بازگشت

القيام عند أهل البيت


إنّ لائمـة أهـل البـيـت (ع) دورا عـامّا يشتركون جميعا في السعي إلي تحقيقه بالرغم من تفاوت الظـروف السـيـاسـيـّة والاجـتـمـاعـيـّة التـي يـمـرّون بـهـا، كـمـثـل مـسؤوليّتهم في الحفاظ علي الرسالة الاسلاميّة وتحصينها من كلّ ما يشوبها من عوالق لاإسـلامـيـّة، ومـسؤوليّتهم في الحفاظ علي الامّة ووقايتها من الاخطار التي تهدّدها، وتبيين الاحكام الشـرعـيـّة والحـقـائق القـرآنـيـّة، وإنـقـاذ الدولة الاسـلامـيـّة مـن كـلّ تـحـدٍّ كافر، وتعريف الامّة بـفـضـل أهـل البـيـت (ع) وأحـقـّيـّتـهـم بـالامـر مـا سـنـحـت الفـرصـة واتـّسـع المجال، وإلي غير ذلك من مصاديق دورهم العام المشترك.

ولكلٍّ منهم أيضا دور خاصّ به، تحدّده طبيعة الظروف السياسيّة والاجتماعيّة التي يعيشها كلُّ من الاسـلام والامـام والامـّة. وقـد تتشابه الادوار الخاصّة لبعضهم نتيجة تشابه تلك الظروف، كـمـا هـي الحـال فـي الظروف التي عاشها كلّ من الباقر والصادق (ع) أوالهادي والعسكريّ (ع). وقـد تـتـعـارض الادوار الخـاصـّة لبـعـضـهـم نـتـيـجـة التـغـايـر بـيـن تـلك الظـروف، كـما هي الحال في مهادنة الامام الحسن (ع) مع معاوية والثورة التي قام بها الامام الحسين (ع) ضدّ يزيد بن معاوية.

ومـن الدور العـامّ المـشترك لائمة أهل البيت (ع) أصل القيام بوجه الحاكم الظالم إذا توفرّت (العـدّة) اللاّزمـة للقـيـام بـكـلّ أبعادها لافي بُعد العدد فقط، ويمكن استفادة هذه الحقيقة أوهذا الهدف من أهداف دورهم العام المشترك من


مجموعة روايات وردت عنهم (ع)، فأمير المؤمنين عليّ (ع)بعد السقيفة كان قد حرّض ‍ البدريّين من المهاجرين والانصار علي القيام والثورة، فلم يدع أحـدا مـنـهـم إلاّ أتـاه في منزله، يذكّرهم حقّه ويدعوهم إلي نصرته، فما استجاب له منهم إلاّ أربـعـة وأربـعـون، فـأمـرهم أن يصبحوا بكّرة محلّقين رؤوسهم معهم السلاح ليبايعوا علي المـوت، فـمـا وافـاه فـي الصـبـاح مـنـهـم إلاّ أربـعـة، ثمّ أتاهم أيضا في الليلة التالية فـنـاشدهم فقالوا: نصبحك بكرة، فما أتاه غير أولئك الاربعة، وكانت النتيجة نفسها أيضا في غداة اليوم التالي، فلمّا رأي غدرهم وقلّة وفائهم له لزم بيته. [1] .

ولم يـقـل أمـيـر المؤمنين (ع) قوله المشهور: (.. وواللّه، لاسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليَّ خاصّة..) [2] إلاّ بعد أن ظهرت نتيجة مؤامرة الشوري وأُعطِيت الخلافة لعثمان، وزويت عنه للمّرة الثالثة، وهو يري الامّة في غمرتها تغطُّ في غفلة عميقة عن حـقـّه المـغـتـصـب، فـمـا صـبـر عـلي مـا صبر إلاّ لعدم توفّر عدّة القيام حتّي فيما بعد الشوري. [3] .

ويـسـتـفـاد هـذا الاصـل أيـضـا مـن قـصـّة سـديـر الصـيـرفـي مـع الامـام الصـادق (ع)، التـي قال له الامام (ع) في آخرها:

(واللّه يا سدير، لوكان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود!) [4] .


