بازگشت

زوبعة اليوم الاول


لم يـنـطـوِ مـعـاويـة إلاّ عـلي الخـيـانـة ونـقـض العـهـد مـن اليـوم الاوّل للصـّلح بـل منذ أن فكّر في الصلح، وقد أعلن عن غدره في الايّام الاولي بعد الصلح، ولاأوضح من قوله في خطبته الاولي بعد الصلح:

(ألاوإنّ كلّ شي أعطيته الحسن بن عليّ تحت قدميَّ هاتين لاأفي به!!). [1] .

وقوله:

(يـا أهـل الكـوفـة، أتـرونني قاتلتُكم علي الصلاة والزكاة والحجّ، وقد علمت أنّكم تصلّون وتـزكـّون وتـحـجـّون؟ ولكـنّي قاتلتُكم لاتأمّر عليكم وألِيَ رقابكم، وقد آتاني اللّه ذلك وأنـتـم كـارهـون!، ألاإنّ كـلّ دمٍ أصـيـب فـي هـذه الفـتـنـة مطلول، وكلّ شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين!!). [2] .

ومع أنّ معاوية لم يفِ بأيّ بندٍ من بنود المعاهدة، لكنّه لم يجد الراحة


والاستقرار في نفسه والاطـمـئنـان عـلي مـسـتـقبل خلافة يزيد من بعده وهو يري أبامحمّدٍ الحسن (ع) حيّا، فمكر لقتله مرارا لكـنّه لم ينجح في ذلك إلاّ أخيرا علي يد جعدة بنت الاشعث بن قيس الكنديٍّّ التي سمّت الامام (ع) طمعا في الزواج من يزيد بعد أن أغراها معاوية بذلك وخطّط لها المكيدة.

وانـتـقـل الامام المظلوم أبومحمّد الحسن المجتبي إلي جوار ربّه وجدّه وأبيه وأمّه بعد أن كابد مـرارة السـم وآلامـه أربـعـين يوما، وكانت شهادته في السابع من صفر سنة خمسين، أوفي آخر صفر سنة تسع وأربعين للهجرة. [3] .

فابتدأت في ذلك اليوم إمامة سيّد الشهداء (ع)...

وكانت زوبعة اليوم الاوّل من امامته (ع) مشكلة دفن أخيه الحسن (ع)، تلك المشكلة التي أثارتها عائشة بتخطيط وتحفيز من مروان بن الحكم.

وفـي قصّة هذه الزوبعة روايات كثيرة متفاوتة رواها الفريقان، ننتقي هنا هذه الرواية منها، وفيها أنّ الحسن (ع) قال لاخيه الحسين (ع):

إذا متُّ فغسّلني، وحنّطني، وكفّنّي، وصلّ عليَّ، واحملني إلي قبر جدّي حتّي تُلحدني إلي جانبه، فـإن مـُنـعـتَ مـن ذلك فـبحقّ جدّك رسول اللّه (ص) وأبيك أمير المؤمنين وأمّك فاطمة، وبحقّي عليك إن خاصمك أحدٌ ردّني إلي البقيع، فادفنّي فيه ولاتهرق فيَّ محجمة دم.

فـلمـّا فـرغ مـن أمـره، وصـلّي عـليـه، وسـار بـنـعـشـه يـريـد قـبـر جـدّه رسـول اللّه (ص) ليـلحـده مـعـه، بـلغ ذلك مـروان بـن الحـكـم طـريـد رسـول اللّه (ص)، فـوافـي مـسـرعـا عـلي بـغـله، حـتـّي دخل علي عائشة...


فـقـال لهـا: يـا أمّ المـؤمـنين، إنّ الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن عند قبر جدّه، وواللّه لئن دفنه معه ليذهبنّ فخر أبيك وصاحبه عمر إلي يوم القيامة.

فقالت له: فما أصنع يامروان؟

قال: إلحقي وامنعيه من الدخول إليه.

قالت: فكيف ألحقه؟

قال: هذا بغلي فاركبيه والحقي القوم قبل الدخول.

فـنـزل لهـا عـن بـغـله، وركـبـتـه، وأسـرعـت إلي القـوم، وكـانـت أوّل امـرأة ركـبـت السـرج هـي، فـلحـقـتـهـم وقـد صـاروا إلي حـرم قـبـر جـدّهـمـا رسول اللّه (ص)، فرمت بنفسها بين القبر والقوم.

وقالت: واللّه، لايُدفن الحسن هاهنا أو تحلق هذه وأخرجت ناصيتها بيدها.

وكـان مـروان لمـّا ركـبـت بـغـله جـمـع مـن كـان مـن بـنـي أمـيـّة وحـثـّهـم، فـأقبل هو وأصحابه وهو يقول: يارُبّ هَيْجا هيَ خيرٌ من دِعَة. أيُدفن عثمان في أقصي البقيع ويـدفـن الحـسـن مـع رسـول اللّه؟! واللّه، لايـكـون ذلك أبـدا وأنـا أحمل السيف.

