بازگشت

مكانة الامام الحسين في الامة


امـتـاز الحـسـنـان (ع) بمكانتهما السامية وقداستهما الخاصّة في وجدان هذه الامّة الاسلاميّة منذ عهد جدّهما الرسول الاكرم (ص) وإلي يوم تقوم الساعة.

فهما من أهل آية المباهلة وآية التطهير وآية المودّة وآية الابرار...

وهـمـا ريـحـانـتـا رسـول اللّه (ص)، والامـامـان إن قـامـا وإن قـعـدا، وسـيـّدا شـبـاب أهل الجنّة، وهما السبطان، وهما إبنا رسول اللّه (ص). [1] .

وفـي البـيـانـات النـبـويّة الكثير في الدعوة إلي حبّهما والتحذير من بغضهما.. وقد عرف لهما الصحابة موقعهما الخاصّ من قلب رسول اللّه (ص)، فعظم عند المخلصين من الصحابة قدرهما وتنافسوا في تكريمهما وتقديسهما..

اعـتـرض مـُدرك بـن زيـاد علي ابن عبّاس، وقد أمسك ابن عبّاس للحسن والحسين بالركاب وسوّي عليهما

قائلا: أنت أسنّ منهما تمسك لهما بالركاب؟!

فـقـال: يـالُكَع، وتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول اللّه (ص)، أوليس ممّا أنعم


اللّه به عليّ أن أمسك لهما وأُسوّيٍَّ عليهما؟! [2] .

وبـلغ مـن تـعـظـيم المسلمين وتكريمهم لهما، أنّهما لمّا كانا يحجّان إلي بيت اللّه الحرام ماشيين والنـجـائب تـقـاد بـيـن أيـديـهـمـا، يـتـرجـّل كلُّ راكبٍ يجتاز الطريق عليهما إكبارا لهما وتعظيما لشـأنهما، حتّي شقّ المشي علي كثير من الحجّاج، فكلّموا أحد أعلام الصحابة، وطلبوا منه أن يـعـرض عـليـهـمـا الركـوب أو التنكّب عن الطريق، فعرض عليهما ذلك، فقالا: (لانركب، قد جـعـلنـا عـلي أنـفـسـنـا المـشـي إلي بـيـت اللّه الحـرام عـلي أقـدامـنـا، ولكـنـّا نـتـنكّب عن الطريق.) [3] .

(وكـانـا إذا طـافـا بـالبـيـت يـكـاد النـاس يـحـطـمـونـهـمـا مـمـّا يـزدحـمـون عـليـهـمـا للسـلام عليهما..) [4] .

ومـابـرح الحـسـنـان (ع) فـرقـدَي سـمـاء هـذه الامـّة، تـتطلّع إليهما قلوب المؤمنين حبّا وإكبارا وتـقديسا، حتّي غاب أبومحمّد الحسن المجتبي عن هذه الدنيا منتقلاإلي جوار ربّه تبارك وتعالي وجدّه (ص) وأمّه وأبيه (ع)...

وبقي الامام أبوعبداللّه الحسين (ع) وحده...

فـصـارت الامـّة تـري فـيـه فـضـلاعـن قـدسـيـّتـه الخـاصـّة بـقـيـّة أهـل الكـسـاء وآيـة التـطـهـيـر وآيـة المـودّة وآيـة الابـرار وأهـل البـيت وتذكار الرسول وعليٍّ وفاطمة والحسن صلوات اللّه عليهم أجمعين، فكان (أعظم الخـلف مـمـّن مـضـي) كـمـا عـبـّرت عـن ذلك إحـدي رسـائل التـعـزيـة التي وصلته من الكوفة. [5] .


وكان محلّه من الناس محلّ جدّه النبيٍّّ (ص)، تجد فيه الارواح الحائرة القلقة ما تشتهي من طمأنينة وسكينة، حتّي النفوس المنحرفة عن هدي أهل البيت (ع) لم تكن تملك أمام أبي عبداللّه (ع) إلاّ أن تُجلَّه وتظهر له فائق الاكبار وتعترف له بسمّو القدر والمنزلة.

تـقـول الروايـة: (.. أعـيـي الحـسـيـن (ع) فـقـعـد فـي الطـريـق، فجعل أبوهريرة ينفض ‍ التراب عن قدميه بطرف ثوبه...

فقال الحسين (ع): يا أباهريرة، وأنت تفعل هذا!؟

قـال أبـوهـريـرة: دعـنـي، فـواللّه لو يـعـلم النـاس مـنـك مـا أعـلم لحـمـلوك عـلي رقـابـهـم.) [6] .

وكان (ع) في المدينة الشمس التي تفيض علي الناس نورا وهديً وأمنة وطمأنينة، وكان (ع) إذا خـطب في مسجد جدّه (ص) أوتحدّث إلي حضّاره انبهرت له القلوب وتسمّرت إلي محيّاه الاعين، وكأنّ علي رؤوس الناس الطير.

