بازگشت

ذكر التوابين و طلبهم بثار الحسين


لما قتل الحسين «ع» ندم من بالكوفة من الشيعة علي تركهم نصرته و تلاوموا فيما بينهم و رأوا ان قد اخطأ و اخطأ كبيرا و انه لا يكفر عنهم الذنب و يغسل العار غير الطلب بثاره:

(و كان) من جملة من تداخله الندم علي ذلك عبدالله بن الحر الجعفي و كان حين مجي ء الحسين «ع» الي العراق خارج الكوفة في موضع يقال له قصر بني مقاتل فندبه الحسين (ع) الي الخروج معه فلم يفعل ثم ندم بعد قتل الحسين «ع» و جعل يقول:



فيا لك حسرة مادمت حيا

تردد بين حلقي و التراقي



حسين حين يطلب بذل نصري

علي اهل الضلالة و النفاق



غداة يقول لي بالقصر قولا

اتتركنا و تزمع بالفراق



و لو أني اواسيه بنفسي

لنلت كرامة يوم التلاق



مع ابن المصطفي نفسي فداه

تولي ثم ودع بانطلاق



فلو فلق التلهف قلب حي

لهم اليوم قلبي بانفلاق



فقد فاز الاولي نصر وا حسينا

و خاب الآخرون الي النفاق




فاجتمعت الشيعة الي خمسة نفر من رؤسائهم و هم (سليمان) بن صرد الخزاعي و كانت له صحبة مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو من المهاجرين و كان اسمه يسارا فسماه رسول الله (ص) سليمان و كان له سن عالية و شرف في قومه فلما قبض رسول الله (ص) تحول فنزل الكوفة و شهد مع اميرالمؤمنين (ع) الجمل و صفين و كان من جملة الذين كتبوا للحسين (ع) غير انه لم يقاتل معه خوفا من ابن زياد (و المسيب) بن نخبة الفزاري و كان من اصحاب علي «ع» (و عبدالله) بن سعد بن نفيل الأزدي (و رفاعة) بن شداد البجلي (و عبدالله) بن وال التيمي [1] و كان هاؤلاء الخمسة من خيار اصحاب علي «ع» فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فخطبهم المسيب فقال بعد حمد الله و الثناء عليه (اما بعد) فانا قد ابتلينا بطول العمر و التعرض لانواع الفتن فنرغب الي ربنا ان لا يجعلنا ممن يقول له غدا أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر فان اميرالمؤمنين عليا عليه السلام قال العمر الذي اعذر الله فيه الي ابن آدم ستون سنة و ليس فينا رجل الا و قد بلغه و قد كنا مغرمين بتزكية انفسنا فوجدنا الله كاذبين في نصر ابن بنت نبيه (ص) و قد بلغنا قبل ذلك كتبه و رسله و اعذر الينا فسألنا نصره فبخلنا عنه بانفسنا حتي قتل الي جانبنا لا نحن نصرناه بايدينا


و لا جادلنا عنه بالسنتنا و لا قويناه باموالنا و لا طلبنا له النصرة الي عشائرنا فما عذرنا عند ربنا و عند لقاء نبينا و قد قتل فينا ولد حبيبه و ذريته و نسله لا و الله لا عذر دون ان تقتلوا قاتله او تقتلوا في طلب ذلك فعسي ربنا ان يرضي عنا عند ذلك ايها القوم ولوا عليكم رجلا منكم فأنه لابد لكم من امير تفزعون اليه و راية تحفون بها. و قام رفاعة بن شداد فقال (اما بعد) فان الله قد هداك لأصوب القول و بدأت بارشد الأمور بدعائك الي جهاد الفاسقين و الي التوبة من الذنب العظيم فمسموع منك مستجاب الي قولك و قلت ولوا امركم رجلا فان تكن انت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيا و ان رايتم و لينا هذا الأمر شيخ الشيعة و صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله و ذا السابقة و القدم سليمان بن صرد الخزاعي المحمود في باسه و دينه الموثوق بحزمه فقال المسيب قد اصبتم فولوا امركم سليمان بن صرد (فخطب) سليمان و قال في جملة كلامه انا كنا نمد اعناقنا الي قدوم آل بيت نبينا (ص) نمنيهم النصرة و نحثهم علي القدوم فلما قدموا و نينا و عجزنا و اذهلنا حتي قتل فينا ولد نبينا و سلالته و بضعة من لحمه و دمه اذ جعل يستصرخ و يسأل النصف فلا يعطي اتخذه الفاسقون غرضا للنبل و دريئة للرماح الا انهضوا فقد سخط عليكم ربكم و لا ترجعوا الي الحلائل و الأبناء حتي يرضي الله و الله ما اظنه راضيا دون ان تناجزوا من قتله الا


