بازگشت

الحزب الاموي


كـان فـتـح مـكـّة المـكـرّمـة مـنـعـطـفـا مـن مـنـعـطـفـات تـأريـخ الاسـلام الرئيـسـة، فـقـد تـحـوّل المـسـلمـون بـعـده مـن عـصـابـة ثـائرة إلي قـوّة مـركـزيـّة قـاهـرة ودولة ظـافرة ظاهرة، وتـحـوّل المـشـركـون بـعـده مـن تـجـمـّع مـركـزيٍّّ مـؤثـّر فـي الاحـداث إلي شـتـات ضـعـيـف فاشل.

وكـان قـد أدرك دهـاة النـفـعـيـّيـن مـن قـريـش هـذه النـتـيـجـة قبل حصولها بأشهر، أمثال عمرو بن العاص وخالد بن الوليد فدخلوا في الاسلام حين أيقنوا أنّه لابدّ من الدخول فيه.

أما الامويّون فقد أصرّت غالبيتهم علي المكابرة والعناد حتّي حلّت بساحتهم رايات الفتح الاسلامي، فكانوا من الطلقاء.

دخـل الامـويـّون الاسـلام مـقـهـوريـن بـالفتح، وقلوبهم تتجرّع الاسلام ولاتكاد تسيغه،وحقيقة نـفـاقـهـم وإصـرارهم علي الكفر من حقائق التأريخ التي لايشك


منصف في ثبوتها، وشواهد هذه الحقيقة أمنع في ظهورها من أن تخضع لتأويلات يتكلّفها مجانبو الحقيقة وأعداء الحقّ.

هـاهـو أبـوسـفـيـان يـدخـل عـلي عـثـمـان حـيـن صـارت الخـلافـة إليـه فيقول له:

(صـارت إليـك بـعـد تـيـم وعـدي فـأدرهـا كـالكـرة، وأجعل أوتادها بني أميّة، فإنّما هو الملك ولاأدري ما جنّة ولانار). [1] .

وهاهو معاوية يخلو به المغيرة بن شعبة فيقول له بعد أن استقامت الامور لمعاوية:

(إنـّك قـد بـلغـت مناك يا أميرالمؤمنين، فلو أظهرت عدلاوبسطت خيرا، فإنّك قد كبرت، ولو نـظـرت إلي إخـوتـك مـن بـنـي هـاشـم فـوصـلت أرحامهم، فواللّه ما عندهم اليوم شي تخافه...). [2] .

فيثور معاوية ويكشف عن كفره وجاهليّته قائلا:

(هـيـهـات، هـيـهـات، مـلك أخـو تـيـم فـعـدل، وفـعـل مـا فـعـل، فـواللّه مـا عـدا أن هـلك فـهـلك ذكـره، إلاّ أن يـقول قائل أبوبكر، ثمّ ملك أخو عديّ فاجتهد وشمّر عشر سنين، فواللّه ما عدا أن هلك فهلك ذكـره، إلاّ أن يـقـول قـائل عـمـر، ثـمّ مـلك أخـونـا عـثـمـان فـمـلك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه، فعمل ما عمل (وعمل به)، فواللّه ماعدا أن هلك فهلك ذكره، وذكر مـا فـعـل بـه، وإنّ أخـا هـاشـم يـُصـرخ بـه فـي كـلّ يـوم خـمـس مـرّات: أشـهـد أنّ مـحـمـّدا رسول اللّه (ص)، فأيّ عمل يبقي بعد هذا لاأمّ لك؟ واللّه إلاّ دفنا دفنا...). [3] .


وهـاهـو يـزيـد يـصـرّح بـكـفـره وكـفـر آبـائه ومـعـبـّرا عـن تـشـفـّيـه بقتل سيّدالشهداء (ع) في تمثّله بأبيات ابن الزبعري:



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل



لاهلّوا واستهلّوا فرحا

ثّم قالوا يا يزيد لاتشل



قد قتلنا القوم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل



لعبت الهاشم بالملك فلا

خبر جاء ولاوحي نزل [4] .



