكه مع أخيه في موقفه، وعن امتثاله لامـره كـإمـام مـفـتـرض الطـاعـة فـي أكـثـر مـن مـنـاسـبـة. فـقـد قـال له عـديّ بـن حـاتـم (ره): (يـا أبـاعـبـداللّه، شـريـتـم الذلّ بـالعـزّ، وقـبـلتـم القـليل وتركتم الكثير، أَطِعنا اليوم واعصِنا الدهر، دعِ الحسن وما رأي من هذا الصلح، واجمع إليك شيعتك من أهل الكوفة وغيرها، وولّني وصاحبي (يعني عبيدة بن عمر) هذه المقدّمة، فلايشعر ابن هند إلاّ ونحن نقارعه بالسيوف).


فـأجـابـه الحـسـيـن (ع): (إنـّا قـد بـايـعـنـا وعـاهـدنـا، ولاسبيل لنقض بيعتنا). [1] .

ولمـّا طـلب مـنـه حـجـر بـن عـديّ (ره) مثل ذلك أجابه الامام الحسين (ع) أيضا: (إنّا قد بايعنا، وليس إلي ما ذكرت سبيل). [2] .

كـما أظهر تصديقه لاخيه في الالتزام بالمعاهدة ولوازمها عمليّا في جوابه لعليّ بن محمّد بن بـشـيـر الهـمـدانـي حين ذكر له امتناع الامام الحسن (ع) من إجابة من دعاه إلي الثورة بعد الصلح قـائلا: (صـدق أبـومـحـمـّد، فـليـكـن كـلّ رجـل مـنـكـم حـلسـا مـن أحـلاس ‍ بـيـته مادام هذا الانسان حيّا). [3] .

وعـبـّر (ع) عـن امـتـثـاله التـامّ لامـر الامـام الحسن (ع) في هذا الموقف لمّا دعاهما معاوية ومن معهما من أصحاب عليّ (ع) للبيعة في الشام، وكان معهم قيس بن سعد بن عبادة الانصاري، فلمّا أتوه دعـا مـعاوية الحسن (ع) للبيعة فبايعه، ثمّ دعا الحسين (ع) أيضا فبايعه، فلمّا طلب من قيس بـن سـعـد البـيـعـة التـفـت قـيـس ‍ إلي الحـسـيـن (ع) يـنـظـر مـا يـأمـره، فقال الحسين (ع): (يا قيس إنّه إمامي). يعني الحسن (ع). [4] .

ولايـنـافي هذه الحقيقة ما ورد في مجموعة أخري من النصوص أنّه (ع) كان كارها لتلك البيعة، كمثل قوله لبعض الشيعة:

(قـد كـان صـلح، وكـانـت بـيـعـة كـنـت لهـا كـارهـا، فـانـتـظـروا مـادام هـذا الرجل حيّا، فإن يهلك نظرنا ونظرتم). [5] .

ذلك لانّ هذا الصلح كان أبغض الاختيارات أمام الامام الحسن (ع)، وقد


اضطرّ إليه اضطرارا حـرصـا عـلي مـصـالح إسـلاميّة كبري، ولاشك أنّ رعاية هذه المصالح قد تفرض علي الامام في ظـروف صـعـبـة غـيـر مـسـاعـدة أن يـقـدم عـلي أمـرٍ هو عند الامام أمرّ من العلقم، وأشدّ من السمّ، وأفجع من الموت.

ولاتـفـاوت فـي كـراهـيـّة هـذا الصـلح عند الحسن والحسين (ع)، كما أنّ التعبير عن الكراهيّة لامرٍ لايـعـني التعبير عن عدم الرضا بفعله. ذلك لانّ الرضا بهذا الصلح بلحاظ ما يترتّب عليه من نتائج مرجّوةٍ أمرٌ آخر.