لاد تهابوا الموت فماهابه احد قط الا ذل و كونوا كبني اسرائيل اذ قال لهم نبيهم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الي بارئكم فاقتلوا انفسكم ففعلوا (ثم قال) أحدوا السيوف و ركبوا الأسنة و اعدوا لهم ما استطعتم من القوة و من رباط الخيل حتي تدعوا الناس و تستفزوهم (فقال) خالد بن نفيل اما انا فوالله لو اعلم انه ينجيني من ذنبي و يرضي ربي عني قتل نفسي لقتلتها و انا اشهد كل من حضر أن كل ما املكه سوي سلاحي صدقة علي المسلمين اقويهم به علي قتال الفاسقين و قال غيره مثل ذلك (فقال) لهم سليمان بن صرد كل من اراد المعونة بشي ء من ماله فليأت به الي عبدالله بن وال فاذا اجتمع ذلك عنده جهزنا به الفقراء من اصحابنا، و كتب سليمان بن صرد الي سعد بن حذيفة بن اليمان و من معه من الشيعة بالمدائن كتابا مع عبدالله بن مالك الطائي يعلمه بما عزموا عليه و يدعوهم الي مساعدته «فقرأ» سعد كتابه علي الشيعة الذين بالمدائن فاجابوا الي ذلك فكتب سعد الي سليمان يعلمه بعزمهم فقرأ سليمان كتاب حذيفة علي اصحابه فسروا بذلك «و كتب» سليمان ايضا الي المثني بن مخزمة العبدي بالبصرة بمثل ذلك و بعث الكتاب مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد «فكتب» اليه المثني الجواب يقول اما بعد فقد قرأت كتابك و اقرأته اخوانك فحمدوا رأيك و استجابوا لك و نحن موافوك ان شاء الله تعالي


للأجل الذي ضربت و السلام و كتب في اسفل الكتاب.



تبصر كأني قد اتيتك معلما

علي اتلع الهادي [2] اجش هزيم



طويل القر انهدا حق [3] مقلص

ملح علي فاس [4] اللجام رؤم



بكل فتي لا يملأ الروع قلبه [5]

محش لنار الحرب غير سؤم



اخي ثقة ينوي الأله بسعيه

ضروب بنصل السيف غير اثيم



«و كان» ابتداء تحرك الشيعة للاخذ بثار الحسين عليه السلام في السنة التي قتل فيها الحسين عليه السلام و هي سنة احدي و ستين من الهجرة فما زالوا يستعدون للحرب و يجمعون السلاح و يدعون الناس في السر



الي الطلب بدم الحسين عليه

السلام الي ان هلك يزيد



بن معاوية في سنة اربع و ستين و كان بين قتل الحسين عليه السلام و موت يزيد ثلاث سنين و شهران و اربعة أيام «فلما» مات يزيد جاء اصحاب سليمان بن صرد اليه و قالوا له قد هلك هذا الطاغية و امر بني امية ضعيف فدعنا نظهر الطلب بدم الحسين عليه السلام و نقتل قاتليه و ندعوا الناس الي اهل هذا البيت المستأثر عليهم المدفوعين عن حقهم فقال لهم سليمان لا تعجلوا اني نظرت فيما ذكرتم فوجدت قتلة الحسين عليه السلام هم اشراف الكوفة و فرسان العرب و متي


علموا مرادكم كانوا أشد الناس عليكم و نظرت فيمن تبعني منكم فوجدتهم قليلين فلو خرجوا لم يدركوا ثارهم و لم يشفوا نفوسهم و قتلوا ولكن الرأي ان تبثوا دعاتكم في الناس و تنتظروا حتي يكثر جمعكم ففعلوا ما اشار به اتبعهم ناس كثير بعد هلاك يزيد اضعاف من كان اتبعهم قبل ذلك و قال عبدالله بن الاحمر يحرض علي الخروج و القتال شعرا:



