بازگشت

بين يدي الشهيد الفاتح


حـدثٌ مـألوف فـي تـأريـخ ديـن اللّه عـلي الارض مـنذ عهد آدم (ع)، ويبقي مألوفا إلي عصر الوصيّ الخاتم (ص)، أن يُقتل المؤمن في سبيل اللّه فيكون شهيدا.

ومـشـهـدٌ كـان ولايزال مألوفا علي مسرح الصراع أن تُحسّ هذه الارض وطأة الانسان الفاتح وتـسمع ركزه، منذ خرجت حياة الجماعة البشريّة عن موازين فطرة اللّه التي فطر الناس عليها، فكان الاختلاف والصراع، وكان النصر والهزيمة.

والمؤمن المجاهد في سبيل اللّه لايحقّ له الانهزام في المواجهة، مادام شاريا الحياة الدنيا بالاخرة، فهو في المواجهة إمّا أن (يُقتل أو يَغلب).

يُقتل ويكون شهيدا، فيؤتيه اللّه (أجرا عظيما).

أو يَغلب، فيؤتيه اللّه ذلك الاجر العظيم أيضا!

إذ قـد وعـد اللّه تـعـالي المـؤمـن المـجـاهـد فـي سـبـيـله شـهـيـدا أو غـالبـا أجـرا عظيما، وما لم (يُقتل) أو (يَغلب) فهو دون حظوة ذلك الاجر العظيم وإن كان مأجورا.

وقدّم اللّه تعالي الشهيد علي الغالب في الحديث عن ذلك الاجر العظيم الذي وعدهما إيّاه، لانّ الشـهـيـد لايـُخـشـي عـليـه بعد قتله من فقدان الاجر بسبب اجتراح سيّئة أو انحراف عن الصراط يحبط الاجر، إنّه قد ضمن أجره ولاخوفٌ عليه ولاهو يحزن!

لكـنّ الغـالب وإن كـان له أيـضـا ذلك الاجـر العـظـيـم كـمـا للشـهـيـد، غـيـر أنّ نوال هذا


الاجر مشروط بدوام الاستقامة علي الصراط وعدم اجتراح ما يحبط الاجر.

الغالب إذن علي خطر! حتّي يُنهي شوط الدنيا مستقيما علي الصراط السويّ إلي الاخرة!

هذا من بعض عطاءات الاية الكريمة:

(فـليـقـاتـل فـي سـبـيـل اللّه الذيـن يـشـرون الحـيـاة الدنـيـا بـالاخـرة، ومـن يقاتل في سبيل اللّه فيُقتل أو يَغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما). [1] .

عادة الامر إذن أن يكون الشهيد غير الغالب، وإن مهّد الشهداء للنصر بدمائهم الزاكية.

غـيـر أنّ الفـتـح أخـصّ من الغلبة، إذ كم من غلبة لم تثمر فتحا! هذا إذا عنينا بالفتح نوعا من الغلبة يثمر تغييرا وتحوّلاحاسما ومنعطفا رئيسا لصالح أهداف الفاتح.

ومن هنا كان صلح الحديبيّة فتحا مبينا كما قرّر القرآن الحكيم، لانّه أنتج تغييرا وتحوّلاحاسما لصـالح الاسلام والمسلمين لم تنتجه معركة بدر،علي عظمة النصر فيها!، ذلك لانّ قريشا في هذا الصلح قد اعترفت بالمسلمين رسميّا كقوّة عدوّة تكافئها، فوقّعت معها معاهدة تحترمها وترعاها.

وقـد أنـزل اللّه تـعـالي: (إنـّا فـتـحـنـا لك فتحا مبينا...) في واقعة صلح الحديبيّة التي كانت قبل فتح مكّة بعامين! [2] .

إذن فكلُّ فاتح غالب، وليس كلّ غالب فاتحا!


وعادة الامر إذن أن يكون الشهيد غير الفاتح، وإن مهّد الشهداء للفتح بدمائهم الزاكية.

لكن، هل خرج هذا الامر عن مجري عادته مرّة!؟

وهل كان إنسانٌ شهيدا فاتحا معا...!؟

وإذا كانت صفة (الشهيد الفاتح) من الخصائص... فمن هو هذا الانسان الوتر في الخالدين، والاوحد في الربّانيّين...؟

مـن أجـل قـراءة إنسانٍ فذٍّ فريد كهذا... لابدّ لنا أن ندع مطالعة المألوف والقاعدة... ونقراء في سفر الخصائص والاستثناءات!


پاورقي

[1] سورة النساء: الاية 74.

[2] راجع: تفسير الميزان، ج 18، تفسير سورة الفتح.