بازگشت

منافقو اهل الكتاب


إنّ لاهـل الكـتـاب مـع الاسـلام والنـبـيٍّّ الاكـرم مـحـمـّد (ص) قـصـّة مـؤسـفـة يـنـبـغـي لكـلّ مـؤمـن ألاّ يـغـفـل عـن الاتـّعـاظ بـهـا فـي انـتـظـاره الامـام المـهـديّ المـنـتـظـر عجّل اللّه تعالي فرجه.

كـان أهـل الكـتـاب بـعـد عـهـد المـسـيـح عـيـسي بن مريم (ع) ينتظرون خروج خاتم الانبياء (ص) ويـتـرقـّبـون حـلول أوانـه، ذلك لانـّهـم تـوارثوا البشارات بظهوره عن أنبيائهم وأوصياء أنـبـيـائهـم (ع)، وتـوارثـوا مـعـرفـة صـفـاته البدنيّة والمعنويّة، فكانوا يعرفون أسماءه وألقابه وكناه ويعرفون شخصه معرفة تفصيليّة يقينيّة كما يعرفون أبناءهم.

وقـد أكـّد القـرآن الحـكـيـم هـذه الحقيقة في قوله تعالي: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم). [1] .

كـما كانوا يعرفون شخصيّته في سيرته المعلومة عندهم ممّا توارثوه من الانباء


عنه في كتبهم وروايـاتـهـم، فـكـانـوا يـعرفون ما ينبغي عنده من الفعل وما لاينبغي، ويعرفون حتّي سننه، في القـعـود والقيام، واليقظة والمنام، والصمت والكلام، وسوي ذلك (الذي يجدونه مكتوبا عندهم فـي التـوراة والانـجـيـل...) [2] وكـانـوا يـعـرفـون صـفـات مـن مـعـه والامـثـال المـضـروبـة فـي أحـوالهـم: (ذلك مـثـلهـم فـي التـوراة ومـثـلهـم فـي الانـجيل...) [3] ، بل كانوا يعرفون خصائص أوصيائه (ع) كما ورد ذلك في روايات كثيرة.

وكـانـت جـمـاهـيـر مـن اليـهـود يـنـتظرون النبيٍّّ الخاتم (ص) إنتظارا جادّا مقرونا بكلّ مستلزماته العـمـليـّة، حـتـّي لقـد حـمـلهـم هـذا الانـتـظار الجاد علي ترك ديارهم والهجرة إلي المنطقة التي سيهاجر إليها النبيّ المنتظر (ص) كما هوعندهم في الاخبار التي توارثوها جيلابعد جيلٍ، وعانوا مـن أجـل ذلك الكـثـيـر، تقول الرواية: (كانت اليهود تجد في كتبها أنّ مهاجر محمّد (ص) ما بين عـيـرٍ وأُحـدٍ، [4] فـخـرجـوا يـطـلبـون المـوضـع فـمـرّوا بـجـبـل يـسـمـّي حـدادٍ فـقـالوا: حـدادٌ وأُحـد سـواء، فـتـفـرّقـوا عـنـده فـنـزل بـعـضـهـم بـتـيـماء وبعضهم بفدك وبعضهم بخيبر، فاشتاق الذين بتيماء إلي بعض إخوانهم، فمرّ أعرابيٍّّ من قيس فتكاروا منه، وقال لهم: أمرّ بكم ما بين عيرٍ وأُحد. فقالوا: إذا مـررت بـهـمـا فـآذنـّا بـهـمـا، فـلمـّا تـوسـّط بـهـم أرض المـديـنـة قال لهم: ذاك عيرٌ وهذا أحد. فنزلوا عن ظهر إبله، وقالوا قد أصبنا بغيتنا فلاحاجة لنا في إبلك فاذهب حيث شئت. وكتبوا إلي إخوانهم الذين بفدك وخيبر: أنّا قد أصبنا الموضع فهلمّوا إليـنـا. فـكـتـبـوا إليـهـم: أنـّا قـد اسـتـقـرّت بـنـا الدار واتـّخـذنـا الامـوال، وما