صحوت و ودعت الصبا و الغوانيا

و قلت لأصحابي اجيبوا المناديا



و قولوا له اذ قام يدعوا الي الهدي

و قبل الدعا لبيك لبيك داعيا



الا و انع خير الناس جدا و والدا

حسينا لأهل الدين ان كنت ناعيا



ليبك حسينا مرمل ذو خصاصة

عديم و امام (كذا) تشكي المواليا



فاضحي حسين للرماح دريئة

و غودر مسلوبا لدي الطف ثاويا



فيا ليتني اذ ذاك كنت شهدته

فضاربت عنه الشانئين الأعاديا



سقي الله قبرا ضمن المجد و التقي

بغربية الطف الغمام الغواديا



فيا امة تاهت و ضلت سفاهة

انيبوا فارضوا الواحد المتعاليا



«و اما» عبيدالله بن زياد فانه كان عند موت يزيد واليا علي البصرة و كان عمرو بن حريث واليا علي الكوفة بالنيابة عن ابن زياد «فجاء» الخبر الي ابن زياد بالبصرة بموت يزيد و اختلاف الناس بالشام فجمع الناس و اخبرهم بموت يزيد و جعل يذمه و طلب منهم ان يبايعوا


رجلا يقوم بامرهم فبايعوه ثم انصرفوا و مسحوا ايديهم يا لحيطان و قالوا ايظن ابن مرجانة اننا ننقاد له في جميع الاوقات «و ارسل» ابن زياد رسولين الي اهل الكوفة يدعوهم الي البيعة فقام يزيد بن رويم فقال الحمد لله الذي اراحنا من ابن سمية انحن نبايعه لا و لا كرامة لا حاجة لنا في بني امية و لا في امارة ابن مرجانة ام عبيدالله و سمية ام زياد و حصب الرسولين اي رماهما بالحصا فحصبهما الناس فرجع الرسولان الي ابن زياد و اخبراه بذلك فقال اهل البصرة ايخلعه اهل الكوفة و نوليه نحن فضعف سلطانه عندهم و خاف علي نفسه فاستجار ببعض رؤساء البصرة ثم هرب الي الشام «ثم» ان اهل الكوفة طردوا عمرو بن حريث عامل ابن زياد عنهم و ارادوا ان ينصبوا لهم اميرا الي ان ينظروا في امرهم فاشار بعضهم بعمر بن سعد قاتل الحسين عليه السلام فاقبلت نساء من همدان و غيرهم حتي دخلن المسجد الجامع صارخات باكيات معولات يندبن الحسين عليه السلام و يقلن اما يرضي عمر بن سعد بقتل الحسين عليه السلام حتي اراد ان يكون اميرا علينا علي الكوفة فبكي الناس و اعرضوا عن عمر و كان الفضل في ذلك لنساء همدان و همدان هم الذين يقول فيهم اميرالمؤمنين علي عليه السلام



فلو كنت بوابا علي باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام




«ثم» ان اهل الكوفة بايعوا لابن الزبير و ارسل اليهم ابن الزبير واليا من قبله علي الكوفة يسمي عبدالله بن يزيد الانصاري و ارسل معه ابراهيم بن محمد بن طلحة الصحابي اميرا علي الخراج فوصلا الي الكوفة لثمان بقين من شهر رمضان سنة اربع و ستين و سليمان و اصحابه يدعون الناس للأخذ بثار الحسين عليه السلام «و كان» عبدالله بن الزبير دعا الناس الي نفسه في حياة يزيد و اظهر الطلب بثار الحسين عليه السلام و كذلك اهل المدينة كانوا قد خلعوا طاعة يزيد فارسل اليهم يزيد جيشا فحاربهم و غلهم و استباح المدينة ثلاثة ايام و هي وقعة الحرة المشهورة و كان امير الجيش مسلم بن عقبة المري ثم توجه الجيش الي مكة لحرب ابن الزبير فمات مسلم بن عقبة في الطريق و استخلف علي الجيش الحصين بن نمير فلما هلك يزيد كان الحصين في عسكر الشام يحاصرون ابن الزبير بمكة فلما علموا بموت يزيد رجعوا الي المدينة و اجترأ عليهم اهل المدينة و اهانوهم ثم توجهوا الي الشام و خرج معهم بنوامية الذين كانوا بالمدينة و فيهم مروان بن الحكم «و بويع» بالخلافة في الحجاز و العراق و غيرها لعبدالله بن الزبير «و لما» مات يزيد اعرض عبدالله بن الزبير عن اظهار الطب بدم الحسين عليه السلام «و كان» اهل الشام بعد موت يزيد بايعوا معاوية بن يزيد بالخلافة فمات بعد


