بازگشت

حزب السلطة


يـكـفـي هـنـا لاثـبـات انـتـمـاء مـجـمـوعـة مـن الصـحابة إلي دائرة النفاق أن نثبت أنّهم صدّوا عن رسـول اللّه (ص) صـدودا فـي أمـر قـضـي بـه، وذلك لقـوله تـعـالي: (وإذا قـيـل


لهـم تـعـالوا إلي مـا أنـزل اللّه وإلي الرسـول رأيـت المـنـافـقـيـن يـصـدّون عـنـك صدودا) [1] .

ويستمرّ انتماؤهم إلي دائرة النفاق ما أصرّوا علي ذلك الصدود ولم ينتهوا عنه.

والصدُّ: الاعراض والامتناع والمنع [2] .

ذلك لانّ الايـمـان لايـكـون إلاّ بـالطـاعـة المـطـلقـة لرسـول اللّه (ص) فـي كلّ ما جاء به وعدم التـحـرّج مـمـّا قـضـي به والتسليم لامره، وهذا من الحقائق القرآنيّة الكبيرة التي لاتحتاج في وضوحها إلي نافلة بيان.

فـمـا بـالك بـمـجـمـوعـة مـن الصـحـابـة لم تـعـرض مـمـتـنـعـة عـن قـبـول الامـر الالهـي النـازل عـلي رسـول اللّه (ص) فـحـسـب، بـل سـعـت فـي صـدّهـا عـن رسـول اللّه (ص) لتـمـنـع مـن تـحـقـّقـه وتحول دون تنفيذه!!؟

ومـا بـالك إذا كـان هـذا الامر الالهي في أخطر وأهمّ قضيّة من قضايا الاسلام وهي قضيّة الولاية والخلافة!؟

كـان قـياديو هذا الحزب قبل الاسلام رجالامغمورين في قريش، لايشار إليهم بالبنان عند شدّة أو خـطـر أو شـأن ذي بـال، وكـانـت تـشـكـيـلة المـواقـع القـيـاديـة فـي تـركـيـبـة قـريـش قـبـل الاسـلام مـتـسـالمـا عـليـهـا حـيـث يـتـسـنـّم تـلك المـنـاصـب رجـال مـرمـوقون من بطون محدّدة من قريش، وليس لرجال قيادة هذا الحزب أيٍّّ حظّ في ذلك لاكما اخـتـلق لهـم الاعـلام الامويّ المضلّ بعد ذلك من أهمّية موهومة وشأنيّة كاذبة حيث ادّعي بأنّ اللّه تـعـالي قـد أعزّ دينه بإسلامهم!! ـ بل كان أهمّ رجلين في قيادة هذا الحزب من (أقلّ حيين) من قـريـش عـلي حـدّ تـعـبـيـر أبـي سـفـيـان


بـن حـرب رأس الحـزب الامـويّ الذي دخل في تحالف معهم بعد ذلك.

فقيادة هذا الحزب تعلم علما يقينا أن لاأمل لها في زعامة ورئاسة خارج إطار الحالة الاسلاميّة... وهـي التـي دخـلت الاسـلام نـاظـرة إلي مـسـتـقـبـله الذي سـمـعـت عـنـه كـثـيـرا مـن أهـل الكـتـاب الذيـن تـوارثـوا اخبار الملاحم والفتن أملافي أن تمتطي صهوة الحكم بعد رحلة رسول اللّه (ص).

إذن فـمـن مـصـلحـة قيادة هذا الحزب في ظرفها الراهن اَّنذاك بقاء الاسلام بكلّ تشريعاته إلاّ ما يتعلّق منها بموضوع الخلافة وشخص الخليفة بعد النبيٍّّ (ص).

ومع أنّ قيادة هذا الحزب كانت تعيش مشكلة كبيرة فيما يواجهها من البيّنات والهدي ممّا بيّنه اللّه تـعـالي فـي كـتـابـه المـجـيـد فـيـمـا يـتـعـلّق بـالولايـة والخـلافـة وشـخـص ‍ الخـليـفـة من بعد رسول اللّه (ص)، وأنّ الخلافة كالنبوّة إختيار إلهي ليس للناس ‍ إختيار فيه، لكنّ قيادة هذا الحـزب كـانـت تري مشكلتها الكبري في مواجهة البيان النبويّ في هذا الصدد ذلك لانّ البيان النبويّ هو الكاشف عن دلالة البيان القرآني، هذا أوّلا.