أقـربـنـا مـنـكم، فإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم. فاتّخذوا بأرض المدينة الامـوال، فـلمـّا كـثـرت أمـوالهـم بلغ تُبَّعا فغزاهم، فتحصّنوا منه فحاصرهم، وكانوا يرقّون لضـعـفـاء أصـحـاب تبّعٍ فيلقون إليهم بالليل التمر والشعير، فبلغ ذلك تبّعا فرقّ لهم وآمنهم، فنزلوا إليه فقال لهم: إنّي قد استطبت بلادكم ولاأراني إلاّ مقيما فيكم. فقالوا له: إنـّه ليـس ذاك لك، إنـّهـا مـهـاجـر نـبـيٍّّ وليـس ذلك لاحـد حـتـّي يـكـون ذلك. فـقـال لهـم: إنّي مخلّف فيكم مِن أسرتي مَن إذا كان ذلك ساعده ونصره، فخلّف حيّين الاوس ‍ والخـزرج، فـلمـّا كـثـروا بـهـا كـانـوا يـتـنـاولون أمـوال اليـهـود، وكـانـت اليـهـود تقول لهم: أما لو قد بعث محمّد ليخرجنّكم من ديارنا وأموالنا، فلمّا بعث اللّه عزّ وجلّ محمّدا (ص) آمنت به الانصار وكفرت به اليهود، وهو قول اللّه عزّ وجلّ:

(وكـانـوا مـن قـبـل يـسـتـفـتـحون علي الذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه علي الكافرين). [5] [6] .

تُري لماذا كانت نتيجة هذا الانتظار الجادّ نتيجة خاسرة!!؟

كـانـت نـتـيـجـة انـتـظـار اليـهـود خـاسـرة لانـّهم كانوا ينتظرون النبيٍّّ الاكرم (ص) بشرط ألاّ يـسـاويـهـم مـع غـيـرهـم مـن النـاس، وألاّ يـكـون غـيـرهـم الافـضل عنده، وألاّ يأخذ منهم ما كانوا يتمتّعون به من مواقع اجتماعيّة ماديّة ومعنويّة، وألاّ وألاّ... فـهـم كـانـوا يـنـتـظـرونـه (بـشـرط لا). فـلمـّا وجـدوا النـاس عـنـد رسـول اللّه (ص) سـواسـيـة كـأسـنـان المـشـط فـي الحـقوق والواجبات، وأنّ أكرمكم عنداللّه أتـقـاكـم... نـكـسوا علي رؤوسهم وانقلبوا علي أعقابهم وآثروا إتّباع أهوائهم وكفروا بما عرفوه من الحقّ... فكانت الخسارة وما أعظمها من خسارة!


ولو أنـّهـم انـتـظـروه (لابـشـرط) يـشـتـرطـونـه عـليـه، بـل بـتـسـليـم تـامّ لامـره وطـاعة مطلقة وامتثال لكلّ ما يشترطه هو عليهم لكانت نتيجة انتظارهم هي الفوز المبين، وقد فاز المسلّمون. [7] .

ولمّا رفض اليهود ـ بعد انتظارهم الجادّ الطويل ـ ان يسلّمو للّه ولرسوله (ص)، ويدخلوا في الاسـلام بـلاشـرط كـمـا دخل الناس، صاروا أشدّ الناس عداوة للّذين آمنوا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ، وانضمّوا في مناوئتهم الدعوة الجديدة إلي صفوف أعدائها، ولقد واثقوا النبيٍّّ (ص) ثمّ نقضوا ميثاقهم غير مرّة، حتّي هزمهم اللّه وأخرجهم من ديارهم أذلاّء خاسئين.

ولمّا قويت الدعوة المحمّديّة واشتدّ ساعدها، وتحطّمت أمامها كلّ قوّةٍ تنازعها، لم ير من كانوا يقفون أمـامـهـا ويـصـدّون عـن سـبـيـلهـا إلاّ أن يـكـيـدوا لهـا مـن طـريـق الحيلة والخداع بعد أن عجزوا عن النيل منها بالقوّة والنزاع.


والمـكـر اليـهـوديٍّّ أظـهـر مـن كـلّ مـكـر آخـر فـي أسـلوب (التـخـريـب مـن الداخـل)، ولليـهـود تـأريـخـهـم الطـويـل المـمـتـدّ إلي يـومـنـا الحـاضـر فـي هـذا المـجـال، ولعـلّنـا لانـجـانـب الصـواب إذا قـلنـا إنّ اليـهـود لاتـأريـخ لهـم يـذكـر فـي مـجـال التـبـليـغ المـبـاشـر بـديـانـتـهـم، بـعـكـس مـا لهـم مـن تـأريـخ أسـود مـعـروف فـي مـجال التخريب علي الاخرين من الداخل، وشواهد هذه الحقيقة كثيرة مبثوثة في الحياة الانسانيّة منذ أيّامهم الاولي وإلي يومنا هذا.