ثلاثة اشهر و قيل بعد اربعين يوما بعد ان خلع نفسه من الخلافة و قيل أن بني امية قتلوه بالسم «و كان» مروان بن الحكم قد عزم علي ان يسير الي ابن الزبير فيبايعه بالخلافة فلما قدم عبيدالله بن زياد الي الشام قلبه عن رأيه و قوي عزمه علي طلب الخلافة ثم بايعه الناس بالخلافة «ثم» ان مروان بن الحكم بعث عبيدالله بن زياد في جيش الي قتال اهل الجزيرة و امره اذا فرغ منها ان يسير الي العراق «و اما» سليمان بن صرد و اصحابه فما زالوا يتجهزون و يشترون السلاح الي سنة خمس و ستين و بعث سليمان الي رؤساء اصحابه فأتوه و خرج في اول ليلة من شهر ربيع الآخر فعسكر بالنخيلة قريب الكوفة و جعل يدور في عسكره فوجده قليلا فأرسل رجلين من اصحابه في خيل الي الكوفة و امرهم ان ينادوا في الكوفة يا لثارات الحسين و ان ينادوا بذلك في المسجد الاعظم و كانوا اول من نادي بذلك فسمع النداء عبدالله بن حازم الأزدي و عنده ابنته و امرأته سهلة ابنة سبرة و كانت من اجمل النساء و احبهم اليه و لم يكن دخل مع القوم فوثب الي ثيابه فلبسها و الي سلاحه و فرسه فقالت له زوجته ويحك اجننت قال لا ولكني سمعت داعي الله عزوجل فانا مجيبه و طالب بدم هذا الرجل حتي اموت فقالت الي من تودع بنيك هذا قال الي الله اللهم اني استودعك ولدي و اهلي اللهم احفظني فيهم وتب علي مما فرطت


في نصر ابن بنت نبيك «و طافت» الخيل تلك الليلة بالكوفة ينادون يا لثارات الحسين و نادوا في المسجد الجامع و الناس يصلون العشاء الآخرة يا لثارات الحسين «و كان» في المسجد كرب بن نمران يصلي فقال يا لثارات الحسين و خرج حتي اتي اهله فلبس سلاحه و دعا بفرسه ليركبه فقالت له ابنته يا ابت مالي اراك تقلدت سيفك و لبست سلاحك فقال يا بنية ان اباك يفر من ذنبه الي ربه ثم خرج فلحق بالقوم «فلما» كان من الغد جاء الي سليمان من الكوفة بقدر من كان معه حتي صار معه اربعة آلاف فنظر في ديوانه و هو الدفتر الذي يكتب فيه اسماء العسكر فوجد أن الذين بايعوه ستة عشر الفا و قيل ثمانية عشر الفا فقال سبحان الله ما و افانا من ستة عشر الفا الا اربعة آلاف «و اقام» بالنخيلة ثلاثة ايام يبعث الي من تخلف عنه فخرج اليه نحو من الف رجل فصار معه خمسة آلاف «فقال» له المسيب بن نجبة انه لا ينفعك الكاره للخروج و لا يقاتل معك الا من خرج علي بصيرة محبا للخروج فلا تنتظر احدا فقال له سليمان نعم ما رأيت (ثم خطب) سليمان اصحابه و هو متوكأ علي قوس له عربية (فقال) ايها الناس من كان خرج يريد بخروجه وجه الله والآخرة فذلك منا و نحن منه فرحمة الله عليه حيا و ميتا و من كان انما يريد الدنيا فوالله ما يأتي في ء نأخذه و لا غنيمة نغنمها ما خلا رضوان الله و ما معنا من


ذهب و لا فضة و لا متاع الا سيوفنا علي عواتقنا و رماحنا في اكفنا و زاد قدر البلغة فمن كان ينوي هذا فلا يصحبنا فتنادي اصحابه من كل جانب انا لا نطلب الدنيا و ليس لها خرجنا انما خرجنا نطلب التوبة و الطلب بدم ابن بنت رسول الله نبينا صلي الله عليه و آله و سلم (فلما) عزم سليمان علي المسير قال له عبدالله بن سعد بن نفيل انا خرجنا نطلب بدم الحسين عليه السلام و الذين قتلوه كلهم بالكوفة منهم عمر بن سعد و اشراف القبائل و ليس في الشام سوي عبيدالله فقال سليمان ان الذي قتله و عبي الجنود اليه هذا الفاسق ابن الفاسق ابن مرجانة عبيدالله بن زياد فسيروا اليه علي بركة الله فان ينصركم الله رجونا ان يكون من بعده اهون علينا منه و رجونا ان يطيعكم اهل مصركم يعني الكوفة بغير قتال فتنظرون الي كل من شرك في دم الحسين عليه السلام فتقتلونه و ان تستشهدوا فما عند الله خير للابرار فاستخيروا الله و سيروا (و ارسل) عبدالله بن يزيد امير الكوفة و ابراهيم بن محمد بن طلحة امير خراجها رسولا الي سليمان انهما يريدان ان يأتيا اليه فقال سليمان لرفاعة بن شداد قم فاحسن تعبية الناس و دعا رؤساء اصحابه فجلسوا حوله و جاء عبدالله و ابراهيم و معهما اشراف اهل الكوفة سوي من شرك في قتل الحسين «ع» فان عبدالله قال لكل من شرك في قتل الحسين عليه السلام من