هذا معاوية العدوّ اللدود يقول لرجل من قريش:

(إذا دخـلت مـسـجـد رسـول اللّه (ص) فـرأيت حلقة فيها قومٌ كأنّ علي رؤوسهم الطير، فتلك حـلقـة أبـي عـبـداللّه، مـؤتزرا علي أنصاف ساقيه، ليس فيها من الهزيلي [7] شئٍّ). [8] .


ويـجـتاز الامام الحسين (ع) في مسجد جدّه رسول اللّه (ص) علي جماعة فيهم عبداللّه بن عمرو بن العـاص، فـيـسـلّم الامـام عليهم، فيردّون عليه السلامَ، ثمّ ينبري عبداللّه بن عمرو بن العاص فيردّ السلام بصوت عالٍ، (.... ثمّ أقبل علي القوم.

فقال: ألاأخبركم بأحبّ أهل الارض إلي أهل السماء؟

قالوا: بلي.

قال: هو هذا المُقْفي، واللّه ماكلّمته كلمة ولاكلّمني كلمة منذ ليالي صفّين، واللّه لان يرضي عنّي أحبّ إليّ من أن يكون لي مثل أُحُد!...). [9] .

وكان (ع) سيّد أهل الحجاز وسيّد العرب في دهره، وسيّد المسلمين...

قـال ابـن عـبـّاس فـي إحـدي مـحـاوراتـه مـع الامـام (ع): (إن أهـل العـراق قـوم غـدرٌ فـلاتـقـربـنـّهـم، أقـم بـهـذا البـلد فـإنـّك سـيـّد أهل الحجاز..). [10] .

ومـمـّا قـال له عـبـداللّه بـن مـطـيـع العـدويّ وهـو يـحـذّره ألاّيـغـرّه أهل الكوفة: (فالزم الحرم فإنك سيّد العرب في دهرك هذا..). [11] .

وكـان هـذا العـدويّ يـعـلم أنّ أبـاعـبـداللّه الحـسـيـن (ع) من مساكن بركة اللّه ووسائط فيضه، فـقـال للامـام (ع): (إنّ بـئري هذه قد رشحتها، وهذا اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو شي من ماء، فلو دعوت اللّه لنا فيها بالبركة!!

فقال له الامام (ع): (هات من مائها).


فـأتـي مـن مـائهـا فـي الدلو، فـشـرب مـنـه ثـمّ تـمـضـمض ثمّ ردّه في البئر فأعذب وأمهي. [12] .

وأقـام (ع) بـمـكـّة المـكـرّمة (فعكف الناس علي الحسين يفدون إليه ويقدمون عليه، ويجلسون حـواليـه، ويـسـتـمعون كلامه، حين سمعوا بموت معاوية وخلافة يزيد، وأمّا ابن الزبير فإنّه لزم مـصـلاّه عـنـد الكـعـبة، وجعل يتردّد في غبون ذلك إلي الحسين في جملة الناس، ولايمكنه أن يتحرّك بشي ممّا في نفسه مع وجود الحسين، لما يعلم من تعظيم الناس له وتقديمهم إيّاه عليه... بـل النـاس إنـّمـا مـيـلهـم إلي الحـسـيـن لانـّه السـيـّد الكـبـيـر، وابـن بـنـت رسول اللّه (ص)، فليس علي وجه الارض ‍ يومئذٍ أحد يساميه ولايساويه...). [13] .

وفـي فـقـرات رسـائل أهـل الكـوفـة إليـه مـا يـكـشـف عـن مـكـانـتـه (ع) فـي قـلوبـهـم، كمثل قولهم:

(إنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّاللّه أن يجمعنا بك علي الهدي). [14] .

وقـولهـم (أمـّا بـعـد: فـحـيَّ هـلاّ، فـإنّ النـاس يـنـتـظـرونـك، ولارأي لهـم فـي غـيـرك، فالعجل العجل، والسلام عليك). [15] .

وقـام يـزيـد بـن مـسـعـود النـهشلي (ره) وهومن أشراف البصرة خطيبا في جموع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد في البصرة، يدعوهم إلي نصرة الحسين (ع)، فكان ممّا قاله لهم في التعريف بمكانة الامام (ع):

(.. وهـذا الحـسـيـن بـن عـلي، إبـن بـنـت رسـول اللّه (ص) ذوالشـرف الاصـيـل،


والرأي الاثـيـل، له فـضـل لايـوصـف، وعلم لاينزف، وهو أولي بهذا الامر لسابقته وسـنـّه وقـدمـته وقرابته، يعطف علي الصغير ويحنو علي الكبير، فأكرم به راعي رعيّة، وإمام قوم وجبت للّه به الحجّة، وبلغت به الموعظة..). [16] .