وثـانـيـا لانّ البـيـان النـبـويّ كـان قـد ركـز مـنـذ البـدء علي تعيين أشخاص الخلفاء من بعد رسـول اللّه (ص) حـتّي قيام الساعة في مواصفات عامّة وأخري خاصّة وحدّدهم بأسمائهم، كما ركـز عـلي شـخـص الخـليـفـة الاوّل أمـيـر المـؤمـنـيـن عـليٍّّ (ع) بـمـا لايقبل التأويل أو الانكار.

لقـد أعـلن البـيـان النـبـويٍّّ عن الولاية والخلافة في نفس الساعة التي أعلن فيها عن النبوة، وحـدّد فـي نـفـس تـلك السـاعـة شـخـص الوليّ والخـليـفـة بـعـد رسول اللّه (ص)، وذلك في حديث الدار يوم الانذار، ذلك الحديث المتواتر الذي رواه الفريقان، والذي قال فيه (ص) بعد أن أنذر عشيرته الاقربين مشيرا إلي


أميرالمؤمنين عليٍّّ (ع):

(إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.) [3] .

ومـنـذ ذلك اليـوم لم يـرد عـنـه (ص) مـا يـلغـي هـذا التـنـصـيـب الالهـي، بـل تـوالت البـيـانـات النـبـويـّة فـي التـأكـيـد عـلي أنّ أئمـّة أهـل البـيـت (ع) وأوّلهـم عليٍّّ (ع) هم خلفاء النبيٍّّ (ص)، ومن أهمّ تلك البيانات المقدّسة حديث الثـقـليـن، وحـديث السفينة، وباب حطّة، وحديث النجوم [4] وحديث المنزلة، وبيان يـوم الغـديـر، وآخـرهـا الكـتـاب المـانـع مـن الضـلال الذي أراد الرسول (ص) ان يكتبه للامّة قبيل رحلته. [5] .

هاهنا كانت المشكلة الكبري التي عانت منها قيادة حزب السلطة.

ومن هنا كان لابدّ من المواجهة مع رسول اللّه (ص)!!

ولكن علي أيّ صعيد تكون هذه المواجهة وهذا الصدود!؟

لاشـك أنـّه لم يـكـن أمـامـهـم فـي حـيـاة الرسـول (ص) إلاّ التـشـكـيـك بـعـصـمـة الرسـول (ص) سـرّا وعـلانـيـة مـا وسـعـت الفرصة والمجال، ومحاصرة البيانات النبويّة عامّة والمتعلّقة منها بالولاية والخلافة خاصّة.

لقد بثّ هذا الحزب في صفوف المسلمين مقولة:


(رسول اللّه بشر يتكلّم في الرضا والغضب!!)

ولايـخـفـي عـلي الواعـي اللبـيـب أنّ مـؤدّي هـذه المـقـولة هـوأن رسـول اللّه (ص) قـد يـثـنـي عـلي إنـسـانٍ مـا فـي الرضـا فـوق مـا هـو أهـل له ويـمـنـحـه مـنـزلة أكـبـر مـمـّا يـسـتـحـقّ!! كـمـا قـد يـذمّ انـسـانـا مـا في الغضب فوق ما هو أهـل له!! فـهـو يـنـطـق عـن الهـوي فـي الرضـا والغضب لاعن وحي يوحي!! ـ والعياذ باللّه ـ ومن الوثـائق الكـاشـفـة عـن هـذا البـثّ التـشـكـيـكـي مـا رواه عـبـداللّه بـن عـمـرو بـن العـاص قال:

(كـنـت أكـتب كلّ شي أسمعه من رسول اللّه (ص) أريد حفظه، فنهتني قريش (!!) وقالوا أتكتب كـلّ شـي تـسـمـعـه!؟ ورسـول اللّه (ص) بشر يتكلّم في الغضب والرضا!، فأمسكت عن الكتاب، فـذكـرت ذلك لرسـول اللّه (ص)، فـأومـاء بـأصـبـعـه إلي فـيـه فقال: أكتب، فو الذي نفسي بيده مايخرج منه إلاّ حقُّ). [6] .


