بازگشت

اتساع الهوة في الفروق الطبقية


اتّسعت الهوّة في الفروق الطبقية التي كانت قد نشأت نتيجة مبداء عمر في العطاء، ذلك لانّ عثمان أغدق الهبات الضخمة علي أعيان قريش من بني أميّة وغـيـرهـم، وعـلي بـعـض أعـضـاء الشـوري خـاصـّة، وسـار عـمـّال عـثـمـان فـي أنـحـاء البـلاد عـلي نـهـجـه فـي المـديـنـة فـأنـفـقـوا بـيـوت المـال المـحـليـّة عـلي ذويـهـم وأنـصـارهـم والمقرّبين إليهم، وقام عثمان باجراء ماليّ فتح به للطـّبـقـة الثـريـّة أبوابا من النشاط الماليّ حين أباح للناس أن ينقلوا فيئهم من الارض ‍ إلي حـيـث أقـامـوا، فـسارع الاثرياء إلي الاستفادة من هذا الاجراء فاشتروا بأموالهم المكدّسة أراضي في البلاد المفتوحة واستثمروها فنمت ثرواتهم نموّا عظيما، وازدادت هذه الطبقة الطامحة إلي الحـكـم والتـسـلّط قـوّة إلي قـوّتـهـا حـتـّي صـارت غـلّة طلحة من العراق كلّ يوم ألف دينار أوأكـثـر، وبـلغ ربـع ثـمـن مـال عـبدالرحمن بن عوف أربعة وثمانين ألفا أي أنّ ما يملكه مـليـونـان وسـتـمـائة وثمانية وثمانون ألفا، وكان الزبير قد خلّف خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وأمة، وخلّف زيد بن ثابت من الذهب ما كان يكسر بالفؤوس عدا ما خلّف من الاموال والضياع بقيمة ألف دينار، [1] وسوي هؤلاء كثيرون...

وقـد وجـدت إلي جـانـب هذه الطبقة المترفة المتسلّطة طبقة أخري كبيرة وفقيرة لاتملك أرضا ولامـالاتـلك هـي طـبـقـة الجنود المقاتلين وأهليهم، وقد تكوّنت هذه الطبقة نتيجة استئثار عثمان وعمّاله بالفي والغنائم لانفسهم والمقرّبين منهم وحرمان المقاتلين وبقيّة الامّة منها.

إنّ إنـتـشـار أعـلام قـريـش فـي البـلاد الاسـلامـيـّة بـسـمـعـتـهـم الديـنـيـّة (صـحـابـة رسـول اللّه (ص) وازديـاد ثـرواتـهـم دفـع كـثـيـرا مـن أهـل تـلك البـلدان إلي التـجـمـّع


حـولهـم والتـحـزّب لمطامعهم السياسيّة تهالكا علي الدنيا، فانتشرت لذلك حالة (الانتهازيّة) في نفوس كثيرٍ من الناس، حيث صار ولاؤهم لمن عطاؤه أكثر والدنـيـا مـعـه، وصـاروا لايـعـبـأون بـالمـانـع الشـرعـي الحائل دون وصولهم إلي غاياتهم الدنيويّة، فزاد هذا من حالة الاستخفاف بالشريعة وبحرمة أحكامها، وهي حالة شاهدتها الامّة أوّلافي تصرّفات عثمان وولاته كالوليد بن عقبة وغيره.

يـنـقـل الطـبـري فـي هـذه النـقـطـة أنـّه (كان عمر بن الخطّاب قد حجر علي أعلام قريش ‍ من المهاجرين الخـروج فـي البـلدان إلاّ بـأذن وأجـل... فلمّا ولي عثمان لم يأخذهم بالذي كان يأخذهم به عـمـر فانساحوا في البلاد، فلمّا رأوها ورأوا الدنيا ورآهم الناس، انقطع من لم يكن له طَولٌ ولامزية في الاسلام فكان مغمورا في الناس، وصاروا أوزاعا إليهم، وأمّلوهم، وتقدّموا في ذلك فـقـالوا يـمـلكـون فـنـكـون قـد عـرفـنـاهـم وتـقـدّمنا في التقرب والانقطاع إليهم، فكان ذلك اوّل وهن دخل علي الاسلام، وأوّل فتنة كانت في العامّة ليس إلاّ ذلك.) [2] .


پاورقي

[1] راجع: مروج الذهب، 2: 341 ـ 343.

[2] تاريخ الطبري، 3: 426.