المعروفين ان لا يخرجوا معهم خوفا من سليمان و اصحابه «و كان» عمر بن سعد في تلك الايام يبيت في قصر الامارة خوفا منهم فاشار عبدالله و ابراهيم علي سليمان و اصحابه ان يقيموا و لا يستعجلوا فاذا علموا ان عبيدالله بن زياد سار اليهم تهيأوا و ساروا اليه جميعهم و جعلا لسليمان و اصحابه خراج جوخي ان اقاموا فلم يقبلوا و قالوا انا ليس للدنيا خرجنا فقال لهم عبدالله اقيموا حتي نرسل معكم جيشا كثيفا فلم يقم سليمان و اصحابه (و نظروا) فاذا شيعتهم من اهل البصرة و المدائن لم يوافوهم لميعادهم فجعل بعضهم يلومونهم فقال سليمان لا تلوموهم فانهم سيلحقونكم قريبا متي بلغهم خبر مسيركم و ما اراهم تأخروا الا لقلة النفقة ثم خطبهم سليما فقال في خطبته ان للدنيا تجارا و للآخرة تجارا فاما تاجر الآخرة فساع اليها لا يشتري بها ثمنا لا يري الا قائما و قاعدا و راكعا و ساجدا لا يطلب ذهبا و لا فضة و لا دنيا و لا لذة و اما تاجر الدنيا فمكب عليها راتع فيها لا يبتغي بها بدلا فعليكم بطول الصلوة في جوف الليل و بذكر الله كثيرا علي كل حال و تقربوا الي الله بكل خير قدرتم عليه حتي تلقوا هذا العدو المحل القاسط فتجاهدو فانكم لن تتوسلوا الي ربكم بشي ء هو اعظم عنده ثوابا من الجهاد و الصلوة (و ساروا) عشية الجمعة لخمس مضين من ربيع الاخر سنة خمس و ستين يقدمهم رؤساؤهم المذكورون


فباتوا بمكان يقال له دير الاعور و قد تخلف عنهم ناس كثير فقال سليمان بن صرد ما احب ان لا يتخلفوا و لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ان الله كره انبعاثهم فثبطهم و خصكم بالفضل دونهم ثم سار فنزل علي اقساس بني مالك علي شاطئي الفرات ثم اصبحوا عند قبر الحسين عليه السلام فلما و صلوا صاحوا صيحة واحدة و ضجوا بالبكاء و العويل فلم ير يوم اكثر باكيا من ذلك اليوم و ترحموا علي الحسين «ع» و تابوا عند قبره و اقاموا عنده يوما و ليلة يبكون و يتضرعون و يستغفرون و يترحمون علي الحسين «ع» و اصحابه.

(و كان) من قولهم عند ضريحه اللهم ارحم حسينا الشهيد ابن الشهيد المهدي ابن المهدي الصديق ابن الصديق اللهم انا نشهدك انا علي دينهم و سبيلهم و اعداء قاتليهم و اولياء محبيهم اللهم انا خذلنا ابن بنت نبينا صلي الله عليه و آله فاغفرلنا ما مضي منا و تب علينا و ارحم حسينا و اصحابه الشهداء الصديقين و انا نشهدك انا علي دينهم و علي ما قتلوا عليه و ان لم تغفرلنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين و زادهم النظر الي القبر الشريف حنقا ثم ودعوا القبر الشريف و ازدحموا عليه عند الوداع اكثر من الازدحام علي الحجر الاسود و كان الرجل يعود الي ضريحه كالمودع له حتي بقي سليمان في نحو ثلاثين من اصحابه آخر الناس فاحاطوا بالقبر و قال سليمان الحمدلله الذي لو شاء