ولم تخل قلوب بعض بني أميّة من استشعار حرمة ومكانة أبي عبداللّه الحسين (ع)، ويبدو أنّ قلب الوليـد بـن عـتـبـة والي المـديـنـة عـنـد مـوت مـعـاويـة كـان مـن تـلك القـلوب، فـقـد قال لمروان بن الحكم الذي أشار عليه بحبس الحسين (ع) حتّي يبايع أو تضرب عنقه:

(ويحك إنّك أشرت عليّ بذهاب ديني ودنياي، واللّه ما أُحبّ أنّ ملك الدنيا بأسرها لي وأننّي قتلت حسينا، واللّه ما أظنّ أحدا يلقي اللّه بدم الحسين (ع) إلاّ وهو خفيف الميزان، لاينظر اللّه إليه ولايزكّيه وله عذاب أليم). [17] .

وهـذا يـحـيـي بـن الحـكـم أخـو مـروان يـعـتـرض مـسـتـنـكـرا قتل الامام الحسين (ع) في بلاط يزيد قائلا:



لهامٌ بجنب الطفّ أدني قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل



سميّة أمسي نسلها عدد الحصي

وليس لال المصطفي اليوم من نسل) [18] .



ولمـّا اسـتـشـعر المجرمون سخط الامّة لقتل الامام (ع) حتّي في بيوتهم، حاولوا


التهرّب من مسؤوليّة قتله، وصار بعضهم يُلقي بالمسؤوليّة علي بعض! فهذا الطبري يروي أنّه لمّا وضع رأس الامـام (ع) بـيـن يـدي يـزيـد، وسـمـعت بذلك زوجة يزيد هند بنت عبداللّه بن عامر، تقنّعت بثوبها فخرجت..

(وقـالت: يـا أمـيـر المـؤمـنـيـن، أرأس الحـسـيـن بـن فـاطـمـة بـنـت رسول اللّه!؟

قـال: نـعـم، فـاعـولي عـليـه، وحـُدِّي عـلي ابـن بـنـت رسـول اللّه (ص) وصـريـخـة قـريـش، عـجـّل عـليـه ابـن زيـاد فـقـتـله، قـتـله اللّه!!!). [19] .

وأراد عـبـيـداللّه بـن زياد بعد قتل الامام (ع) أن يأخذ من عمر بن سعد الكتاب الذي أمره فيه بقتل الامام (ع)..

فـقـال: (يـا عـمـر! أيـن الكـتـاب الذي كـتـبـت بـه إليـك فـي قتل الحسين!؟

قال: مضيتُ لامرك، وضاع الكتاب.

قال: لتجيئنَّ به!

قال: ضاع.

قال: واللّه لتجيئنَّ به!

قال: تُرِك واللّه يُقراء علي عجائز قريش إعتذارا إليهنّ بالمدينة! أما واللّه لقد نصحتك في حسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقّاص كنت قد أدّيتُ حقّه.

قـال عـثـمـان ابـن زيـاد أخـو عبيداللّه: صدق، واللّه لوددت أنّه ليس من بني زياد رجلٌ إلاّ وفي أنفه خِزامةٌ إلي يوم القيامة وأنّ حسينا لم يقتل...). [20] .



پاورقي

[1] راجـع: نـهـج الحـق وکـشـف الصـدق:173-184؛ وحـيـاة الامـام الحـسـن بـن عـلي (ع):1:10397.

[2] مناقب آل أبي طالب، 3: 400.

[3] الارشاد: 280 -281.

[4] البداية والنهاية، 8: 37.

[5] أنساب الاشراف، 3:151، حديث 13.

[6] تأريخ ابن عساکر(ترجمة الامام الحسين (ع) تحقيق المحمودي: 149، حديث 191.

[7] الهـزيـلي: إذا خـفـّت يـدا المـشـعـوذ بـالتـخـايـيـل الکـاذبـة يـقـال لفـعـله: الهـزيلي وأراد معاوية أنّ حلقة الامام الحسين (ع) ليس فيها إلاّ الحق والصدق والجـدّ.

[8] تأريخ ابن عساکر(ترجمة الامام الحسين (ع) تحقيق المحمودي: 147، حديث 189.

[9] مجمع الزوائد، 9:186 -187 عن الطبراني في الاوسط.

[10] تاريخ الطبري، 4:288.

[11] الفتوح، 5:23.

[12] تأريخ ابن عساکر(ترجمة الامام الحسين (ع) تحقيق المحمودي: 155، حديث 201.

[13] البداية والنهاية، 8:151.

[14] مقتل الحسين (ع) لابي مخنف: 16.

[15] المصدر السابق.

[16] اللهوف: 38.

[17] نفس المصدر: 10.

[18] تاريخ الطبري، 4: 352.

[19] تاريخ الطبري، 4: 356.

[20] نفس المصدر، 4: 357.