بازگشت

انخداع جل الامة بالتضليل الديني الاموي


كان الهمّ الاكبر لمعاوية بعد أن استتبّ الامر له هـو اكـتـسـاب الاطـار الديـنـي والشـرعـيـّة لحـكـمـه، ومـزج الامـويـّة


بـالاسـلام فـي عقل الامّة مزجا لايمكن بعده الفصل بينهما.

ومـعـاويـة يـعـلم أنـّه لايـكـفـي مـن أجـل ذلك التـعـتـيـم عـلي فـضائل أهل البيت (ع) وحجب الامّة عنهم، في وقت لايملك هو أيّة قدسيّة في ضمير الامّة، وله من تصرّفات الملوك الطغاة وسلوكهم ما يجعله هدفا لكثير من الاحاديث النبويّة الداعية إلي القيام بـوجـه الظـلم والحـاكـم الظـالم،لذا فـقـد عـمـد مـن خـلال عمل إعلامي واسع ومركّز إلي تضليل الامّة في هذه النقطة علي ثلاثة أصعدة:

أ) ـ إخـتـلاق قـداسـة ديـنـيـّة لشـخـصـه مـن خـلال افـتـعـال أحـاديـث نـبـويـّة فـي فـضـله، واخـفاء ما أُثر عن النبيٍّّ (ص) في ذمّه، ولم يجد معاوية صـعـوبـة فـي ذلك مـادام يـبـذل الكـثـيـر، ومـادام مـرتـزقة الافتراء علي النبيٍّّ (ص) يحوطونه ويـنـتـظـرون أمـره فـيـمـا يـشـتـهـي مـن الروايـة المـفـتـراة عـلي رسول اللّه (ص)!

فـشـاع فـي كـلّ بـلاد الاسـلام الكـثـيـر مـن الاحـاديـث المـكـذوبـة فـي فضل معاوية، منها: أنّه (ص) قال:

(ومعاوية بن أبي سفيان أحلم أمّتي وأجودها.) [1] .

وقال:

(وصاحب سرّي معاوية بن أبي سفيان.) [2] .

وقال عن لسان جبرئيل (ع):

(يـا مـحـمّد أقريء معاوية السلام واستوص به خيرا، فإنّه أمين اللّه علي كتابه ووحيه


ونعم الامين.) [3] .

أو:

(الامناء ثلاثة: جبرئيل وأنا ومعاوية.) [4] .

أو:

(أللّهمّ اجعله هاديا مهديا واهد به.) [5] .

وغير هذا كثير من الاحاديث الموضوعة التي لم تزل حتّي اليوم تضلّ كثيرا من أبناء هذه الامّة.

ب) ـ منع الامّة باسم الدين عن التذمر من الحاكم الظالم والثورة عليه:

سـعي معاوية إلي تخويف الامّة من الثورة علي الظلم والجور، وزيّن لها الرضوخ للحاكم وإن كـان جـائرا، وشـهر في وجه كلّ من يفكّر بالقيام والثورة تهمة جرم تفريق أمر هذه الامّة، التي جزاؤها القتل، كلّ ذلك باسم الدين من خلال أحاديث كثيرة افتعلتها أجهزته الاعلاميّة لتخدير الامّة وإذلالها، ومنها علي سبيل المثال:

أنّه (ص) قال:

(مـن رأي مـن أمـيـره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنّه من فارق الجماعة فمات مات ميتة جاهليّة...). [6] .


ويسأل أبوهريرة العجّاجَ قائلا: ممّن أنت؟

قال: قلت من أهل العراق.

قـال: يوشك أن يأتيك بُقعان أهل الشام فيأخذوا صدقتك، فإذا أتوك فتلقّهم بها، فإذا دخـلوهـا فـكـن فـي أقـاصـيـهـا وخـلّ عنهم وعنها، وإيّاك أن تسبّهم، فإنّك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك، وإن صبرت جاءتك في ميزانك يوم القيامة). [7] .

وغـيـر هـذه أحـاديـث كـثـيـرة مـوجـودة فـي الكـتـب الحـديـثـيـّة لابـنـاء العـامـّة لازال بعض ‍ هذه الامّة يتأثّر بها مصدّقا بها إلي اليوم.

ج) ـ واللون الاخـر مـن ألوان التـضـليـل الديـنـي الذي استخدمه معاوية وبرع في استخدامه هو تأسيس فرق دينيّة سياسيّة تقدّم للناس تفسيرات دينيّة تخدم سلطة الامويّين وتبرّر أعمالهم، كما هو الحال في مذهب الجبر ومذهب الارجاء...