كـانـت قـيـادة هـذا الحـزب وراء هـذا البـثّ التـشـكـيـكـي فـي الصـد عـن رسـول اللّه (ص)، تـلك القـيـادة التـي ابـتـدعت شعار: (لاتكون النبوّة والخلافة في بني هاشم) [7] وتـحـالفت تحت هذا الشعار مع العديد من خصوم الاسلام من بطون قريش الذين دخلوا في الاسلام كارهين وأنوفهم راغمة.

والدليـل عـلي صـدور هـذا النـهـي وهـذا البـثّ التـشـكـيـكـي عـن قـيـادة هـذا الحـزب، وأنّ هـذا الفـعـل مـن مـتـبـنـياتها، هو أنّ هذه القيادة بعد رحلة رسول اللّه (ص) علي


امتداد عهودها الثلاثة كـانـت قـد واصـلت ضـرب حـصـار حـديـديّ لاتـراخـي فـيـه عـلي البـيـانـات النـبـويّة، إذ كان أوّل مـا فـعله الخليفة الاوّل هو أنّه جمع الاحاديث التي كتبها هو شخصيّا فأحرقها، وقد روت ذلك ابنته عائشة: [8] .

ثـمّ جـمـع النـاس وقـال لهـم: (إنـّكـم تـحـدّثـون عـن رسـول اللّه (ص) أحـاديـث تـخـتـلفـون فـيـهـا، والناس بعدكم أشدّ اختلافا، فلاتحدّثوا عن رسول اللّه شيئا (!!)، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب اللّه). [9] .

وكـان مـن مشاريع الخليفة الثاني أن طلب من الناس أن يأتوه بما عندهم من أحاديث النبيٍّّ (ص)، فـأتوه بها، فأمر بإحراقها كلّها [10] ، كما فرض الاقامة الجبريّة علي رواة الاحـاديـث النـبـويـّة فـي المـديـنـة مـادام حـيـّا [11] ، ونـهـي جـيـوشـه عـن التـحـديـث عـن رسول اللّه (ص). [12] .

وأمـّا الثـالث فـقد بادر إلي إصدار مرسوم منع فيه رواية أيّ حديث لم يسمع به في عهدي أبي بكر وعمر. [13] .

لقـد كـانـت الغـايـة الحـقـيـقـيـّة مـن كـلّ ذلك النـهـي والمـنـع والصـد هـي إبـطال فاعلية


البيانات النبويّة المتعلّقة بالولاية والخلافة وشخص الخليفة بعد النبيٍّّ (ص)، وبـالمـوقـع المـمـيـّز لاهـل بـيـت النبوّة في حياته (ص) وبعد وفاته، وكان لابدّ لقيادة هذا الحـزب أن تـتستّر علي هذه الغاية الحقيقيّة بذرائع واهية كذريعة مخافة (الاختلاف بين الناس!!) وغـيـرهـا التـي هـي أوهـن مـن بـيـت العـنـكـبـوت عـنـد مـحـك الدليل والبرهان.

حـتـّي إذا مـرّت الايـّام بالدواهي العظام، وثنيت الوسادة لمعاوية بن أبي سفيان ـ وارث قيادة هذا الحـزب وامـتـدادهـا الطـبـيـعي ـ كشف بجرأة تامّة عن الغاية الحقيقيّة لكلّ ذلك المنع والنهي والصد المتطاول حيث أصدر في السنة العجفاء التي أسموها بعام الجماعة مرسوما صريحا أعلن فيه أن:

(برئت الذمة ممّن روي شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته). [14] .

