بازگشت

محاصرة السنة النبوية علنا


سبق فيما قدّمنا أن قلنا إنّ قيادة حزب السلطة كانت أيّام حـيـاة النـبـيٍّّ (ص) تـنهي سرّا عن كتابة البيان النبويٍّّ بدعوي أنّ النبيٍّّ (ص) بشرٌ يتكلّم في الغـضب والرضا!!، كما كشف عن ذلك عبداللّه بن عمرو بن العاص، وقلنا إنّ غاية تلك المحاولة هـي مـحـاصـرة البـيـانات النبويّة عامّة والمتعلّقة بالخلافة وشخص الخليفة من بعد النبيٍّّ (ص) خاصّة.

أمـّا بـعـد رحلة النبيٍّّ (ص)، وبعد أن تمخّض مؤتمر السقيفة عن فوز حزب السلطة بالحكم، فـإنّ السـريـّة فـي مـواجـهة تلك البيانات النبويّة كانت قد فقدت مسوّغاتها، وصار الصد عن البـيـان النـبـويٍّّ عـلنـا ولكـن تـحـت غـطاء خشية انتشار الاختلاف في الامّة!! فقد جمع أبوبكر الناس وقال لهم:

(إنـّكـم تحدّثون عن رسول اللّه (ص) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافا، فـلاتـحـدّثـوا عـن رسـول اللّه شـيـئا!!، فـمـن سـألكـم فـقـولوا: بـيـنـنـا وبـيـنـكـم كتاب اللّه!). [1] .

وفـضـلاعـن مـلاحـظة التحول من التكتّم في المواجهة إلي الاعلان عنها، نلاحظ أيضا أنّ قوله (فـلاتـحـدّثـوا عـن رسـول اللّه شـيـئا) يعني المنع المطلق عن


البيان النبويٍّّ مطلقا!! وضرب حصار تامّ شامل علي كلّ ما ورد عنه (ص)!.

لقـد أدركـت قيادة هذا الحزب أنّ ما يقلقها وتخشي من انتشاره ليست البيانات النبويّة المتعلّقة بـمـقـام عـليٍّّ (ع) ومـنـزلتـه وأحـقـّيـّتـه بـالخـلافـة فـحـسـب، بـل هـناك البيانات المتعلّقة بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخري في أوصاف (الائمّة المـضـلّيـن) وضـرورة القيام ضدّهم، وأخري تشخّص الشجرة الملعونة في القرآن، وأخري تـتـحـدّث فـي الفتن وقادتها، وأخري في فضائل بعض الصحابة الذين يضيق الحزب الحاكم ذرعـا بـهم، ولايسرّه بل يسوءه انتشار عبير فضائلهم، وأخري وأخري... فكان لابدّ من تعميم المنع وإطلاقه!!.

وكـمـا ذكـرنا في مامضي، فقد طُبِّق هذا المنع بصرامة وشدّة في عهد عمر، ومنع عثمان رواية أي حـديـث لم يـُروَ فـي عـهـدي أبـي بـكـر وعـمـر. ونـتـيـجـة لكـثـرة الفـتـوحـات ودخـول كـثـيـر مـن الشـعـوب فـي الاسلام وتباعد الايّام عن عهد النبيٍّّ (ص)، ولتوهّم الناس أنّ الخلفاء الثلاثة الذين حكموا بعد النبيٍّّ (ص) امتداد له، فقد اختلط الامر علي أكثر الامّة التي لم تـعـرف عـن سـنّة النبيٍّّ (ص) إلاّ نزرا يسيرا، وصار أكثر الناس ‍ يري السنّة في سنّة عمر (وهي مجموعة البدع التي خالف فيها سنّة النبي (ص)، حتّي إذا أَلَفُوها أصرّوا عليها وأبوا أن يتحوّلوا عنها حتّي وإن ذكّروا بأنّ ذلك خلاف سنّة النبيٍّّ (ص).

فقد سأل أهـل الكـوفـة (وهـي عـاصـمة البلاد الاسلاميّة يومئذٍ) أمير المؤمنين عليّا (ع) أن ينصب لهم إماما يصلّي بهم نافلة شهر رمضان، فزجرهم، وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة، فتركوه واجتمعوا لانـفـسـهـم، وقـدّمـوا بـعـضـهـم، فـبـعـث إليـهـم ابـنـه الحـسـن (ع)، فدخل المسجد ومعه الدرّة، فلمّا رأوه تبادروا


الابواب وصاحوا: واعمراه! [2] وفي بعض المصادر أنّهم قالوا: يا أهل الاسلام غيّرت سنّة عمر. [3] .

وهنا يتّضح أمام المتتبّع وجه من أوجه الصعوبات الكبيرة التي واجهها الامام عليّ (ع) في إرجاع الامور إلي أصولها الصحيحة، يقول (ع):

(قد عملت الولاة قبلي أعمالاخالفوا فيها رسول اللّه (ص) متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مـغـيّرين لسنّته، ولو حملت الناس علي تركها، وحوّلتها إلي مواضعها وإلي ما كانت في عهد رسـول اللّه (ص) لتـفـرّق عـنـّي جـنـدي حـتـّي أبـقـي وحـدي أو قـليـل مـن شـيـعـتـي الذيـن عـرفـوا فـضـلي وفـرض إمـامـتـي مـن كـتـاب اللّه عـزّ وجـلّ وسـنـّة رسول اللّه (ص)...). [4] .


پاورقي

[1] تذکرة الحفّاظ، 1: 2 ـ 3.

[2] نهج الحقّ وکشف الصدق: 289 ـ 290.

[3] الکافي، 8: 63، حديث 21.

[4] الکافي، 8: 59، حديث 21.