بازگشت

الشهيد الفاتح من الخصائص الحسينية


شهادة هي عين الفتح... ومصرع هو عين الانتصار والغلبة!!

شهيد فاتح معا... إنّها خصوصيّة من خصائص الامام أبي عبداللّه الحسين (ع)، لم تكن لاحد قبله مـن أنـبـيـاء اللّه (ع) ولالاحد من أوليائه... ذلك لانّ التأريخ العام لم يحدّثنا أنّ أحدا من رجـال ديـن اللّه تـعـالي قـُتـل فـكـانـت شـهـادته عين الفتح لاهدافه والغايات التي يجاهد في سبيلها.

والتـأريـخ القـرآنـي لم يـقـصَّ عـليـنـا أنّ أحـدا مـن أنـبـيـاء اللّه تـعـالي مـمـّن قـُتـل فـي سـبـيـل اللّه ـ ومـا أكـثـر الانـبياء الشهداء ـ كانت شهادته عين الفتح لبقاء دين اللّه وانتشاره!

نـعـم، كـان هـنـاك أنـبـياء فاتحون، وأولياء فاتحون... وكان هناك أنبياء شهداء، وأولياء شهداء...، ولكنّنا نتأمّل في صفة (الشهيد الفاتح)!


ولو أنّ هـذه الصـفـة كـانـت لاحـدٍ مـن أنـبـيـاء اللّه تـعـالي وأوليـائه (ع) فـيـمـن كـانـوا قـبـل نـبـيـّنـا الاكـرم (ص)، لكـان لقصّته موضوع متميّز في التأريخ القرآنيّ، ولحظي ذكره بعناية فائقة في هذا التأريخ الالهي، كما حظي بذلك إبراهيم وموسي ويوسف (ع) مثلا، ذلك لانّ التـأريـخ القـرآنـي الذي اهـتـمّ بـالمقاطع والمنعطفات واللقطات التأريخيّة ذات العبرة والعـظـة التـربـويـّة، والذي سجّل لنا حتّي اللقطة التأريخيّة لحديث نملة لما في حديثها من درس وعـبرة، لم يكن ليعرض صفحا عن ذكر صفة (شهيد فاتح) علي ما في هذه الصفة من عبرة تربويّة وتأريخيّة عظمي!

وفـي مـقـطـع حـيـاة رسـول اللّه (ص)، كـان هناك أكثر من انتصار وأكثر من فتح... ولم يكن حتّي شـهـداء بـدر فـاتـحـين... ذلك لانّ بدرا كانت غلبةً ونصرا ولم تكن فتحا ـ والقرآن الحكيم لم يـسـمـّهـا فـتـحـا ـ كما أنّ التحولات الحاسمة لصالح الاسلام بعد بدر لم تكن لشهادة شهداء بـدرٍ الابـرار، بـل لوجـود النـبـيٍّّ الاكـرم (ص) ولسيف عليّ (ع) والسيوف الصادقة الاخري التي كانت مع هذا السيف الفريد في أهمّ مواقع الاسلام المصيريّة!

نعم، كان لدماء شهداء بدر الزاكية وللشهداء الاخرين أثر وتمهيد للفتح فيما بعد... ولكنّ كلامنا هنا في شهادة هي عين الفتح!

وفـي تـأريـخ الخـمـسـين سنة من بعد رسول اللّه (ص)، أي إلي نهاية سنة ستّين للهجرة لم يـحـدّثـنـا التـأريـخ عـن شـهـادة هـي عـين الفتح! حتّي دخلت سنة إحدي وستّين... فتحقّقت تلك الخـصـوصـيّة التي كانت مكنونة في مطاوي الزمان لصاحبها الامام أبي عبداللّه الحسين (ع) ذلك الوتر في الخالدين... ثمّ امتنعت عن سواه إلي قيام الساعة!


وأمّا أنّها لاتكون لاحد بعد الحسين (ع)، فذلك لانّ عاشوراء قد كشفت عن وحدة وجوديّة لاانفكاك لهـا بـيـن الاسـلام المحمّديّ الخالص وبين الحسين (ع)، فصارت الدعوة إلي هذا الاسلام هي عين الدعـوة إلي الحـسين (ع)، وبالعكس، وصارت مواجهة هذا الاسلام ومعاداته هي عين مواجهة الحسين (ع) ومـعـاداتـه، وبـالعكس، وصار بقاء هذا الاسلام بعد كربلاء ببقاء عاشوراء الحسين (ع)، حتّي لقد قيل ـ وما أصدقه من قول ـ: (الاسلام محمّديّ الوجود حسينيّ البقاء). [1] .