وكادت الفتنة تقع!!

وعائشة تقول: واللّه لايدخل داري من أكره.

فـقـال لهـا الحـسـيـن (ع): هـذه دار رسـول اللّه (ص)، وأنـتِ حـشـيـّة مـن تـسـع حـشـيـّاتٍ خـلّفـهـن رسول اللّه (ص)، وإنّما نصيبك من الدار موضع قدميك.

فأراد بنوهاشم الكلام وحملوا السلاح!

فقال الحسين (ع): اَللّه اَللّه، لاتفعلوا فتضيعّوا وصيّة أخي.


وقـال لعـائشـة: واللّه، لولاأنـّه أوصـي إليّ ألاّ أُهـرق فـيـه محجمة دم لدفنتُه هنا ولو رغم لذلك أنفك.

وعدل به إلي البقيع فدفنه مع الغرباء!

وقـال عـبـداللّه بـن عـبـّاس: يـا حـمـيـراء، كـم لنـا مـنـكِ!؟ فـيـوم عـلي جمل، ويوم علي بغل!

فـقـالت: إن شـاء أن يـكـون يـوم عـلي جـمـل ويـوم عـلي بغل، واللّه ما يدخل الحسن داري..). [4] .

وروي أنّ الامام الحسين (ع) حاجَّ عائشة هكذا:

(قـديـمـا هـتـكـتِ أنـتِ وأبـوك حـجـاب رسـول اللّه (ص)، وأدخـلتِ بـيـتـه مـن لايـحـب رسول اللّه (ص) قربه وإنّ اللّه سائلك عن ذلك يا عائشة.

إنّ أخـي أمـرني أن أُقرّبه من أبيه رسول اللّه (ص) ليحدث به عهدا، واعلمي أنّ أخي أعلم النـاس بـاللّه ورسـوله، وأعـلم بـتـأويـل كـتـابـه مـن أن يـهـتـك عـلي رسـول اللّه (ص) سـتـره، لانّ اللّه تـبـارك وتـعـالي يـقـول: (يـا أيـّهـا الذين آمنوا لاتدخلوا بيوت النبيّ إلاّ أن يؤذن لكم)، وقد أدخلتِ أنتِ بيت رسول اللّه (ص) الرجال بغير إذنه.

وقـد قـال اللّه عزّ وجلّ: (يا أيّها الذين آمنوا لاترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ)، ولعمري لقـد ضـربـتِ أنـتِ لابـيـك وفـاروقـه عـنـد أذنِ رسـول اللّه (ص) المعاول!

وقـال اللّه عـزّ وجـلّ: (إنّ الذيـن يـغـضـّون أصـواتـهـم عـنـد رسـول اللّه أولئك الذيـن


امـتـحـن اللّه قـلوبـهـم للتـقـوي)، ولعـمـري لقـد أدخـل أبـوك وفـاروقـه عـلي رسـول اللّه (ص) بـقربهما منه الاذي، وما رعيا من حقّه ما أمرهما اللّه به علي لسان رسول اللّه (ص)، إنّ اللّه حرّم علي المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم أحياء.

وتـاللّه يـا عـائشـة لو كـان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه صلوات اللّه عليهما جائزا فيما بيننا وبين اللّه لعلمت أنّه سيدفن وإن رغم معطسك...). [5] .

وروي ابـن عـسـاكـر أنّ مـروان كـان قـد راسـل مـعـاويـة بأخبار الامام الحسن (ع) وما آلت إليه حالته الصحيّة عند ما ثقل عليه السمُّ. [6] .

وروي أيـضا أنّ معاوية بلغه ما كان قد أراد الامام الحسين (ع) في دفن أخيه الحسن (ع) إلي جـوار جـدّه (ص)، فـقال: (ما أنصفتنا بنوهاشم حين يزعمون أنّهم يدفنون حسنا مع النبيّ (ص) وقد منعوا عثمان أن يُدفن إلاّ في أقصي البقيع.

إن يك ظنّي بمروان صادقا لايخلصون إلي ذلك.

وجعل يقول: ويها مروان! أنت لها!) [7] .

إذن فـهـذا المـوقـف الامـويّ الذي قـام بـتنفيذه مروان في قضيّة دفن الامام الحسن (ع) كان رسالة مـوجـهـة إلي الامام الحسين (ع) في وقت مبكّر، هذه الرسالة تتضمّن رسم الحدود المسموح بها له والحدود الممنوعة عليه من قبل معاوية، فكأنّ الامويّين أرادوا أن يقولوا له منذ البدء: لك أن تتكلّم كما تحبّ، وليس لك أن


تقوم بأي فعل لانرضاه، وإلاّ فالسيف!


پاورقي

[1] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 16: 16 عن المدائني.

[2] صلح الحسن (ع): 285 عن المدائني.

[3] بحار الانوار، 44: 134.

[4] دلائل الامامة: 161-162.

[5] الکافي، 1: 302 -303، حديث 3.

[6] تأريخ مدينة دمشق، 13: 291.

[7] نفس المصدر، 13: 291.