بازگشت

اضطهاد الشيعة


عـمـد مـعـاويـة بـعـد التـحـكـيـم إلي الاغـارة عـلي البـلاد التـي تـمـثـل أطـراف الارض التـي تـقـع تـحـت سـيـطـرة أمـيـر المـؤمـنـيـن عـليّ (ع)، فـنـكـّل بـهـا، وقـد صـرّح بـأهدافه لقادته العسكريّين الذين بعثهم في تلك المهمّات، فقد قال لبسر بن أرطاة:

(لاتـنـزل عـلي بـلدٍ أهـله عـلي طـاعـة عـليٍّ إلاّبسطت عليهم لسانك حتّي يروا أنّهم لانجاء لهم وأنـّك مـحـيـط بـهـم، ثـمّ اكـفـف عـنـهـم وادعـهـم إلي البـيـعـة لي، فـمـن أبـي فـاقـتـله، واقتل شيعة عليٍّ حيث كانوا). [1] .


فسار بسر وأغار علي المدينة ومكّة، فقتل ثلاثين ألفا عدا من أحرق بالنار!

ودعـا مـعـاويـة بـالضـحـاك بـن قـيـس الفـهـري وأمـره بـالتـوجـّه نـاحـيـة الكـوفـة، وقـال له: (فـمـن وجـدتـه مـن الاعـراب فـي طـاعـة عـليٍّ فـأغـر عـليـه)، فـأقـبـل الضـحـاك فـنـهـب الامـوال وقـتـل مـن لقـي مـن الاعراب، وأغار بالثعلبيّة علي الحاجّ، وقـتـل فـيـمـن قـتل عمروبن عميس بن مسعود الذهلي ابن أخي عبداللّه بن مسعود وناسا من أصحابه. [2] .

ووجـّه سفيان بن عوف الغامدي إلي جانب الفرات باتّجاه هيت ثمّ الانبار ثمّ المدائن، وممّا قاله له:

(إنّ هـذه الغـارات يـا سـفـيـان عـلي أهل العراق ترعب قلوبهم، وتفرح كلّ من له هويً فينا منهم، وتـدعـو إليـنـا كـلّ مـن خـاف الدوائر، فـاقـتـل كـلّ مـن لقـيـتـه مـمـّن هـو ليـس ‍ عـلي مـثـل رأيـك، وأخـرب كـلّ مـا مـررت بـه مـن القـري، وأحـرب الاموال فإنّ حرب الاموال شبيه بالقتل وهو أوجع للقلب). [3] .

واسـتـمـرّ مـعـاويـة عـلي هـذه السـيـاسـة بـعـد استشهاد الامام عليٍّ (ع)، بصورة أكثر عنفا وشمولاوتنظيما، ثمّ اشتدّ البلاء علي الشيعة في الامصار كلّها بعد معاهدة الصلح، وكان أشدّ الناس بـليـّة أهـل الكـوفـة لكثرة من بها من الشيعة، واستعمل عليها زيادا، ضمّها إليه مع البصرة، وجمع له العراقين، وكان يتّبع الشيعة وهو بهم عالم، لانّه كان منهم وقد عرفهم وسمع كلامهم أوّل شـي، فـقـتـلهـم تـحـت كلّ كوكب وتحت كلّ حجر ومدر، وأجلاهم وأخافهم، وقطّع الايدي والارجـل مـنهم، وصلبهم علي جذوع النخل، وسمّل أعينهم، وطردهم وشرّدهم حتّي انتزعوا عن


العراق فـلم يـبـق بـهـا أحـد مـنـهـم إلاّ مقتول أو مصلوب أو طريد أو هارب، وكتب معاوية إلي قضاته وولاتـه فـي جـمـيـع الارضـيـن والامـصـار أن لاتـجـيـزوا لاحـد مـن شـيـعـة عـليّ ولامـن أهل بيته ولامن أهل ولايته الذين يرون فضله ويتحدّثون بمناقبه شهادة. [4] .

وكان قد كتب بيانا واحدا إلي عمّاله في جميع البلاد:

(انـظـروا مـن قـامـت عـليه البيّنة أنّه يحبّ عليّا وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه). [5] .

ثمّ شفع ذلك ببيان آخر:

(من اتّهمتوه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره). [6] .

فـضـاقـت الاحـوال بـالشـيـعـة إلي حـدّ الاخـتـنـاق حـتـّي أن الرجـل مـن شـيـعـة عـليٍّ (ع) ليـأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه، ويخاف من خادمه ومملوكه ولايحدّثه حتّي يأخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمنّ عليه. [7] .

ولقد بلغ الارهاب حدّا لايطاق حتّي صار الرجل يفضّل أن يقال عنه أنّه زنديق أو كافر ولايقال عنه أنّه من شيعة عليٍّ (ع). [8] .

ومن أعيان الشيعة الذين قتلهم معاوية: حجر بن عدي وجماعته، ورشيد


الهجري، وعمرو بن الحمق الخـزاعـي، وأوفـي بن حصن، وعبداللّه الحضرمي وجماعته، وجويريّة بن مسهر العبدي، وصيفي بن فسيل، وعبدالرحمن العنزي.

ومـن أعـيـان الشـيـعـة الذيـن اضـطـهـدهـم مـعـاويـة وضيق عليهم تضييقا شديدا: عبداللّه بن هاشم المرقال، وعدي بن حاتم الطائي، وصعصعة بن صوحان، وعبداللّه بن خليفة الطائي.

كما روّع كوكبة من النساء المؤمنات ولم يرع لهنّ حرمة المرأة.

هـذا فضلاعن سياسة الابعاد، حيث أبعد زياد خمسين ألفا من الشيعة في الكوفة إلي خراسان، من أجل إضعاف المعارضة الشيعيّة فيها. [9] .

والظاهر أنّ معاوية كان يسعي من وراء ذلك فضلاعن أهداف أخري كثيرة ـ إلي إضعاف الوجود الشيعي إلي درجة أنّ أيٍّّ قائد من قادتهم إذا أراد القيام بوجه الحكم الامويّ فسوف لن يجد في أحسن الحالات إلاّ عصابة قليلة يمكن القضاء عليها بسرعة وسهولة.


پاورقي

[1] شرح نهج البلاغة، 2: 117.

[2] نفس المصدر، 2: 154.

[3] شرح نهج البلاغة، 2: 144.

[4] سليم بن قيس: 203 ـ 204.

[5] شرح نهج البلاغة، 11: 16.

[6] شرح نهج البلاغة، 11: 16.

[7] شرح نهج البلاغة، 11: 15 ـ 16.

[8] المصدر السابق.

[9] راجع حياة الامام الحسين (ع)، 2: 167 ـ 178.