ولقـد بـلغـت قـيـادة هـذا الحـزب ذروة الجـرأة فـي الصـد عـن رسـول اللّه (ص) حـيـنـمـا مـنـعـت البـيـان النـبـويّ الاخـيـر (المـانـع مـن الضـلال والاخـتـلاف) [15] عـن الصـدور فـي جـسـارة عـلي رسـول اللّه (ص) مـا بـعـدهـا جـسـارة، حيث اتّهمته بـ (الهجر) أي الهذيان ورفعت بوجهه علنا شـعـار (حـسـبـنـا كـتـاب اللّه)، وفـوجـيء الحـاضـرون مـن غـيـر هـذا الحـزب وذهـلوا لهـول مـا سـمعوا!! وتنازعوا مع تيّار الصد عن رسول اللّه (ص)، لكنّ زبانية هذا الحزب كانوا هـم الاكـثـر فـي الظـاهـر، فـتـنـادوا بـقـوّة وتـصـمـيـم وضـجـيـج وقـالوا مـا قال عمر!! حتّي حالوا بين رسول اللّه (ص) وبين أن يكتب ذلك البيان الاخير فكانت الرزيّة!! ومـا أعـظـمها من رزيّة!؟ علي حدّ تعبير ابن عبّاس. ويعترف الخليفة


الثاني عمر بن الخطّاب في مـحـاورة مـع عـبـداللّه بن عبّاس بأنّ قول رسول اللّه (ص) عنده لايثبت حجّة ولايقطع عذرا، وأنّه (ص) فـي مـرضـه أراد أن يـصـرّح في بيانه الاخير باسم أمير المؤمنين عليٍّّ (ع)، كما يقرّر الخـليـفـة الثـانـي أنـّه النـاطـق الرسـمـي بـاسـم قـريـش!! الحـاكـي عـن مـشـاعـرهـا!! المـمـثـّل لهـا فـي الصـد عـن رسـول اللّه (ص) صـدودا. ورد كـلّ هـذا فـي أوّل خلافته وهو يحاور عبداللّه بن عبّاس ويسائله عن عليٍّّ (ع)... قائلا:

(يا عبداللّه، عليك دماء البدن إن كتمتنيها، هل بقي في نفسه شي من أمر الخلافة؟

قلت: نعم.

قال: أيزعم أنّ رسول اللّه (ص) نصّ عليه؟

قلت: نعم، وأزيدك، سألت أبي عمّا يدّعيه فقال صدق.

فـقـال عـمـر: لقـد كـان مـن رسـول اللّه (ص) فـي أمـره ذرو مـن قـول لايثبت حجّة ولايقطع عذرا، ولقد يربع في أمره وقتا ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح بـاسـمـه، فـمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة علي الاسلام، لاو ربّ هذه البنية لاتجتمع عليه قريش ‍ ابـدا، ولو وليـّهـا لانـتـقـضـت عـليـه العـرب مـن أقـطـارهـا، فـعـلم رسـول اللّه (ص) أنـّي عـلمـت مـا فـي نـفـسـه فـأمـسـك، وأبـي اللّه إلاّ إمـضـاء مـا حـتـم). [16] .

ولقـد يعزّ ويشقّ كثيرا علي بعض المؤرّخين والمفكّرين الاسلاميّين ممّن قد تحرّر من وهم القداسة الكـاذبـة التـي اختلقها التضليل الامويّ لبعض مشاهير


الصحابة أن يذعن لحقيقة أنّ قيادة هذا الحـزب كـانـت قد دخلت الاسلام طمعا في مستقبل الاسلام ورغبة في أن يكون لها نصيب في مواقع الحـكـم فـي حـيـاة رسـول اللّه (ص) وبـعـد وفـاتـه، لاإيـمـانـا بـهـذا الديـن وحـقـائقـه، فـيـمـيـل إلي القـول بأنّ قيادة هذا الحزب قد دخلت في الاسلام مؤمنة به لكنّها لم تستطع الانعتاق والتحرر من (حبّ الشهرة والسيطرة والحكم) التي تحكّمت في كثير من تصرّفاتها، وهذا من (مرض القلب) الذي قد يعتري كثيرا من المؤمنين ولايخرجهم عن دائرة الايمان.

ويـدعـم هـذا المـفـكـّر رأيـه بـأنّ القـرآن الكـريـم قـد جـعـل (المـنـافـقـيـن) و (الذيـن فـي قـلوبـهـم مـرض) فـي صـفّ واحـد فـي أكـثـر مـن خـطـاب قرآنيٍّّ، [17] لكنّه ميّز بينهما في التعريف كما لايخفي، إذ كلّ منافق في قلبه مرض، وليس كلّ من في قلبه مرض ‍ منافقا. [18] .