ولاتـفـاوت فـي الرضـا بـه أيـضـا عـنـد الحـسـن أوالحـسـيـن أو أيّ إمـام آخـر مـن أئمـّة أهل البيت (ع)، ولقد عبّر الامام الباقر (ع) عن نظرة الرضا بهذا الصلح قائلا:

(واللّه، للّذي صـنـعـه الحـسـن بـن عـليّ (ع) كـان خـيـرا لهـذه الامـّة مـمـّا طـلعـت عـليـه الشـمـس...). [6] .

ومـع اعـتـقـادنـا بـأنّ المـوقـف الذي يـتـّخـذه الامـام المـعـصـوم هـو الافـضـل فـي ظـرفـه، أي أنّ كـلاًّ مـن صـلح الحـسـن (ع) وقـيـام الحـسـيـن (ع) كـان هـوالافـضـل فـي ظـرفـه، صـحّ لنـا إذن أن نـقـطـع بـأنّ إمـامـة الحـسـيـن (ع) لوكـانـت قـبل إمامة الحسن (ع) لصالح معاوية كما فعل الحسن (ع) في ظرفه، ولوكانت إمامة الحسن (ع) بعد إمامة الحسين (ع) لثار الحسن (ع) كما فعل الحسين (ع) في ظرفه.

أمـّا مـا ورد فـي مـجـمـوعـة أخـري مـن الروايـات أنّ الامـام الحـسـيـن (ع) قـال لاخـيـه الامـام الحـسـن (ع) حـيـنـمـا عـزم عـلي الصـلح: (يـا أخـي، أعـيـذك بـاللّه مـن هـذا) [7] اعتراضا عليه، أو أنّه قال: (نشدتك اللّه أن تصدّق أحدوثة معاوية وتـكـذّب أُحـدوثـة عـليّ!). [8] أو


(أنـشـدك اللّه أن تـكـون أوّل مـن عـاب أبـاك وطـعـن عـليه ورغب عن أمره!) فأجابه الامام الحسن (ع): (إنّي لاأري ما تـقـول، واللّه لئن لم تـتـابـعـنـي لاسـنـدتـك فـي الحـديـد، فـلاتـزال فـيـه حـتـّي أفـرغ مـن أمـري!) [9] أو أنـّه (ع) قـال: (أعـيـذك بـاللّه أن تكذّب عليّا في قبره وتصدّق معاوية!)، فيجيبه الامام الحسن (ع): (واللّه ما أردت أمرا قطّ إلاّ خالفتني إلي غيره، واللّه لقد هممت أن أقذفك في بيت فأُطيّنه عـليـك حـتـّي أقـضـي أمـري!). [10] فـإنّ هـذه الروايـات كـلّها عاميّة، مردودة لايمكن القـبـول بـهـا، لانـّهـا تـعـارض الاعـتـقـاد الحـقّ بـمـعـنـي الامامة وحقائقها والادب الرفيع الذي يـتـعـامـل بـه حـجـج اللّه تـعـالي فـيـمـا بـيـنـهـم، وهـي مـن افـتـعال الخيال السنّي المتأثّر بالتضليل الامويّ الذي عمد إلي تشويه صورة الامام الحسن (ع) بـشـكـل خـاصّ ليـظـهـره بـمـظـهـر المـوادع الذي يـحـبّ السـلامـة والراحـة والنـسـاء والمـال، وأنـّه لاعـزم له عـلي حـرب ولاشـدّة، كـلّ ذلك ليـجـرّده في أذهان الناس عن أهليّته للخـلافـة. ومـن المـؤسـّف حـقـّا أنـّك قـد لاتـجـد فـي تـواريـخ العـامّة كتابا لم يتأثّر بهذا التضليل الظالم!!


پاورقي

[1] الاخبار الطوال: 220.

[2] أنساب الاشراف، 3: 151، حديث 12.

[3] الاخبار الطوال: 221.

[4] إختيار معرفة الرجال، 1: 325، حديث 176.

[5] أنساب الاشراف، 3: 150، حديث 10.

[6] الکافي، 8: 330، حديث 506.

[7] الفتوح، 4: 289.

[8] تاريخ الطبري، 4: 122.

[9] أنساب الاشراف، 3: 51، حديث 61.

[10] تأريخ مدينة دمشق، 13: 267.