وكان عدد هذه الجداء سبعة عشر!.

كـمـا يـسـتـفـاد مـن روايـة مـأمـون الرقـّي فـي قـصـّة الصـادق (ع) مـع سـهـل بـن حـسـن الخـراسـانـي الذي اعـتـذر للامـام (ع) عـن امـتـثـال أمـره فـي دخـول التـنـّور المـسـجـور، ودخـله هـارون المـكـّي (ره)، فـقـال (ع) للخـراسـانـي: (كـم تـجـد بـخـراسـان مـثـل هـذا؟) فقال: واللّه ولاواحدا، فقال (ع):

(لاواللّه ولاواحدا، أما إنّا لانخرج في زمانٍ لانجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت). [5] .

وكـان هـذا الاصـل أيـضـا عـنـد الامـام الحـسـن (ع)، إذ كـان أوّل مـا فـعـله بـعـد أمـيـر المـؤمـنـيـن (ع) هـو مـواصـلة التـعـبـئة العـامـّة لقـتـال مـعاوية في حرب مصيريّة، ولولاالخيانات الكبري والخذلان الخطير والوهن المتفشّي في عـسـكـره ومـا أشـبـه ذلك مـن أسـبـاب أجـبـرتـه عـلي تـرك الحـرب لمـا آل الامـر إلي صـلح مـع مـعاوية، وكان الامام الحسن (ع) قد ابتلي الناس في عزمهم علي الجهاد قـبـل المـهـادنـة فـمـا وجد فيهم إلاّالخَور والضعف وحبّ السلامة والدنيا، حين صعد المنبر فخطبهم قائلا:

(.. ألاوإنّ مـعـاويـة دعـانا إلي أمرٍ ليس فيه عزّ ولانصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه (وحـاكـمـنـاه إلي اللّه عـزّ وجـلّ بـضـُبـا السـيـوف)، وإن أردتـم الحـيـاة قبلناه، وأخذنا لكم الرضا.)

فناداه القوم (من كلّ جانب): البقية! البقية!، (فلمّا أفردوه أمضي الصلح). [6] .


ولمـّا أن شـكـي إليـه الصـحـابـيّ البـطـل الشـهـيـد حـجـر بـن عـديّ (ره) مـرارة الحـال بـقـوله: (خـرجـنـا مـن العـدل ودخـلنـا في الجور، وتركنا الحقّ الذي كنّا عليه ودخلنا في البـاطـل الذي كـنـّا نـذمـّه، وأعـطينا الدنيّة ورضينا بالخسيسة، وطلب القوم أمرا وطلبنا أمرا، فرجعوا بما أحبّوا مسرورين، ورجعنا بما كرهنا راغمين) أجابه الامام الحسن (ع):

(يـا حـجـر، ليـس كـلّ النـاس يـحـبّ ما أحببت، إنّي قد بلوت الناس، فلو كانوا مثلك في نيّتك وبصيرتك لاقدمت). [7] .


پاورقي

[1] راجـع سـليـم بـن قـيـس: 81؛ والکـافي، 8: 33 في ذکر الخطبة الطالوتية؛ واختيار مـعـرفـة الرجـال، 1: 38 حديث 18؛ وتأريخ اليعقوبي، 2: 84-85. وتفاوتت هذه المصادر في عـدد الذيـن اسـتـجـابـوا له وأتـوه بـيـن أربـعـة أو ثـلاثـة، کـمـا تـفـاوتـت فـي مـن هـم هؤلاء الرجال الذين وفوا له (ع) بالاستجابة.

[2] نهج البلاغة: 102، حديث 74 ضبط صبحي الصالح.

[3] راجع: شرح النهج، 9: 392.

[4] الکافي، 2: 242 -243، حديث 4.

[5] مناقب آل أبي طالب، 4: 237.

[6] المجتني لابن دريد: 23؛ وأسد الغابة، 2: 14 بسند إلي ابن دريد، وفيه إضافة العبارات التي بين قوسين.

[7] أنساب الاشراف (تحقيق المحمودي)، 3: 151، حديث 12.