وهـذا الرأي صـحـيـح لو أنّ صـحـابـيـّا كـان قـد دخل الاسلام مؤمنا لكنّ مرضه القلبيّ مرتبط بـشـهـوة أو أكـثـر مـن شـهـوات الدنـيـا كـشـهـوة الحـكـم أو شـهـوة النـسـاء أو الشـهـرة أو المـال مـثـلا، فـإذا تـهـيّأت الفرصة السانحة لاشباع شهوته واغتنمها واستوفي لذّته منها، حـرص بـعد ذلك بسسب إيمانه أن يجري أمر الاسلام علي ما فرض اللّه ورسوله (ص)، أو أنـّه عـلي الاقـلّ لايـأبـي بعد ذلك أن يجري أمر الاسلام علي المحجّة البيضاء التي أرادها اللّه ورسوله (ص).

أمـّا أن يـكـون هـذا الصـحـابـي مـع كـلّ اعـترافاته بأخطائه وجهله وقلّة فقهه مصرّا


إلي آخر لحـظات حياته علي أن يجري أمر الاسلام ـ في قضيّة الاستخلاف ـ علي ما تعاهدت عليه قيادة حزبه لاعلي ما أراد اللّه ورسوله، فهذا ممّن ليس (في قلبه مرض) فحسب، والعلّة الاقوي إذن عـلّة أخـري ليـسـت هـي مـن شـهـوات مـرض ‍ القـلب التـي قـضـي مـنـهـا وطـره، بل هي اعتقاد آخر مضمر وخطّة مسبّقة مدروسة قامت علي معصية اللّه ورسوله (ص) عمدا، وحرص هذا الصحابي علي تنفيذها حتّي الممات!!

يحدّثنا ابن الاثير قائلا:

(إنّ أبابكر أحضر عثمان بن عفّان خاليا ليكتب عهد عمر.

فقال له أكتب، (بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبوبكر بن أبي قحافة إلي المسلمين. أمّا بعد:) ثمّ أغمي عليه.

فكتب عثمان: (أمّا بعد فإنّي قد استخلفت عليكم. عمر بن الخطّاب ولم آلكم خيرا).

ثمّ أفاق أبوبكر فقال: إقراء عليَّ.

فقراء عليه، فكبّر أبوبكر وقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن متّ في غشيتي؟

قال: نعم.

قال: جزاك اللّه خيرا عن الاسلام وأهله!!). [19] .

سـبـحان اللّه!! أين كان هذا الحفّاظ وهذه الخشية من الاختلاف يوم حالت قيادة هذا الحزب دون أن يـكـتـب الرسـول (ص) للامـّة كـتـابـه الاخـيـر المـانـع مـن


الضـلال والاخـتـلاف!؟ وهـل يـصـدّق العـقـل أنّ رجـال قـيـادة هـذا الحزب أشدّ حرصا وغيرةً علي حال الامّة من رسول اللّه (ص)!؟

وقـد تـمـنـّي عـمـر بن الخطّاب أن لو كان أبوعبيدة بن الجرّاح حيّا لاستخلفه، [20] وأبوعبيدة هذا ثالث ثلاثة في قيادة هذا الحزب، كما تمنّي أن لو كان خالد بن الوليد الذي آزرهـم بـقوّة في أيّامهم الصعبة حيّا لاستخلفه، [21] وكذلك أن لو كان سالم مولي أبي حذيفة حيّا لاستخلفه، [22] وكأنّ سالما هذا كان رابع أربعة في تلك القيادة، ولايخفي أنّ استخلاف سالم معارض لمبداء هذا الحزب في أنّ الخلافة لاتكون إلاّ في قريش، وهـو المـبـداء الذي رفـعـته قيادة هذا الحزب في وجه الانصار في السقيفة!!، كما أنّ عمر تمنّي أيضا أن لو كان معاذ بن جبل حيّا لاستخلفه، [23] ومعاذ هذا من الانصار!!

ثـمّ إنّ التـامـّل فـي حـقـائق الشـوري التـي خطّط لها عمر بن الخطّاب يهدي ـ كما سوف يأتي بـيـانـه ـ إلي أن الخـليـفـة الثاني قد عيّن عثمان تعيينا ضمن إخراج فنّيّ خاصّ، هذا فضلاعن تـمـهـيـده للحـكـم المـلكـيّ الامـويّ بـإطـلاقـه يـد مـعـاويـة فـي الشـام يفعل ما يحلو له وكما يشاء، فالخليفة الصارم في المدينة قد أغمض عينيه عمدا عن الشام لفتي قريش وكسري العرب!!