يـقـول أبـوهـلال العـسـكـري فـي الاوائل: إنّ مـعـاويـة أوّل من زعم أنّ اللّه يريد أفعال العباد كلّها. [8] .

ولمـّا اعـتـرض عـليـه عـبـداللّه بـن عـمـر فـي نـصـب ولده يـزيـد خـليـفـة مـن بـعـده قال معاوية:

(...وإنـّي أحذّرك أن تشقّ عصا المسلمين وتسعي في تفريق ملاهم وأن تسفك دماءهم، وإنّ أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة


من أمرهم). [9] .

وأجاب عائشة أيضا بمثل هذا الجواب عندما نازعته في هذا الاستخلاف. [10] .

فـطـغـي مـذهـب المـجـبـّرة واتـّسـع انـتـشـاره عـلي يـد مـعـاويـة وبـنـي أمـيـّة واضـطـُهـِدَ القـول بـاخـتـيـار الانـسـان فـي أفـعـاله حـتـّي كـان يـُقـتـل مـن يقول به!

كما انتشرت في العهد الامويّ فرقة المرجئة التي تري الاكتفاء في الايمان بمجرّد الاعتقاد والاقـرار بـاللسـان بـلاجـانـب العـمـل، وسـمـّوا المـرجـئة لانـّهـم أرجـاءوا العمل أي أخّروه، وعند هذه الفرقة أنّه:

(لاتضرّ مع الايمان معصية كما لاتنفع مع الكفر طاعة)

وقالوا:

(إنّ الايمان، الاعتقاد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه، وعبد الاوثان، ولزم اليهوديّة أو النـصـرانـيـّة فـي دار الاسـلام وعـبـد الصـليـب وأعـلن التـثـليـث، ومـات عـلي ذلك فـهـو مـؤمـن كـامـل الايـمـان عـنـد اللّه عـزّ وجـلّ، وليٍّّ للّه عـزّ وجـلّ، مـن أهل الجنّة). [11] .

إنّ النتيجة المنطقيّة لمذهب المجبّرة هنا هي أنّ الامويّين لايعترض علي حكمهم ولاعلي أعمالهم لانّ اللّه أرادهم لذلك وأراد أعمالهم، وتسلّطهم من قضاء اللّه الذي لايردّ، وهم ـ علي مذهب المرجئة ـ مؤمنون مهما ارتكبوا من كبائر المعاصي!!


ويـنـطلق وعّاظ السلاطين ومحدّثوهم في كلّ البلاد الاسلاميّة ينفثون هذه السموم في قلوب الناس وعقولهم ليلجموهم عن التذمر والثورة بلجام ينسبونه إلي الدين والدين منه براء، وليقعدوهم بـهـا عـن الاحـتـجـاج عـلي سـيـاسـة العـسـف والظـلم، ويـحـجـزوهـم عـن أيـّة مـحـاولة للقـيـام مـن أجل تحسين أحوالهم!

وبـمـرور حـوالي عـشـريـن عـامـا مـن حـكـم مـعـاويـة عـلي كـلّ بـلاد الاسـلام، وبـتـأثـيـر هـذا التـضليل الدينيّ الذي نجح مع الاغراء والارهاب أيّما نجاح، صدّق جلّ هذه الامّة بشرعيّة الحكم الامـويّ وانـحـدعـوا به، وامتزجت في عقولهم الامويّة بالاسلام، وصار في تصوّرهم أنّ القيام ضدّ الحكم الامويّ قيام ضدّ الاسلام!

لذا كـان لابـدّ لفـصـل الامـويـّة عن الاسلام في عقول الناس وقلوبهم، من أن يُراق دمٌ مقدّسٌ عند جـمـيـع المـسـلمـين غاية القداسة، علي مذبح المواجهة مع الحكم الامويّ، وهذا الدم ليس إلاّ دم ابن رسـول اللّه (ص) سـيّد شباب أهل الجنّة أبي عبداللّه الحسين (ع). الامر الذي كان يدرك أثره معاوية تمام الادراك، فكان يتحاشاه قدر استطاعته.


پاورقي

[1] تطهير الجنان: 12.

[2] تطهير الجنان: 13.

[3] البداية والنهاية، 8: 120.

[4] نفس المصدر، 8: 120.

[5] نفس المصدر، 8: 121.

[6] البخاري، 9: 47، باب الفتن.

[7] عيون الاخبار، 1: 7.

[8] الالهـيـّات (جـعـفـر سـبـحـانـي)، 1: 510 نـقـلاعـن کـتـاب الاوائل، 2: 125.

[9] الامامة والسياسة، 1: 188.

[10] نفس المصدر، 1: 184.

[11] الفصل في الملل والاهواء والنحل، 4: 204.