وقـد حـاكـي النـصاري في التخريب من الداخل منهج اليهود في ذلك، ونجحوا نجاحا كبيرا، وكان لهـم تـأريـخـهـم الخـاصّ فـي هـذا المـجـال أيـضـا، وكـان ولم يزل تأثيرهم بالغا وخطيرا في حياة المسلمين إلي اليوم.

ظـلّ أهـل الكـتـاب يـرصـدون تـطوّر حركة الاسلام في عهد النبيٍّّ (ص) وقلوبهم يأكلها الحسد الشـديـد، ولم تـكـن هـذه المـراقـبـة مـراقـبـة مـن كـفّ يـده عـن التـدخـل والتـأثـيـر فـي مـجـري الاحـداث، بـل مـراقـبـة مـن يـتـمـنـّي الفـرصـة السـانـحـة للتدخّل من أجل حرف المسيرة الاسلاميّة عن المحجّة البيضاء.

ومـع أنـّهـم كـانـوا يـعـتـمـدون كـثيرا ويعوّلون بشكل كبير في تسريب تأثيرهم علي علاقاتهم القـديـمـة الوطيدة بعناصر كثيرة دخلت الاسلام وصارت من الصحابة، إلاّ أنّهم لم يكتفوا بذلك، بل أدخلوا في الاسلام عناصر (معلومة أسماؤهم) [8] من علمائهم المتمرسين في التـخـريـب الفـكـريّ والعـلمـيّ، ليـشـكـّلوا فـصـيـلامـن فـصـائل حـركـة النـفـاق داخـل المـسـيـرة الاسـلامـيـّة، وليـقـوم هـذا الفـصـيـل بـتـقـديـم إسـنـاد قـويٍّّ مـؤثـّر لخـطّ الانـحـراف، والصـد عـن رسـول اللّه (ص)، لكـنّ أبـرز هـذه العـنـاصـر المـخـرّبـة مـن اليـهـود كان (كعب الاحبار)، ومن النـصـاري (تـمـيـم الداري)، وجـاء بـعـدهـم من


تلاميذهم آخرون شكّلوا شبكة خطيرة من مستشاري الخلفاء وكتّابهم وخدمهم وحواشيهم.

ومـثـيـرٌ للعـجب أن يدخل كعب الاحبار الاسلام في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب خاصّة دون زمـن النـبـيٍّّ (ص) وزمـن خـلافـة أبـي بـكـر!!، مـع أن أسـتـاذه الذي كـان يـُدعـي (أبـا السموءل) قد أظهر إسلامه في زمن الخليفة الاوّل أبي بكر!! [9] .

ولمّا سأل العبّاس بن عبدالمطّلب كعب الاحبار عن علّة تأخّر إسلامه إلي وقت عمر! اعتذر بأنّ أبـاه أخـفـي عنه حقيقة صفة محمّد (ص) وأمّته في كتاب ختمه الاب وأمره ألاّيفضّ الختم عنه، حـتـّي فـتـحـه كـعـب فـي زمـن الدولة العـمـريّة فجاء مسلما!! [10] هذا مع أنّ التأريخ يقول إنّ كعبا هذا كان من أكبر علماء اليهود!!

بـدأ كـعـب الاحـبـار حـيـاتـه تحت عنوان الاسلام مقرّبا من الخليفة الثاني، يأنس به ويستشيره ويـتـأثـّر بفكره، ويعود إليه في القضايا التي لاتروقه أجوبة العلماء من الصحابة فيها فيسأله عنها!!

فـقـد قـيـل إنّ الخـليـفـة الثـانـي سـأل سـلمـان (ر) ذات مـرّةٍ قـائلا: (أمـلك أنا أم خليفة!؟) فـقـال سـلمـان (ر) (إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقلّ أو أكثر، ثمّ وضعته في غير حقّه فأنت ملك غير خليفة). [11] .

