بازگشت

التعتيم الكامل علي فضائل أهل البيت و اختلاق مثالب لهم


لم يكتف معاوية بمواصلة الحصار المضروب علي البيانات النـبويّة منذ عهد أبي بكر وعمر وعثمان، بل كشف عن غاية هذا الحصار بعد الصلح حين خضعت له جميع البلاد، حيث أصدر بيانا عاما إلي جميع عمّاله جاء فيه:

(أن بـرئت الذمـة مـمـّن روي شـيـئا مـن فـضـائل أبـي تـراب وأهل بيته)، [1] .


فـقـامـت الخـطـبـاء فـي كـلّ كـورة وعـلي كـلّ مـنـبـر يـلعـنـون عـليـّا ويـبـرؤن منه ويقعون فيه وفي أهل بيته. [2] .

وزاد عـلي سـنـّة سـبّ الامـام (ع)، إذ اسـتـخـدم جـمـاعـة مـن نفعيّي حركة النفاق من صحابة وتابعين مثل عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وأبي هريرة، وسمرة بن جندب، وعروة بن الزبير، وغـيـرهـم، للكـذب عـلي رسـول اللّه (ص) فـي اخـتـلاق أحـاديـث تـطـعـن بـأهـل البـيـت (ع)، كـمـا سـخـّر مـعـاويـة الوعـّاظ فـي جـمـيع بلاد الاسلام ليحوّلوا القلوب عن أهـل البـيـت (ع) ويـذيعوا الاضاليل في انتقاصهم دعما للحكم الامويّ، كما ألقي معاوية إلي مـعـاهـد التـعـليـم ومـعـلّمـي الكـتـاتـيـب أن يـغـذّوا الشـبـاب والصـبـيـان بـبـغـض أهل البيت (ع) لخلق جيل جديد معادٍ لهم بافتراء أحاديث تنتقصهم، وقد تعلّم الصبيان ذلك كما تعلّموا القرآن وحفظوه!

وكان معاوية ـ علي سبيل المثال لاالحصر ـ قد أعطي سمرة بن جندب أربعمائة ألف درهم علي أن يـخـطـب فـي أهـل الشام ويروي لهم أنّ هذه الاية الشريفة: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحـيـاة الدنـيـا ويـشـهـداللّه عـلي مـا فـي قلبه وهو ألدّ الخصام، وإذا تولّي سعي في الارض ليـفـسـد فـيـهـا ويـهـلك الحـرث والنـسـل، واللّه لايـحـبّ الفـسـاد) نـزلت فـي عـليّ (ع)، ففعل سمرة ذلك. [3] .

وافـتـري عـمـرو بـن العـاص عـلي النـبـيٍّّ (ص) أنـّه قـال: (إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، إنّما وليّي اللّه وصالح المؤمنين). [4] .

و (لمـّا قـدم أبـوهـريـرة العـراق مـع معاوية عام الجماعة (!) جاء إلي مسجد الكوفة


فلمّا رأي كـثـرة مـن اسـتـقـبـله مـن النـاس جـثـا عـلي ركـبـتـيـه، ثـمّ ضـرب صـلعـتـه مـرارا، وقال:

يـا أهـل العـراق، أتـزعـمون أنّي أكذب علي اللّه وعلي رسوله وأحرق نفسي بالنار، واللّه لقـد سـمـعـت رسـول اللّه (ص) يـقول: (إنّ لكل نبيّ حرما، وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عيرٍ إلي ثـور، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين) وأشهد بأنّ عليّا أحدث فيها. فلمّا بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاّه أمارة المدينة.) [5] .

وفي محاورة جرت بين معاوية وابن عبّاس...

(...قـال: فـإنـّا كـتـبـنـا فـي الافـاق نـنـهـي عـن ذكـر مـنـاقـب عـليٍّّ وأهل بيته، فكفّ لسانك يا ابن عبّاس واربع علي نفسك.

قال: فتنهانا عن قراءة القرآن؟

قال: لا.

قال: فتنهانا عن تأويله؟

قال: نعم!

قال: فنقراءه ولانسأل عمّا عني اللّه به؟

قال: نعم!

قال: فأيّما أوجب علينا قراءته أوالعمل به؟

قال: العمل به.

قال: فكيف نعمل به حتّي نعلم ما عني اللّه بما أنزل علينا؟


قـال: سـل عـن ذلك مـمـّن يـتـأوّله عـلي غـيـر مـا تـتـأوّله أنـت وأهل بيتك!

قـال: إنـّمـا أنـزل القـرآن عـلي أهـل بـيـتـي، فـأسـأل عـنـه آل أبي سفيان وآل أبي معيط واليهود والنصاري والمجوس!!؟

قال: فقد عدلتنابهم!؟

قـال: لعـمـري مـا أعدلك بهم إلاّ إذا نهيت الامّة أن يعبدوا اللّه بالقرآن وبما فيه من أمر أو نـهـيٍ أو حـلال أو حـرام أو نـاسـخ أو مـنـسـوخ أو عـامّ أو خاصّ أو محكم أو متشابه، وإن لم تسأل الامّة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا!

قـال مـعـاويـة: فـاقـراءوا القـرآن ولاتـرووا شـيـئا مـمـّا أنزل اللّه فيكم، وممّا قال رسول اللّه (ص)، وارووا ما سوي ذلك!

قـال ابـن عـبـّاس: قـال اللّه تـعـالي فـي القـرآن: (يـريـدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبي اللّه إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون).