لقـد امـتـدّ النـهـج الحسيني بعد عاشوراء فهيمن علي كلّ مساحة الزمان والمكان في انبعاث كلّ قيام إسـلامـيّ حـقّ إلي قـيـام الساعة، لقد غدا الحسين (ع) قدوة كلّ مسلم ثائر للحقّ وبالحقّ، وغدت كلّ نهضة إسلاميّة حقّة تجد نفسهاامتدادا لنهضة الحسين (ع)، حتّي نهضة المهدي (ع) تجد نفسها امتدادا لنهضة الحسين (ع) وتؤكّد هذا الامتداد بشعار: (يا لثارات الحسين).

وغـدا كـلّ طـاغـيـة من أعداء الاسلام بعد عاشوراء يجد نفسه في مواجهة الحسين (ع)، فهو يذعر من ذكـر الحـسـيـن (ع)، بـل ويـخـاف مـن قـبـر الحـسـيـن (ع)، وقـد كـان ولايزال هذا القبر المقدّس يتعرّض ـ في الماضي والحاضر ـ لاشرس ‍ الهجمات ومحاولات الطمس مـن قـبـل الطـغـاة، فـلايـزداد إلاّ عـلوّا وشـمـوخـا! يـقـول أمـيـر المـؤمنين عليُّ (ع) مشيرا إلي هذه الخصوصيّة الحسينيّة في وصف منزلة شهداء كربلاء (ع):


(... ومصارع عشّاق شهداء، لايسبقهم من كان قبلهم، ولايلحقهم من بعدهم). [2] .

إنّ في (لايسبقهم من كان قبلهم) و (لايلحقهم من بعدهم) إشارة إلي هذا التفرّد الناشي عن تلك الخصوصيّة!

وهـنـا قـد يـقـول قـائل: إذن فـأنـصـار أبـي عـبـداللّه الحـسـيـن (ع) مـن أهل بيته وصحبه الكرام الذين استشهدوا بين يديه شهداء فاتحون أيضا!

نعم، ولكنّ هذا الاشتراك لايقدح في أصل أنّ هذه الصفة من خصائص ‍ الحسين (ع)، ذلك لانّ في ظـلّ هـذا الامـتـيـاز الحـسـيـنـي الخـاصّ كـان أنـصـار أبـي عـبـداللّه (ع) مـن أهـل بـيـته وصحبه الكرام الذين استشهدوا بين يديه شهداء فاتحين أيضا، وتسنّموا هذا المقام الذي لم يـسـبـقـهـم إليـه سـابـق ولايـلحـق بـهـم إليـه لاحـق، لاعـن اسـتـقـلاليـّة مـنـهم بذلك، بـل تـبـعـا لصاحب هذا الاختصاص أصالة، إذ لو لم يكن الامام أبوعبداللّه الحسين (ع) صاحب كربلاء، لما كان شهداء الطفّ الاخرون علي ما هم عليه من هذه المرتبة في السمو والشرف التي يـنـحـدر عـنها السيل ولايرقي إليها الطير، ولما كانت كربلاء التي نعرف، ولاعاشوراء التي تأخذ بمجامع قلوب المؤمنين خاصّة وأحرار العالم عامّة.

إنّ قداسة الامام الحسين (ع) (المثل الاعلي) في ضمير ووجدان الامّة هي التي أسبغت علي عاشوراء كلّ هذه القداسة وهذه الرمزيّة في الزمان (كلّ يوم عاشوراء)، وهي التي نشرت كربلاء علي كلّ الارض عـنـوانا لميدان انتصار دم الحقّ علي سيف الباطل، فكانت (كلّ أرض كربلاء)، ولولاه (ع) لكـانـت واقـعة الطفّ بكلّ ما غصّت به من فجائع أليمة: مأساة يذكرها الذاكر فيأسف لها كما يأسف لكثير من وقائع التأريخ الاليمة الاخري المقيّدة بحدود الزمان والمكان.


إنّ واقـعـة كـربـلاء بـعـظـمـتـها الفريدة من كلّ جهة، وبكلّ أبطالها وبطولاتها، إنّما استمدّت خـصـائصـهـا مـن الخـصـائص المـنـحـصرة بصانع ملحمتها الامام أبي عبداللّه الحسين (ع)، فكانت الحدث التأريخي الذي لايرقي إليه أيّ حدث تأريخيّ آخر في مستوي تأثيره...


پاورقي

[1] وهـذا لايـعـنـي عـدم تـحـقـّق هذه الوحدة الوجوديّة بين الاسلام المحمّدي الخالص وبين سـائر أئمـّتـنـا(ع)، بـل يعني أنّ المميّزات الفريدة للدّور الحسيني جعلت الامام أباعبداللّه الحسين (ع) من خلال عاشوراء عنوان بقاء الاسلام والحفاظ عليه نقيّا کما هو.

[2] بحارالانوار، 41: 295، حديث 18 نقلاعن الخرائج والجرائح (مخطوط).