وكـأنّ الخـليـفـة الثـانـي لم يـجـد مـا يـحـبّ فـي إجـابـة سـلمـان (ر) فـسأل كعبا الذي يحسن صناعة الاجابات المحبّبة قائلا: (أنشدك باللّه، أتجدني خليفة أم مـلكـا؟ قـال: (بـل خليفة). فاستحلفه عمر، فقال: (خليفة واللّه من خير الخلفاء، وزمانك خير


الازمان)!! [12] .

وقد رافق كعب عمر بن الخطّاب في زيارة القدس بعد فتحها، وفي بيت المقدّس ‍ لما أراد الخليفة الثاني أن يصلّي سأل كعبا: (أين تري أن أصلّي؟)!! [13] .

وحـيـنـمـا أراد بـنـاء المـسـجـد سـأله أيـضـا: (أيـن تـري أن نجعل المسجد؟)!! [14] .

وسـأله ذات مـرّة: (أخـبـرنـا عـن فـضـائل رسـول اللّه (ص) قبل مولده!!) [15] .

وسأله في مرّة أخري: (حدّثني يا كعب عن جنّات عدن؟)!! [16] .

وظـلّ كـعـب بـعـد الخـليـفة الثاني مستشارا مقرّبا عند الخليفة الثالث عثمان، يتأذّي لاذاه ويهيج لنصرته...

فـقـد (روي أنّ عـثـمـان قـال يـومـا: أيـجـوز للامـام أن يـأخـذ مـن المال فإذا أيسر قضي؟

فقال كعب الاحبار: لابأس بذلك!

فقال أبوذر (ر): يا ابن اليهوديّين، أتعلّمنا ديننا!؟

فقال عثمان: قد كثر أذاك لي وتولّعك بأصحابي، إلحَق بالشام.

فأخرجه إليها). [17] .


وفـي الوقـت الذي واصـل الخـليـفـة الثـاني ضرب الحصار الحديديّ علي الاحاديث النبويّة ومنع انتشارها كان قد فتح الباب واسعا أمام منافقي أهل الكتاب ليدسّوا في أذهان المسلمين ما ليس من عـقـائد الاسـلام المـحـمّدي الخالص، وذلك من خلال القصّ، فراجت بين المسلمين بعض دفائن كتب اليـهـود والنـصاري وكثير من مخترعات ومفتريات القصّاصين أنفسهم ممّا يحرف الامّة المسلمة عن دينها الحقّ.

ولقـد (كـان أوّل مـن قـصّ تـميم الداري، إستأذن عمر بن الخطّاب أن يقصّ علي الناس قائما فأذن له عمر!!) [18] .

ثمّ عظمت المأساة بدخول كعب ساحة القصّ، وحتّي بعد أن التحق كعب بمعاوية في الشام أمره مـعـاويـة بـالقـصّ فـي الشـام أيـضـا، ولكـعـب تـلامـيـذ من سنخه ولهم تلاميذ كذلك في سلسلة تخريبيّة متواصلة.

لقـد تـعـاظـم تـأثـيـر القـصّ فـي حـيـاة المـسـلمـيـن فـي الوقـت الذي حيل بينهم وبين الاحاديث النبويّة حتّي أصبح القصّ الصحيفة اليوميّة الوحيدة التي تؤثر في حياة المسلمين وتصبغ أذهانهم بالصبغة التي تريدها.

ولقـد اعـتـني الامويّون عناية فائقة بالقصّ كوسيلة إعلاميّة سياسيّة يرفعهم بها القصّاصون فـي أعـيـن النـاس بـاخـتـلاق فـضـائل مـكـذوبـة لهـم ولبـعـض مـشـاهـيـر الصحابة ممّن مهّد لهم السبيل بعد أن لم يكن لهم فضل يرفعهم علي عهد النبيٍّّ (ص).

وعـلي هـذا الدرب اخـتـرعـت الاحـاديـث الكـثـيـرة، واخـتـلطـت الحـقـيـقـة بالخيال،


وتراكم كمُّ هائل من الموهومات ممّا ابتدعه الوضّاعون واخترعه القصّاصون حتّي صار عـلي مـَرِّ السـنـيـن جـزءً مـن التـراث الديـنـي الذي يـتـعـبّد به كثير من المسلمين، وصار من الصعب المـسـتـصـعـب عـلي كـثـيـر مـن المـحـقـّقـيـن أن يـمـتلكوا الجرأة علي نقد ورفض الغثّ الكثير الذي دخل علي هذا التراث رغم ما يقفون عليه من وثائق دامغة تثير الشك في الاذهان أوتسلّط الضوء علي الحقائق المعاكسة.