قـال مـعـاويـة: يـا ابـن عـبـّاس اكـفـني نفسك، وكفّ عنّي لسانك، وإن كنت لابدّ فاعلافليكن سرّا، ولاتسمعه أحدا علانية... [6] .

وروي أنّ قـومـا من بني أميّة قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين، إنّك قد بلغت ما أمّلت فلو كففت عن لعن هذا الرجل. فقال:

(لاواللّه حـتـّي يـربـو عـليـهـا الصـغـيـر ويـهـرم عـليـهـا الكـبـيـر ولايـذكـر له ذاكـرٌ فضلا). [7] .

وفـي مـوازاة ذلك، عـمـد مـعـاويـة أيـضـا عـن طـريـق مـرتـزقـة الافـتـراء عـلي رسـول اللّه (ص) إلي نشر فضائل ومناقب مكذوبة لعثمان والخليفتين الاوّلين


وصحابة آخرين فـي جـمـيـع البـلاد الاسـلامـيـّة، كـلّ ذلك ليـدحـض حـجـّة أهـل البـيـت (ع) فـي أنـّه ليـس لاحـد سـهـم كـسـهـمـهـم فـي الفضائل والمناقب!

لنقراء هذا النصّ التأريخي:

(وكـتـب مـعـاويـة إلي عـمـّاله فـي جـمـيـع الافـاق ألاّيـجـيـزوا لاحـدٍ مـن شـيـعـة عـليٍّ وأهـل بـيـتـه شـهـادة، وكـتـب إليـهـم أن انـظـروا مـن قـبـلكـم مـن شـيـعـة عـثـمـان ومـحـبـّيـه وأهـل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم واكتبوا لي بـكـلّ مـا يـروي كـلّ رجـل مـنـهـم واسـمـه واسـم أبـيـه وعـشـيـرته، ففعلوا ذلك حتّي أكثروا في فـضـائل عـثـمـان ومـنـاقـبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويـفـيـضـه فـي العـرب مـنـهـم والمـوالي، فـكـثـر ذلك فـي كـلّ مـصـر وتـنـافـسـوا فـي المـنـازل والدنـيـا، فـليـس يـجـي أحـدٌ مـردودٌ مـن النـاس عـامـلامـن عـمـّال مـعـاويـة فـيـروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب اسمه وقرّبه وشفّعه، فلبثوا بذلك حـيـنا، ثمّ كتب إلي عمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجه وناحية فإذا جـاءكـم كـتـابـي هـذا فـادعـوا النـاس إلي الروايـة فـي فضائل الصحابة والخلفاء الاوّلين، ولاتتركوا خبرا يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب إلاّ وأتـونـي بـمـنـاقـص له في الصحابة مفتعلة، فإنّ هذا أحبّ إليٍّّ وأقرّ لعيني وأدحض لحجّة أبـي تـراب وشـيـعـتـه وأشدّ إليهم من مناقب عثمان وفضله، فقرئت كتبه علي الناس، فرويت أخـبـار كـثـيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لاحقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجري حـتـّي أشادوا بذكر ذلك علي المنابر، وألقي إلي معلّمي الكتاتيب فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكـثـيـر الواسـع وحـتـّي رووه وتـعلّموه كما يتعلّمون القرآن، وحتّي


علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ماشاءاللّه...). [8] .

حتّي لقد قال ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم:

(إنّ أكـثـر الاحـاديـث المـوضـوعـة فـي فضائل الصحابة افتعلت في أيّام بني أميّة تقرّبا إليهم بما يظنّون أنّهم يرغمون به أنوف بني هاشم). [9] .

إنّ هذا التعتيم المطبق علي فضائل أهـل البـيـت (ع) إضـافـة إلي اخـتـلاق روايـات الطـعن بهم، وتسخير جميع أجهزة الحكم لهذا الغـرض، كـان قـد أثـّر مـع مـرور حـوالي عـشـريـن عـامـا تـأثـيـرا بـالغـا فـي أن يـجـهـل مـعـظـم هـذه الامـّة موقع أهل البيت (ع) وأن يتنكّروا لهم... حتّي اضطرّ الامام الحسين (ع) قـبل موت معاوية بسنةٍ أن يعقد مؤتمرا في مني جمع فيه بني هاشم رجالاونساءً ومواليهم وجمعا غـفـيـرا بـلغ سبعمائة رجل، فيهم مائتان من الصحابة وعامّتهم من التابعين، فما ترك شيئا ممّا أنـزل اللّه فـي أهـل البـيـت مـن القـرآن إلاّ تـلاه وفـسـّره، ولاشـيـئا مـمـّا قـاله رسـول اللّه (ص) فـي أبـيـه وأخـيـه وأمـّه وفـي نـفـسـه وأهـل بيته إلاّ رواه، وأشهد الحاضرين عليه، وطلب منهم أن يحدّثوا من يثقون بهم من الناس بـذلك، [10] فـي مـحـاولة مـنه (ع) لكسر ذلك الحصار ولاختراق ذلك التعتيم الذي مارسه معاوية لطمس ‍ فضائلهم (ع).


پاورقي

[1] شرح نهج البلاغة، 11: 15.

[2] شرح نهج البلاغة، 11: 15.

[3] نفس المصدر، 4: 361.

[4] نفس المصدر، 11: 15.

[5] شرح نهج البلاغة، 4: 359.

[6] سليم بن قيس: 202 ـ 203.

[7] شرح نهج البلاغة، 4: 356.

[8] شرح نهج البلاغة، 11: 15 ـ 16.

[9] نفس المصدر، 11: 16.

[10] را جع کتاب سليم بن قيس: 206 ـ 209.