دخـل الامـويـّون الاسـلام مـقهورين بالفتح، وأعينهم تراقب مجري حركة الاحداث لعلّ الامر بعد رسـول اللّه (ص) يـنـحـرف عـن مـسـاره المـرسـوم فـيـرجـع القـهـقـري، ويـتـجـدّد لهـم الامل والرجاء في أن يعود لهم سابق شأنهم في الجاهليّة، فيمتطون صهوة الزعامة من جديد ولكن بـثـوبـهـا الاسـلامي، وقد عبّر أبوسفيان عن هذا الرجاء في محضر عثمان قائلا: (يا بني أميّة، تـلقـّفـوها تلقّف الكرة، فوالذي يحلف به أبوسفيان مازلت أرجوها لكم ولتصيرنّ إلي صـبـيانكم وراثة)، [5] وفي نصّ آخر: (يا معشر بني أميّة، إنّ الخلافة صارت في تـيـم وعـدي حتّي طمعت فيها، وقد صارت إليكم، فتلقّفوها بينكم تلقّف الكرة، فواللّه ما من جنّة ولانار). [6] .

يقول عبداللّه العلايلي في كتابه (الامام الحسين (ع):

(وفـي قـوله (مـا زلت أرجـوهـا لكـم) مـا يـشـعـرنـا بـأنّ الحـزب الامـويّ كـان مـوجـودا مـن قـبـل، وكـان يـعـمـل تـحـت سـتـر الخـفـاء، ويحيك في الظلماء، وإلاّ


فبأيٍّّ سبب كان يرجوها لهم؟ وليـسـوا بـأهـل سـابـقـة في الاسلام ولاأيادي لهم معروفة سوي المظاهرة ضدّ اللّه ورسوله). [7] .

ولاشـك أنّ التـفـاتـة العـلايـلي فـي أنّ الحـزب الامـويّ كـان مـوجـودا مـن قـبـل هـي التـفـاتة في محلّها، لكنّ تساؤله عن سبب رجاء أبي سفيان في أن تكون الخلافة لبني أميّة تساؤل في غير محلّه، ذلك لانّ اغتصاب الخلافة من أهلها المنصوص عليهم ودفعهم عن مقامهم وصـيـرورتـهـا فـي (أقـلّ حـيـيـن) من قريش ـ علي حدّ تعبير أبي سفيان نفسه ـ هوالذي أطمع الامـويـّيـن فيها، وقد صرّح أبوسفيان بهذا السبب (إنّ الخلافة صارت في تيم وعدي حتّي طمعت فـيـهـا)، وذلك لانّ الامويّين يرون أنفسهم أشرف عشيرة وأعزّ نفرا وأكثر علما وخبرةً ودهاءً من الاوّل والثاني، فلماذا لايطمعون بها وقد تهافت أمرها وتداني شأنها!؟

دخـل الامـويـّون الاسـلام ظـاهـرا بـعـقـليـّة (الحـزب)، وتـحـسـّسـوا فـي البـدء مـن الفـصـائل الاخـري المـمـاثـلة التـي تـعـمـل فـي دائرة الصـد عـن رسـول اللّه (ص) ليـقـيـمـوا مـعـهـا أواصـر التـعـاون فـي ظـلال الهـويـّة الاسـلاميّة الساترة بعد ما كانوا قد تعاونوا معها وهم تحت راية الكفر السافرة. [8] .

وقـد يـسـّرت العـلاقـات القـديـمـة سـبـل التـعـاون الجـديـدة بـيـن الحـزب الامـوي وفـصـائل النـفـاق الاخـري، وقـد يـصـعـب عـلي المـتـتـبـّع أن يـعـثـر عـلي دلائل كـاشـفـة عـن التـعـاون الجـديـد بـيـن الامـويـّيـن بـعـد الفـتـح وبـيـن فصائل النفاق الاخري إلي وقت


رحلة النبيٍّّ الاكرم (ص)، أللّهم إلاّ بعض الاشارات الكاشفة عن حالة نفسيّة مساعدة في اتّجاه التعاون كمثل هذا الرواية التي رواها مسلم:

(أنّ أبا سفيان أتي علي سلمان وصهيب وبلال في نفر

فقالوا: واللّه ما أخذت سيوف اللّه من عنق عدوّاللّه مأخذها!

فقال أبوبكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم!؟

فأتي النبيٍّّ (ص) فأخبره.

فقال: يا أبابكر، لعلّك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّك...). [9] .