ولاعـجـب إذا كـان القـصـّاصـون فـي عـهـد بـني أميّة يذكرون عليّا وولده (ع) بما يشينهم لاطفاء نـورهم وكتم فضائلهم، ذلك لانّ فصيل منافقي أهل الكتاب يري أنّ غاية وجوده وعلّة تأسيسه هـي دعـم خـطّ الانـحـراف عـن أهـل البـيـت (ع)، وتـكـفـي نـظـرة عـابـرة عـلي سـيـرة أمـثـال كـعـب الاحـبـار، وتـمـيم الداري، ووهب بني منبّه، ونافع بن سرجس مولي عبداللّه بن عمر، وسـرجـون مـستشار معاوية ويزيد، وأبي زبيد مستشار الوليد بن عقبة، وغيرهم دليلاعلي منهج هذا الفصيل.

ومن طريف ما يذكر التأريخ عن ابن عبّاس:

أنّ الخـليـفـة الثـانـي عـمـر بـن الخـطـّاب كـان قد تبرّم بالخلافة في آخر أيّامه وخاف العجز وضجر من سياسة الرعية فكان لايزال يدعو اللّه بأن يتوفّاه!.

فـقـال لكـعـب الاحـبـار (!) يـومـا وأنا عنده: إنّي قد أحببت أن أعهد إلي من يقوم بهذا الامر، وأظـنّ وفـاتـي قد دنت، فما تقول في عليٍّ؟ أشر عليّ في رأيك، واذكر لي ما تجدونه عندكم فإنّكم تزعمون أنّ أمرنا هذا مسطور في كتبكم.

فـقـال: أمـّا مـن طـريـق الرأي فـإنـّه لايـصـلح، إنـّه رجـل مـتـيـن الديـن، لايـُغـضـي عـلي عـورة، ولايـحـلم عـن زلّة، ولايعمل باجتهاد رأيه، وليس هذا من سياسة الرعية في شي، وأمّا ما نجده في كتبنا فنجده لايلي الامر ولاولده، وإن وليه كان هرج شديد.


قال: وكيف ذاك؟

قـال: لانـّه أراق الدمـاء، ومـن أراق الدمـاء لايـلي المـلك، إنّ داود لمـّا أراد أن يبني حيطان بيت المقدس أوحي اللّه إليه: إنّك لاتبنيه لانّك أرقت الدماء، وإنّما يبنيه سليمان.

فقال عمر: أليس بحقٍّ أراقها!؟

قال كعب: وداود بحقٍّ أراقها يا أمير المؤمنين...). [19] .

يـا للمـضـحـك المـبكي!!... لقد أراد هذا المنافق الكبير أن يشين سيّد الاوصياء (ع) فمدحه وهو لايشعر، وكذب علي داود (ع) غافلاعن أنّ اللّه تبارك وتعالي صرّح بخلافته في قوله:

(يا داود إنّا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحقّ...). [20] .

بـقـي أن نـقـول: إنّ فـصـيـل مـنـافـقـي أهـل الكـتـاب كـان يـقـوم بـدوره فـي ظـلّ الفـصـائل الاخـري مـن حـركـة النـفـاق، فـقـد عـمـل فـي ظـلّ دور فـصـيـل مـنـافـقـي أهـل المـديـنـة مـن الاوس والخـزرج فـي عـهـد رسـول اللّه (ص)، وعـمـل فـي ظـلّ حـزب السـلطـة طـيـلة عـهـوده الثـلاثـة، وعـمـل فـي ظـلّ الحـزب الامـويّ، عـلي امـتـداد أيـّامـه الطـويـلة، كـمـا عمل في ظلّ الحزب العباسي.

وشـواهـد هـذه الحـقـيـقـة ظـاهـرة ومـتـعـدّدة، فـإنّ المـتـأمـّل فـي المؤامرة المعقّدة المتعدّدة الاطراف لقتل الامام عليٍّّ (ع) يجد أثر اليد اليهوديّة قويّا فيها، وفي رواية أنّ أمير المؤمنين عليّا (ع) قال لولده الحسن (ع) بعد أن أصيب في محرابه:


(قتلني ابن اليهوديّة عبدالرحمن بن ملجم المرادي!) [21] .

