بازگشت

مبداء عمر في العطاء


كـان النـبـيٍّّ (ص) قـد سـاوي بـيـن المـسـلمـيـن فـي العـطـاء فـلم يـفـضّل أحدا منهم علي أحد، وجري أبوبكر علي مبدا التسوية هذا مدّة حكمه، (وأمّا عمر فإنّه لمـّا ولي الخـلافـة فـضـّل بـعـض النـاس عـلي بـعـض، فـفـضـّل السـابـقـيـن عـلي غـيـرهـم، وفـضـّل المـهـاجـريـن مـن قـريـش عـلي غيرهم من المهاجرين، وفـضـّل المـهـاجـريـن كـافـّة عـلي الانـصـار كـافـّة، وفـضـّل العـرب عـلي العـجـم، وفـضـّل الصـريـح عـلي المـولي). [1] (وفـرض لاهـل اليـمـن فـي أربـعـمـائة، ولمـضـر فـي ثـلاثـمـائة ولربـيـعـة في مائتين) [2] وفضّل الاوس علي الخزرج. [3] .

فـلئن كـان مـنـطـق السـقيفة قد قام علي أساس التنابز بالالقاب والمفاضلة القبليّة فأنعش بذلك روح التعصب القبليٍّّ التي كان قد أخمدها الاسلام، فإنّ مبداء عمر في العطاء قد أطلق روح التـعـصّب من عقالها، فولّدت أسوء الاثار في الحياة الاسلاميّة: (حيث إنّه وضع أساس تـكـوّن الطـبـقـات فـي المـجـتـمـع الاسـلامـيٍّّ، وجـعـل المـزيـة الديـنـيـّة مـن سـبـل التـفوّق المادّيّ، وزوَّد الارستقراطيّة (الطبقة المترفة) القرشيّة التي مكّنت لنفسها من جديد بتمكّن أبي بكر من الحكم بمبرّر جديد للاستعلاء والتحكّم بمقدّرات المسلمين، فجميع اعتبارات التـفـضـيـل تـجـعـل القـرشـيـّيـن أفـضل في العطاء من غير القرشيّين، وهذا يعني أنّ قريشا هي أفضل الناس لانّها قريش! وكفي بهذا مبررّا للتحكّم والاستعلاء.

وقـد كـوّن هـذا المـبـداء سـبـبـا جـديدا من أسباب الصراع القبليٍّّ بين ربيعةٍ ومضر، وبين الاوس والخـزرج، بـمـا تـضـمـّن مـن تـفـضـيـل سـائر مضر عـلي سـائر ربـيـعـة،


وتـفـضـيـل الاوس عـلي الخـزرج. ونـظـنّ أنّ هـذا المـبـداء قـد أرسـي أوّل أساس من أسّس الصراع العنصريٍّّ بين المسلمين العرب وغيرهم من المسلمين بما جري عليه عمر من تفضيل العرب علي العجم والصريح علي المولي). [4] .

ولم يطل الوقت حتّي رأي عمر نفسه خطورة الاثار الضارة التي أوجدها هذا المبداء في حياة الامّة الاسـلامـيـّة، حـيـث تـسـرّبـت روح التحزب والانقسام إلي المجتمع، وتعاظم الشعور بالامتياز والتـفـرد لدي قـريـش، وتـفـشـّي الحـنـق والحـسـد والكـراهـيـّة والتـفـتـيـش عـن المـثـالب بـيـن القبائل، فكان هذا من العوامل المهمّة التي مهّدت للفتنة بين المسلمين.

وهـنـا تـجـدر الاشـارة إلي أنّ مـبـداء عـمـر فـي العـطـاء كـان انـحـرافـا واضـحـا عـن سـيـرة الرسـول (ص) فـي العـطـاء والتي جري عليها أبوبكر أيضا، فكان الاولي بالامّة أن تقف بـوجـهه وتمنعه من هذا الانحراف علي أساس النصيحة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا امـتـنـع وأبـي قـوّمـتـه بـالسـيوف. غير أنّ التأريخ لم يحدّثنا عن أيّ إنكار علي عمر من قـبـل الامـّة، وهـذا مـؤشر من مؤشرات تفشّي حالة الشلل الروحي والنفسي الذي أصيبت به الامّة نتيجة السقيفة.


پاورقي

[1] شرح نهج البلاغة، 8: 306.

[2] تأريخ اليعقوبي، 2: 106.

[3] راجع فتوح البلدان: 437.

[4] ثورة الحسين (ع)، ظروفها الاجتماعيّة وآثارها الانسانيّة: 29.