لكـنّ المـتـتـبـّع لايـجـد صـعـوبـة تـذكـر فـي العـثـور عـلي دلائل التـعـاون الجـديـد بـعـد أن اسـتـقـرّت نـتـائج السـقـيـفـة لصـالح حـركـة النـفـاق، وهـذه الدلائل كـثـيرة جدّا، ولايقدح فيها الموقف المؤقّت الذي وقفه أبوسفيان في طلبه من أمير المؤمـنـيـن عـليٍّّ (ع) فـي أن يـمدّ يده ليبايعه، وفي تنكّره بادئ ذي بدء لنتائج السقيفة، فإنّ هذا الموقف أملته علي أبي سفيان أمنيّته المكبوتة في أن يبطش بالاسلام البطشة الكبري بعد رحلة الرسول (ص) مباشرة من خلال إيقاع الاقتتال بين المسلمين علي الخلافة وإسقاط الدولة الاسلاميّة وإعادة الناس إلي الجاهليّة وإلي قريش بزعاماتها السابقة، ولم تخف نيّة أبي سفيان في موقفه هذا علي أمير المؤمنين عليٍّّ (ع) فنهره وأغلظ له قائلا: (واللّه إنّك ما أردت بهذا إلاّ الفتنة، وإنّك واللّه طالما بغيت للاسلام شرا...). [10] .

لقـد كـان الصـحابة كلّهم أو جلّهم يعلمون أنّ بني أميّة هم الشجرة الملعونة في


القرآن، ذلك مـمـّا عـلّمـهـم رسـول اللّه (ص) وصـرّح بـه، [11] وهـذه المـعلومة جزء من معلومات ملفّ المـلاحـم والفـتـن المـقـبلة التي كشف عنها الرسول (ص) كشفا تامّا للامّة إقامة للحجّة عليها في تـشـخـيـص المـحـجـّة البـيـضـاء ومـعـرفـة خـلفـائه مـن بـعـده، يـقـول حـذيـفـة بـن اليـمـان (ر) (واللّه مـا أدري أنـسـي أصـحابي أم تناسوا!؟ واللّه ما ترك رسـول اللّه (ص) مـن قـائد فـتـنـة إلي أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلثمائة فصاعدا إلاّ قد سمّاه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته). [12] .

إذن فـقـيـادة حـزب السـلطة وهي من الصحابة كانت تعلم جيّدا من هم بنوأميّة، ومن الادلّة علي ذلك أيضا أنّ:

(الخـليـفـة الثاني عمر لمّا سأل كعب الاحبار اليهوديٍّّ عمّا يجدونه في كتبهم في قضيّة (إلي من يـفـضـي الامـر؟) قـال كـعـب الاحبار: نجده ينتقل بعد صاحب الشريعة والاثنين من أصحابه إلي أعـدائه الذيـن حـاربـهـم وحـاربـوه وحـاربـهـم عـلي الديـن. فـاسـتـرجـع عـمـر مـرارا وقـال: أتـسـمـع يـا ابـن عـبـّاس؟ أمـا واللّه لقـد سـمـعـت مـن رسـول اللّه مـا يـشـابه هذا، سمعته يقول: ليصعدنّ بنوأميّة علي منبري، لقد أريتهم في منامي يـنـزون عـليـه نـزو القردة، وفيهم أُنزل: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن). [13] .

(وقـد روي الزبـيـر بـن بـكـّار فـي المـوفـقـيـّات مـا يـنـاسـب هـذا عـن المـغـيـرة بـن شـعـبـة، قـال: قـال لي عـمـر يـومـا: يـا مـغـيـرة هـل أبـصـرت بـهـذه عينك العوراء منذ


أُصيبت؟ قلت: لا. قـال: أمـا واللّه ليعورنّ بنوأميّة الاسلام كما أعورت عينك هذه، ثمّ ليعمينّه حتّي لايدري أين يذهب و لاأين يجي...). [14] .

لكـنّ قيادة حزب السلطة مع كلّ هذه الدراية كانت قد تعاونت مع الحزب الامويّ تعاونا وثيقا في إطار علاقة صميميّة أساسها الصد عن رسول اللّه (ص).

وملفتٌ للانتباه (أنّ أكثريّة الامراء والولاة كانوا من بني أميّة في أزمان أبي بكر وعمر وعثمان)، [15] في الوقت الذي منعت قيادة حزب السلطة الهاشميّين منعا باتا من تسلّم أيٍّّ مسؤوليـّة مـن إمـارة أو ولايـة أو دون ذلك، ويـعـلّل عـمـر لابـن عـبـّاس ‍ هـذا المـوقـف المـتشدّد في منع الهـاشـمـيّين من ذلك بأنّ الهاشميّين إذا ما تولّوا منصبا في إدارة شؤون الامّة دعوا الناس إلي الالتـفـاف حـول أهـل الخـلافـة الحـقـيـقـيـّيـن مـن بـنـي هـاشـم وبـصـّروا النـاس بأهل الصدّ عن رسول اللّه (ص)، وهذا ما لايمكن أن تسمح به قيادة حزب السلطة أبدا.