كـمـا لايـخفي علي مطّلع دور (سرجون النصراني) مستشار معاوية ويزيد في السياسة الامويّة وتدبير أمورها، ودوره في التخطيط للقضاء علي ثورة الامام الحسين (ع) أظهر من أن يخفي. وهـذا المـتـوكـّل العـبّاسي يكرب قبر الامام الحسين (ع) علي يد (إبراهيم الديزج) اليهودي بمعونة جمع من اليهود... [22] .

وتخفّي هذا الفصيل من فصائل حركة النفاق في ثياب كثير من الطواغيت والحكومات الظالمة التي تـعـاقـبـت عـلي الامـّة الاسـلامـيـّة المـنـكـوبـة فـي أكـثـر أقـطـارهـا حـتـّي يـومنا الحاضر، وكان ومـايـزال لليـهود والنصاري أثرهم البالغ في المصائب التي حلّت بأمّتنا الاسلاميّة، فقد كان هؤلاء أوّل من بادر إلي إشاعة المظاهر اللاإسلاميّة والمنكرات في مجتمعات المسلمين، وعلي أيـديـهـم أولاتـأسّست وانتشرت الافكار والاحزاب اللاإسلاميّة الكافرة في عالمنا الاسلامي كـالاحـزاب الشـيـوعـيـّة والاشـتـراكـيـّة والقـومـيـّة، كـمـا كـان هـؤلاء أصـل ومـنـشاء الحركات المتطرّفة المحسوبة علي العنوان الاسلامي، والتي كفّرت المسلمين عامّة والشيعة منهم خاصّة.


پاورقي

[1] سورة البقرة: الاية 146.

[2] سورة الفتح: الاية 29.

[3] سورة الاعراف: الاية 157.

[4] جبلان من جبال المدينة المنوّرة.

[5] سورة البقرة: الاية 89.

[6] الکافي، 8: 308 ـ 310 رقم 481.

[7] وفـي انـتـظـارنـا لامـامـنا المهدي (ع) ينبغي أن نلتفت إلي هذه الملاحظة المهمّة وهي أنّه لايـکـفـي أن يـکـون انـتـظـارنـا جـادّا ـ وإن قـلّ الجـدّ فـي النـاس ـ بـل يـنـبـغـي أن يکون انتظارنا صحيحا أيضا وبالاساس، ولايکون صحيحا إلاّ أن يکون علي أساس التسليم التامّ لامره (ع).

والتـسليم التامّ إنّما يتحقّق في أن لانحمل شرطا نشترطه عليه لتحقيق إطاعتنا له (ع)، هذا من جـهـة، ومـن جـهـة أخـري أن نـمـتـثـل لکـلّ شـروطـه وأوامـره امـتثالاکاملاقائما علي أساس ‍ ذلک التسليم التامّ.

والمـسـألة سـهـلة يـسـيـرة فـي الکلام، ولکنّها صعبة مستصعبة في الواقع، وتحتاج إلي مجاهدة کبيرة وتوفيق من اللّه تبارک وتعالي.

إذ ليس بمقدور الکثيرين ولاباليسير عليهم أن يتخلّوا بسهولة عن مواقع علميّة مثلاأو اجتماعيّة أو سياسيّة أوماديّة تمتّعوا في ظلالها طيلة أعمارهم...

إنّ هذا المسألة من أمّهات المسائل التي ينبغي الانتباه إليها في انتظار الامام (ع)!.

[8] راجع السيرة النبويّة لابن هشام، 2: 174 ـ 177.

[9] الجرح والتعديل للرازي، 9:436، رقم 2181.

[10] أضواء علي السنّة محمّديّة: 148 ـ 149.

[11] کنز العمّال، 12: 567، رقم 35777، عن ابن سعد وتاريخ الطبري.

[12] کنز العمّال، 12: 574، رقم: 35794 عن نعيم بن حمّاد في الفتن.

[13] کنز العمّال، 14: 143.

[14] نفس المصدر، 14: 148.

[15] نفس المصدر، 12: 364.

[16] نفس المصدر، 12: 561.

[17] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 1: 240.

[18] الفتح الرباني، 20: 145.

[19] شرح نهج البلاغة، 12: 115.

[20] سورة ص: الاية 26.

[21] بحار الانوار، 42: 285، باب 127.

[22] مقاتل الطالبيّين: 395 ـ 396.