مـمـّا مـضـي يـتـأكـّد بـمـا لايـقـبـل الشـك أنّ هـؤلاء الصـحابة كانوا قد أصرّوا علي الصدّ عن رسـول اللّه (ص) الصـدود الكـبـيـر فـيـمـا جـاء بـه من الامر الالهيّ المتعلّق


بالخلافة من بعد رسـول اللّه (ص) وبـشـخـص الخليفة المعيّن من قبل اللّه تبارك وتعالي، وواصلوا هذا الصدود حتّي الممات.

وحـزب السـلطـة أشـد فصائل حركة النفاق أثرا في حياة الاسلام والمسلمين، لانّه هوالذي شقّ مـجـري الانـحـراف الرئيـس الذي تـفـرّعـت عنه جميع فروع الانحرافات الاخري التي كانت ولم تـزل حـيـاة الاسـلام والمـسـلمـيـن تـعـانـي مـنـهـا أمـرّ الويـلات والنـكـبـات، وقـيـادة هـذا الحـزب تتحمّل علي ظهرها أوزارها وأوزار ما نتج ولايزال ينتج عن يوم السقيفة إلي قيام الساعة.


پاورقي

[1] سورة النساء: الاية 61.

[2] راجع المفردات للراغب الاصبهاني.

[3] يـراجـع کـتـاب (المـراجعات): 110 ـ 112 لمعرفة من أخرج هذا الحديث من حفّاظ علماء أهل السنّة.

[4] (النـجـوم أمـان لاهـل السـمـاء وأهـل بـيـتـي أمـان لاهل الارض...).

[5] لمـعـرفـة هـذه الاحـاديـث الشـريـفـة، ومـعـرفـة مـن أخـرجـهـا مـن حـفـّاظ أهـل السـنّة، يراجع کتاب (المراجعات) وکتاب (عبقات الانوار في أمامة الائمّة الاطهار)، وکتاب (نفحات الازهار في خلاصة عبقات الانوار).

[6] سـنـن أبـي داود، 2: 286 (بـاب في کتاب العلم)؛ ومسند أحمد، 2: 162؛ ورواه الحاکم فـي المـسـتـدرک، 1:104 ـ 106 بـأسـانـيـد عـديـدة وقـال فـي أحـدهـا: هـذا حـديـث صـحـيـح الاسـنـاد، أصـل فـي نـسـخ الحـديـث عـن رسول اللّه (ص)، ولم يخرجاه.

وامـتـدادا لهذه الحملة التشکيکيّة بعصمة الرسول (ص) وبشخصيّته هناک افتراءات أخري کثيرة تـغـصّ بها کتب الصحاح والمساند، کان ولم يزل أعداء الاسلام يستفيدون منها في الاساءة إلي رسـول اللّه (ص)، کـمـا فـعـل مـؤخـّرا المـرتـد سلمان رشدي في کتابه الايات الشيطانيّة!!، ونلفت هنا إلي بعض الروايات التي تصبّ في مصبّ رواية المتن أعلاه:

الاولي: (أنّ رسول اللّه کان يغضب فيلعن ويسبّ ويؤذي من لايستحقّها، ودعا اللّه أن تکون لمن بـدرت مـنـه زکـاة وطـهـورا)؛ (البـخـاري، 8: 77 کـتـاب الدعـوات، بـاب قول النبيٍّّ من آذيته، مسلم، 4: 2007 کتاب البرّ والصلة، باب من لعنه النبيٍّّ).

أيـن هـذا البـهتان علي الرسول (ص) ـالذي لايليق بالمؤمن العادي من قوله تعالي في ثنائه عـلي الرسـول (ص): (وإنـّک لعـلي خـلق عـظـيم)!!؟ إنّ غاية هذا البهتان هي دعوي مظلوميّة الذين لعنهم الرسول (ص) وهم کثيرون، ليکون هذا الافتراء وثيقة مظلوميّة لهم وتزکية وتطهيرا!!