يقول عمر مخاطبا ابن عبّاس في هذه المسألة:

(يـابـن عـبـّاس، إنّ عـامـل حـمـص هـلك، وكـان مـن أهـل الخـيـر، وأهل الخير قليل، وقد رجوت أن تكون منهم، وفي نفسي منك شي لم أره منك، وأعياني ذلك، فما رأيك في العمل؟

قال: لن أعمل حتّي تخبرني بالذي في نفسك.

قال: وما تريد إلي ذلك؟

قـال: أريـده فـإن كـان شي أخاف منه إلي نفسي خشيتُ منه عليها الذي


خشيتَ، وإن كنت بريئا من مثله علمت أنّي لست من أهله، فقبلت عملك هنالك، فإنّي قلّما رأيتك طلبت شيئا إلاّ عاجلته.

فـقـال: يـا ابـن عـبـّاس، إنـّي خـشـيـتُ أن يـأتـي عـليَّ الذي هـو آت وأنـت فـي عـمـلك فتقول: هلمّ إلينا، ولاهلمّ إليكم دون غيركم...). [16] .

فـالخـليـفـة الثـانـي إذن لايـأبـي فـقـط أن تـعـود الخـلافـة إلي أهلها المنصوص عليهم من قـبـل اللّه تـبـارك وتـعـالي، بل يأبي حتّي أن يتمكّن الهاشميّون من الدعوة إلي أنفسهم ولو بـعـد مـوتـه. هـذا فـي الوقـت الذي سـعـي حـزب السـلطـة مـنـذ أوائل أيّام تسلّمهم الحكم إلي تمهيد الامور للحزب الامويّ ليتسلّم زمام الامور بعد قيادة حزب السـلطـة، لانّ هـذه القـيادة رأت في الامويّين امتدادها الفكري والعملي، والضمانة الاكيدة في اسـتـمـرار وجـود قـوّة حـاقـدة علي أهل البيت (ع)، تواصل مواجهتهم وعزلهم وحرمانهم من حقّهم في التصدي لامور المسلمين.

فـبعد أن استقرّت نتيجة السقيقة لحزب السلطة، كانت ظاهرة استمالة هذا الحزب للامويّين علي صـعـيـد التـعـاون الجـديـد مـعـهـم فـي المـواجـهـة السـافـرة مـع أهـل البـيـت (ع) مـن الظـواهـر الواضـحـة فـي تـأريـخ المـسـلمـيـن بـعـد الرسول (ص).

وتـكـفي دليلاعلي هذه الحقيقة العلاقة الخاصّة جدّا بين الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب ومعاوية بـن أبـي سـفـيـان الطـليق الذي لعنه الرسول (ص) مرارا علي رؤوس ‍ الاشهاد، وأمر المسلمين بقتله إذا رأوه علي منبره. [17] .

كانت للخليفة الثاني خلوات بمعاوية منذ أوائل الايّام...


يـحـدّثـنـا التـأريـخ بـواقـعـة مـن وقـائع طـفـولة الامـام الحـسـيـن (ع) فـي أوائل أيـّام حـكـم عـمـر بـن الخـطـّاب عـن لسـان الامـام الحـسـيـن (ع) أنـّه قال:

(صـعـدتُ إلي عـمـر بـن الخـطـّاب، فـقـلت له: إنـزل عـن مـنـبـر أبـي واصـعـد مـنـبـر أبـيك! قـال: فـقـال: إنّ أبـي لم يـكـن له مـنـبـر. قـال فـأقـعـدنـي مـعـه، فـلمـّا نـزل ذهـب بـي إلي مـنـزله، فـقـال لي: أي بـنـيٍّّ، مـن عـلّمـك هـذا؟ قـال: قـلت: مـا عـلّمـنـيـه أحـد! قـال: أي بـنـيٍّّ لو جـعـلت تـأتـيـنـا وتـغـشـانـا؟ قـال: فـجـئت يـومـا وهو خال بمعاوية!! وابن عمر بالباب ولم يأذن له، فرجعتُ، فلقيني بعدُ فـقـال لي: يـا بـنـيٍّّ لم أرك تـأتـيـنـا؟ فـقـلت: قـد جـئت وأنـت خـال بمعاوية، فرأيت ابن عمر رجع فرجعتُ. فقال: أنت أحقّ بالاذن من عبداللّه بن عمر، إنّما أنبت في رؤوسنا ما نري اللّه ثمّ أنتم!!...). [18] .

