بازگشت

سر تأكيد الائمة علي عزاء الحسين و زيارته


إنّ العـناية الفائقة التي خصّ أئمـتـنـا (ع) بـهـا عـزاء الحـسـيـن (ع)، وتـأكـيداتهم المتلاحقة علي زيارة قبره المقدّس ‍ لايصحّ تـفـسـيـرهـا بـلحـاظ المـثـوبـات العـظـيـمـة المـوعـودة عـليـهـا كـعـمـل تـعـبـّديٍّ فـقـط -وإن كـان لسـان جـلّ الروايـات المتعلّقة بهذه المسألة يقتصر علي ذكر المـثـوبـة فـقـط-بـل لابـدّ فـي تـفـسيرها من النظر أيضا إلي الاثار الاخري المترتّبة علي عزائه (ع) وعلي زيارته. [1] .


ومـن أهـمّ تـلك الاثـار: الاثـر التـربـويّ المـنـشـود مـن وراء العزاء والزيارة خاصّة، ومن وراء الشعائر الحسينيّة الاخري عامّة، إذ إنّ صناعة (الانسان الحسينيّ): المؤمن الحرّ الابيّ البصير القـاطـع الصـلب المتأسيّ بمناقبية الامام الحسين (ع) وأنصاره الكرام لاتكون إلاّ في (مصنع عاشوراء).

ومـن تـلك الاثـار: الاثـر السـياسي والاجتماعي، والتغيّر الفكري والروحي في الامّة الناشي عن العزاء والزيارة خاصّة وعن الشعائر الحسينيّة الاخري عامّة، خصوصا في فترة ما بين مقتله (ع) إلي أيـّام الغـيـبـة الصـغري، حيث كان العزاء والزيارة مثلايعنيان في بعض مقاطع تلك الفترة رفـض النـاس للسـلطـات الحـاكـمـة آنذاك، وإعلان البراءة منها، والخروج عليها والتصديّ لانـواع نـكالها وبطشها، إذ صار (...أهل السواد يجتمعون بأرض نينوي لزيارة قبر الحسين (ع)، فيصير إلي قبره منهم خلق كثير...) [2] .

ثمّ صاروا يصرّون علي زيارته (ع) ويقولون:

(.. لو قـتـلنـا عـن آخـرنـا لمـا أمـسـك مـن بـقـي مـنـّا عـن زيـارتـه، وراءوا مـن الدلائل ما حملهم علي ما صنعوا... حتّي كثر جمعهم، وصار لهم سوق كبير....)، [3] .


الامر الذي هال الحكّام الطغاة وأفزعهم خوفا ورعبا من آثاره، فمنعوا الزيارة بعد أن تحوّلت إلي ظـاهرة سياسيّة اجتماعيّة خطيرة، واعتدوا علي القبر المقدّس نفسه غير مرّة، فقد كربه والي الكـوفـة مـوسي بن عيسي الهاشميّ في زمن هارون العبّاسي، [4] كما كربه المتوكلّ العـبـّاسـي عـلي يـد إبـراهـيـم الديزج اليهودي بمعونة جمع من اليهود، [5] أملامن الطغاة في اندراس هذا القبر المقدّس ومحو وجوده، وهو لايزداد إلاّ علوّا وإشراقا!

وفـي الازمـان الاخـيـرة أيـضـا هـوجم قبر الامام الحسين (ع) عدّة مرّات، ففي سنة 1216هـ.ق هجم الجـيـش الوهـابـيّ المـكـوّن من اثني عشر ألف مقاتل بقيادة سعود بن عبدالعزيز بإيعاز من أبيه عـلي مـديـنـة كـربـلاء المـشـرّفـة، فـباغتها صبيحة يوم الغدير علي حين غفلة من أهلها، فأباحوا القـتل فيها سبع ساعات من النهار، وقتلوا سبعة آلاف من أهلها، وهتكوا حرمة القبر الشريف وحرمة هذه المدينة المقدّسة. [6] .

وفـي سنة 1222هـ.ق تكرّرت هذه الفعلة أيضا فقد هجم الجيش الوهابي المكوّن من عشرين ألف مقاتل بقيادة سعود بن عبدالعزيز نفسه علي النجف وكربلاء. [7] .

وفـي سـنـة 1258 هــ.ق تـكرّرت هذه الفعلة الشنيعة أيضا علي يد نجيب باشا والي بغداد في عـهـد السـلطـان العـثـمـانـي عـبـد المـجـيـد، حـيث هاجم نجيب هذا مدينة


كربلاء المقدّسة وهتك حرماتها وقتل من أهلها مقتلة عظيمة! [8] .

وفي سنة 1411 هـ.ق هجم حسين كامل أحد أشرس أعوان صدام التكريني حاكم العراق علي مدينة كربلاء وضرب القبر المقدّس بالمدفعيّة وقتل من أهلها مقتله عظيمة!

ومـا خـوف الطـغـاة ورعـبـهم من صاحب هذا القبر (ع) إلاّ لوحدة الحقيقة بينه وبين الاسلام المحمّديّ الخـالص، الذي صـار بقاؤه رهين بقاء عاشوراء الحسين (ع)، النبراس والقدوة لكلّ إنتفاضة إسلاميّة حقّة.


پاورقي

[1] قـد يـتـصـوّر البـعـض أنّ قـولنا هذا تـحـمـيـل عـلي الروايـات بـمـا ليـس فـيـها، فنقول: إنّ هذا العزاء وهذه الزيارة لهما آثار -غير المـثـوبـة -تـنـشـاء عـنـهـمـا سـواء فـي حياة الفرد أو في حياة المجتمع هي من نوع الاثر الطبيعي للفـعل، وهذا أمرٌ يدرکه الانسان العاقل العادي ولايرتاب فيه، فمابالک بالامام المعصوم (ع)!؟

اذن فـحـديـثـهـم (ع) فـقـط عن المثوبات المترتّبة علي العزاء والزيارة والشعائر الحسينيّة الاخـري دون ذکـر الاثـار الاخـري يـعـنـي أنـّهم (ع) قد أغمضوا عن ذکر تلک الاثار الاخري عمدا بسبب ما کانت تفرضه الظروف الخانقة التي عاصروها آنذاک.

[2] أمالي الطوسي: 329 -328، المجلس الحادي عشر، حديث 656 / 103.

[3] المصدر السابق.

[4] أمالي الطّوسي: 321 المجلس الحادي عشر، حديث 65/97.

[5] مقاتل الطّالبين: 395 -396.

[6] راجع: کتاب شهداء الفضيلة: 288.

[7] راجع: کتاب شهداء الفضيلة: 303.

[8] راجع: شهداء الفضيلة: 306.