والثـانـيـة: (سـُحـِرَ النـبـيٍّّ(ص) حـتـّي کـان يـُخـيـّل إليـه أنـّه يفعل الشي ومايفعله)؛ (البخاري، 4:122 کتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده؛ مسلم، 4: 1719، حديث 43).

وهـذه قـمـّة التـشـکـيـک بـکلّ ما يصدر عن رسول اللّه (ص)، والغاية الغاء قيمة الاحاديث المتعلّقة بـالخـلافـة وبـالمـکـانـة الخـاصـّة التـي بـيـّنـهـا رسـول اللّه (ص) لاهل بيته الکرام، والاسقاط التامّ لحجيّة قوله وفعله (ص).

والثـالثـة: (أنّ النـبـيٍّّ سـمـع رجـلايـقـراء فـي المـسـجـد، فـقـال الرسـول: رحمه اللّه أذکرني کذاوکذا آية أسقطتهنّ من سورة کذا وکذا)؛ (البخاري، 3: 172؛ مسلم، 1: 543، حديث 244).

وهـذه لاتـرفـع الوثـوق بـالبـيـان النـبـويّ أوتـطـعـن بـه وتـقـدح بـعـصمة النبيٍّّ(ص) في مـجـال التـبـليغ عن اللّه تبارک وتعالي فحسب، بل تقدح حتّي بنزاهة ساحة القرآن الکريم عن النـقـص، ذلک لانّ لقـائل أن يـقـول: إذا کـان النـبـيٍّّ(ص) ــوالعياذ باللّه يعترف أنّه بسبب النسيان کان قد أسقط آيات عديدة من سورة کذا!! فکيف لنا أن نقطع بأنّ السور القرآنيّة الاخري مصونة عن النقص الذي يسبّبه مثل هذا النسيان!؟

أنـظـر کـيـف يـؤدّي الصـد عـن رسـول اللّه (ص) والافـتـراء عـليـه مـن أجل الدفاع عمّن سخط عليهم رسول اللّه (ص) إلي الطعن بعصمة النبيٍّّ(ص) وبقداسته، الامر الذي يؤدّي بالضرورة إلي الطعن بعصمة القرآن وقداسته!!؟.

[7] راجع في هذا المعني الکامل في التأريخ، 3:63 ـ 64؛ وشرح النهج، 12: 114 ـ 117.

[8] تذکرة الحفّاظ للذّهبي، 1: 5؛ وکنزالعمّال، 10: 285 رقم 29460.

[9] تذکرة الحفّاظ، 1: 2 ـ 3.

[10] طبقات ابن سعد، 5:188.

[11] مستدرک الحاکم، 1:110.

[12] تذکرة الحفاظ، 1:7.

[13] مـسـنـد احـمـد بن حنبل، 1:65؛ ويروي الذهبي في تذکرة الحفّاظ، 1:7 أنّ معاوية أيضا کـان يـقول: (عليکم من الحديث بما کان في عهد عمر، فإنّه کان قد أخاف الناس في الحديث عن رسول اللّه (ص).

[14] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 11:15.

[15] هـکـذا وصـفـة الرسول الاکرم (ص)، کما ورد في الروايات التي تحدّثت عن رزيّة يوم الخميس، ممّا أخرجه الحفّاظ من علماء أهل السنّة.

[16] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 12:97.

[17] کـمـا فـي قـوله تـعالي: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا اللّه ورسـوله إلاّ غـرورا)، (الاحـزاب: 12) وکـقـوله تـعـالي: (إذ يـقـول المـنـافـقـون والذيـن فـي قـلوبـهـم مـرض غـرّ هـؤلاء ديـنـهـم...)، (الانفال: 49).

[18] کما قد يفهم من کتاب معالم الفتن (سعيد أيّوب)، 1:57 ـ 66؛ مجمع إحياء الثقافة الاسلاميّة.

[19] الکـامـل فـي التـأريـخ، 2:425؛ ورواه الطبري في تأريخه أيضا بتفاوت يسير، 2 :619-618.

[20] تأريخ الطّبري، 3:292.

[21] الامامة والسياسة، 1:27.

[22] تاريخ الطبري، 3:292.

[23] الامامة والسياسة، 1: 27.