وذُكر معاوية عند عمر فقال:

(دعـوا فـتـي قـريـش وابـن سـيـّدهـا!! إنـّه لمـن يـضـحـك فـي الغـضـب ولاينال منه الاّ علي الرضا، ومن لايأخذ من فوق رأسه إلاّ من تحت قدميه). [19] .

يقول هذا فيمن لعنه رسول اللّه (ص) ولعن أباه ولعن ابنه!

وكـان مـعـاويـة يـتـذلّل لعـمـر ويـتـمـلّقه، وإذا جاوز رضاه في قضيّة من القضايا خاطبه بلسان المتذلّل الخاضع:

(يا أميرالمؤمنين، علّمني أمتثل.) [20] .


ومـعـاويـة في ذلك إنّما يمثّل الدور الذي رسمه له أبوه أبوسفيان ـ منظّر الحزب الامويّ ـ حين أوصاه قائلا:

(يـا بـُنـيٍّّ إنّ هـؤلاء الرهـط مـن المـهاجرين سبقونا وتأخّرنا... فصاروا قادة وسادة، وصرنا أتـبـاعـا، وقـد ولّوك جـسـيـمـا مـن أمورهم فلاتخالفهم، فإنّك تجري إلي أمد فنافس فإن بلغته أورثته عقبك). [21] .

والامـويـّون لايـتـردّدون فـي الاعـتـراف بـأنـّهـم امـتـداد لحـزب السـلطـة، بـل هـم يـحـاجـّون مـن يـُنـكـر عـليـهـم قـبـائحـهـم مـمـّن هـم مـن نـسـل أبـي بـكـر أو عـمـر بـأنّ الاوليـين إن كانا قد أحسنا فإنّا احتذينا بهما! وإن كانا قد أساءا فهما أولي بالذم والمعابة!

يقول معاوية في رسالة جوابيّة بعث بها إلي محمّد بن أبي بكر (ر):

(...وقـد كـنـّا وأبـوك مـعـنا في حياة نبيّنا صلّي اللّه عليه، نري حقّ ابن أبي طالب لازما لنا، وفـضـله مـبـرّزا عـليـنـا، فلمّا اختار اللّه لنبيّه صلّي اللّه عليه وسلّم ما عنده، وأتمّ له ما وعده، وأظـهـر دعـوتـه وأفـلج حـجـّتـه، قـبـضـه اللّه إليـه، فـكـان أبـوك وفـاروقـه أوّل مـن ابـتـزّه وخـالفـه، عـلي ذلك اتـّفـقـا واتـّسقا... فخذ حذرك يا ابن أبي بكر، فستري وبـال أمـرك، وقـسْ شـبـرك بـفـتـرك، تـقـصـر عـن أن تـسـاوي أو تـوازي مـن يـزن الجبال حلمه، ولاتلين علي قسر قناته، ولايدرك ذومدي أناته، أبوك مهّد مهاده، وبني ملكه وشـاده، فـإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوّله، وإن يك جورا فأبوك أسّسه، ونحن شـركـاؤه، وبـهـديـه أخـذنـا، وبـفعله اقتدينا، ولولاما سبقنا إليه أبوك ماخالفنا ابن أبي طـالب وأسـلمـنـا له، ولكـنّا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله، واقتدينا بفعاله،


فَعِب أباك ما بدا لك أودع...). [22] .

ولمّا قتل الحسين (ع) كتب عبداللّه بن عمر إلي يزيد بن معاوية:

(أمـّا بـعـد، فـقـد عـظـمـت الرزيـّة وجـلّت المصيبة، وحدث في الاسلام حدث عظيم، ولايوم كيوم قتل الحسين!)

فكتب إليه يزيد:

(أمّا بعد يا أحمق، فإنّا جئنا إلي بيوت مجدّدة وفرش ممهّدة ووسادة منضّدة، فقاتلنا عنها، فإن يـكـن الحـقّ لنـا فـعـن حـقـّنـا قـاتـلنـا، وإن كـان الحـقّ لغـيـرنـا فـأبـوك أوّل من سنّ هذا واستأثر بالحقّ علي أهله!). [23] .

