بازگشت

الشوري


يهمّنا في هذه القضيّة الحديث في نتيجة هذا المنعطف الاساس ‍ وآثاره الكبيرة في حـيـاة هـذه الامـّة، إلاّ أنـّه لابـدّ مـن التـأكـيـد قـبـل ذلك أنّ هـذه الشـوري المـدّعـاة لم تـحـمـل مـن الشـوري إلاّ اسـمـها، وأمّا حقيقتها فإنّ عمر كان قد خطّط لها بدقّةٍ بحيث يكون فوز عـثـمـان فـيـهـا أمـرا مـحـتـّمـا، فـعـنـوانـهـا إذن شـوري وحـقـيـقـتـهـا تـعـيـيـن، وهـي بـذاتـهـا دليـل عـلي أنّ الخـليـفـة الثـانـي عـمـر بـن الخـطـّاب كـان يـصرّ إصرارا لايتزعزع علي إبعاد الخلافة عن بني هاشم بأيّ صورة حتّي بعد موته،


وهذا منتهي الصدّ.

كـمـا أنّ الخـليـفـة الثـانـي بـتـعـيـيـنـه لعـثـمـان خـليـفـة مـن بعده يكون قد أسّس الحكم الامويّ بالفعل فضلاعن تمهيده له من قبل.

قـال الخـليـفـة الثـانـي: (ادعـوا لي أبـا طـلحـة الانـصـاري، فـدعـوه له، فـقال: انظر يا أباطلحة إذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلامن الانصار، حاملي سيوفكم، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الامر وتعجيله، واجمعهم في بيتٍ، وقِف بأصحابك علي باب البيت ليـتـشـاوروا ويـخـتـاروا واحـدا مـنـهم، فإن اتّفق خمسة وأبي واحد فاضرب عنقه، وإن اتّفق أربـعـة وأبـي اثـنـان فاضرب أعناقهما، وإن اتّفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الثلاثة التـي فـيـهـا عـبـدالرحـمن فارجع إلي ما قد اتّفقت عليه، فإن أصرّت الثلاثة الاخري علي خلافها فاضرب أعناقها...). [1] .

كـان عـمـر ذا درايـة تامّة بميول الرجال الستة الذين اختارهم لهذه الشوري، فهو يعلم يقينا أنّ عـثـمـان وسـعـدا وعـبـدالرحـمـن مـيـلٌ واحـدٌ فـي انـحـرافـهـم عـن عـليٍّّ (ع)، ويـعـلم أنّ طـلحـة لايميل إلي عليّ (ع)، والاحتمال الاقوي أنّه سيعطي رأيه إلي عثمان، وتحسّبا من المفاجأة في تـحـقـّق الاحـتـمـال الاضـعـف وهـو مـيل طلحة إلي عليٍّ (ع) والزبير، حيث تتساوي الكفّتان ثلاثة وثـلاثـة، تـدخـّل عـمـر ليـحسم النزاع لصالح عثمان بترجيح الكفّة التي فيها عبدالرحمن بن عوف.

فأيّة شوري هذه!؟

هـذا فـضـلاعـن السـيـوف التي جرّدها أبوطلحة الانصاري ورجاله الخمسون


بأمر عمر لحماية الرأي الحرّ!!

ولقد أدرك أميرالمؤمنين عليٍّّ (ع) هذه الخدعة المعلومة النتيجة...

فقال لعمّه العبّاس: (عُدِلَت عنّا!

فقال: وما علمك!؟

قـال: قـرن بـي عـثـمـان وقال كونوا مع الاكثر، فان رضي رجلان رجلاورجلان رجلافكونوا مع الذيـن فـيـهـم عـبدالرحمن بن عوف، فسعدٌ لايخالف ابن عمّه عبدالرحمن، وعبدالرحمن صهر عثمان لايـخـتـلفـون، فيولّيها عبدالرحمن عثمان أو يولّيها عثمان عبدالرحمن، فلو كان الاخران معي لم ينفعاني، بَلْهَ إنّي لاأرجو إلاّ أحدهما). [2] .


پاورقي

[1] شرح نهج البلاغة، 1: 62ـ 63.

[2] تاريخ الطبري، 3: 294.