أمـّا عـلاقـة الحـزب الامويّ بفصيل منافقي أهل المدينة فيمكن أن نتحسّس ‍ جذورها في موقعة أحد لمّا تمنّي الفارّون من أصحاب صخرة الجبل ـ وفيهم قيادة حزب السلطة طبعا ـ أن يجدوا رسولاإلي عبداللّه بن أُبيّ بن سلول ليتوسّط لهم عند أبي سفيان في العفو عنهم، الامر الذي يكشف عن العلاقة الخاصّة بين ابن سلول وأبي سفيان آنذاك.

وأمّا علاقة الحزب الامويّ بفصيل منافقي أهل الكتاب فأوضح من أن تحتاج إلي بيان، وذلك لانّ بـطـانـة السـوء التي اتّخذها الامويّون من منافقي اليهود والنصاري من ظواهر التأريخ الامويّ التي لاتخفي علي من له أدني معرفة بهذا التأريخ، ويكفي ذكر هذه الاسماء: كعب الاحبار، نافع بن سرجس، سرجون، ابن أثال، أبوزبيد، دليلاعلي ذلك.


ويـفوق الحزب الامويّ كلّ فصائل حركة النفاق في مستوي الاضرار الشديدة التي ألحقها بالاسـلام والمـسـلمـيـن، فـكـرّيـا وعـمـليـّا، كـمـّا وكـيـفـا، تـلك الاضـرار التـي لازال العـدد الكـبـيـر مـن المـسلمين إلي اليوم تحت تأثير عوالقها التي أُلصقت بالاسلام وهي ليست منه، بل هي ممّا ابتدعه الامويّون علي صعيد الحديث والفقه والتفسير والتأريخ.

ومـع هـذا فـإنّ الحـزب الامـويّ يـبـقـي فـيـمـا اسـتـطـاع أن يصل إليه من التحكّم في رقاب هذه الامّة وتشويه نظريّتها وتأريخها وتدمير حياتها ناتجا من نواتج حزب السلطة وسيّئة من سيّئاته إلي يوم القيامة.


پاورقي

[1] النزاع والتخاصم: 44.

[2] مروج الذهب، 4: 41؛ وشرح نهج البلاغة، 5: 463 بتفاوت يسير.

[3] مروج الذهب، 4: 41؛ وشرح نهج البلاغة، 5: 463 بتفاوت يسير.

[4] اللهوف: 79.

[5] مروج الذهب، 2: 351 ـ 352.

[6] الاغاني، 6: 356 (ذکر أبي سفيان وخبره ونسبه).

[7] کتاب الامام الحسين (ع): 30.

[8] لولامـخـافـة الخـروج عـن غـرض هـذه المـقـالة لاوردنـا دلائل مـتـعـدّدة عـلي هذا التـعـاون القـديـم بـيـن الامـويـّيـن وفـصـائل النـفاق الاخري، لکنّنا ننصح بقرأة الکتاب القيّم (الصحيح من سيرة النبيٍّّ الاعظم (ص) لمعرفة مواقع هذا التعاون القديم.

[9] صـحـيـح مـسـلم (بـشـرح النـووي)، المـجـلّد الثـامـن، الجـزء 16: 66 (فضائل سلمان وبلال وصهيب).

[10] الکامل في التأريخ، 2: 326.

[11] وقـد رويـت هـذه الحـقـيـقـة بـطـرق عـديـدة عـن عـدّة مـن الصـحـابـة عـن رسول اللّه (ص)، راجع الميزان في تفسير القرآن، 13: 148 ـ 149.

[12] سنن أبي داود، 4: 95، حديث 4243.

[13] شرح نهج البلاغة، 12: 115.

[14] شرح نهج البلاغة، 12: 115.

[15] الامام الحسين (ع): 192.

[16] مروج الذهب، 2: 330.

[17] راجع: کتاب الغدير، 1: 142 ـ 145.

[18] تأريخ ابن عساکر (ترجمة الامام الحسين (ع): 141، حديث 179.

[19] البداية والنهاية، 8: 133.

[20] البداية والنهاية، 8: 134.

[21] البداية والنهاية، 8: 126.

[22] وقعة صفّين: 120 ـ 121.

[23] نهج الحق: 356.