اكرمنا بالشهادة مع الحسين عليه السلام اللهم اذ حرمتناها معه فلا تحرمناها فيه بعده و تكلم الرؤساء من اصحاب سليمان فاحسنوا و قام في تلك الحال وهب بن زمعة الجعفي باكيا علي القبر الشريف و انشد ابيات عبيدالله بن الحر الجعفي



تبيت النشاوي من امية نوما

و بالطف قتلي ما ينام حميمها



و ما ضيع الاسلام الا قبيلة

تأمر نوكاها و دام نعيمها



و اضحت قناة الدين في كف ظالم

اذا اعوج منها جانب لا يقيمها



فاقسمت لا تنفك نفسي حزينة

و عيني تبكي لا تجف سجومها



حياتي او تلقي امية خزية

يذل لها حتي الممات قرومها



و كان مع الناس عبدالله بن عوف الاحمر علي فرس كميت يتأكل تأكلا و هو يقول:



خرجن يلمعن بنا ارسالا

عوابسا يحملننا ابطالا



نريد ان نلقي بها الا قيالا

القاسطين [6] الغدر الضلالا



و قد رفضنا الاهل [7] و الاموالا

و الخفرات البيض و الحجالا



نرجو به التحفة و النوالا

لنرضي المهيمن المفضالا [8]



ثم ساروا علي الانبار و كتب اليهم عبدالله يزيد و الي الكوفة كتابا يطلب فيه منهم الرجوع فقال سليمان و اصحابه قد اتانا هذا و نحن في


مصرنا فحين وطنا انفسنا علي الجهاد و دنونا من ارض عدونا نرجع ما هذا برأي و كتب اليه سليمان يشكره و يقول ان القوم قد استبشروا ببيعهم انفسهم من ربهم و توجهوا الي الله و توكلوا عليه و رضوا بما قضي الله عليهم فقال عبدالله قد استمات القوم و الله ليقتلن كراما مسلمين (ثم) ساروا حتي اتواهيت ثم خرجوا حتي انتهوا الي قرقيسيا و بها زفر بن الحارث الكلابي (و كان) زفر هذا بعد هلاك يزيد بقنسرين من بلاد الشام يبايع لابن الزبير فلما بويع مروان ابن الحكم و تغلب علي بلاد الشام هرب زفر من قنسرين و اتي الي فرقيسيا و عليها عياض الحرشي كان يزيد ولاه اياها فطلب منه ان يدخل الحمام و حلف له بالطلاق و العتاق علي انه لما يخرج من الحمام لا يقيم بها فاذن له فدخلها و غلب عليها و تحصن بها و لم يدخل حمامها «فتحصن» زفر من سليمان و اصحابه «فارسل» سليمان المصيب بن بخبة الي زفر يطلب اليه ان يخرج لهم سوقا فجاء المسيب الي باب المدينة و طلب الاذن علي زفر فجاء هذيل بن زفر الي ابيه و قال بباب المدينة رجل حسن الهيئة اسمه المسيب بن نجبة يستأذن عليك فقال له ابوه اما تدري يا بني من هذا هذا فارس مضر الحمراء كلها اذا عد من اشرافها عشرة كان هو احدهم و هو متعبد ناسك له دين انذن له فلما دخل عليه المسيب اجلسه الي جانبه و اخبره المسيب بما عزموا عليه فقال


له زفر انا لم نغلق ابواب المدينة الا لنعلم أيانا تريدون ام غيرنا و ما نحب قتالكم و قد بلغنا عنكم صلاح و سيرة جميلة و امر ابنه ان يخرج لهم سوقا و امر للمسيب بألف درهم و فرس فرد المال و اخذ الفرس و قال لعلي احتاج اليه اذا عرج فرسي و بعث زفر الي المسيب و سليمان كل واحد عشرين جزورا و الي عبدالله بن سعد و عبدالله بن وال و رفاعة كل واحد بعشر جزر و بعث الي العسكر بخبز كثير و علف و دقيق و جمال و قال انحروا منها ما شئتم حتي استغني الناس عن السوق الا ان كان الرجل يشتري سوطا او ثوبا «ثم» ارتحلوا من الغد و خرج اليهم زفر يشيعهم و قال لسليمان انه خرج خمسة امراء من الرقة منهم عبيدالله بن زياد في عدد كثير مثل الشوك و الشجر و عرض عليهم ان يدخلوا المدينة و تكون يدهم واحدة فاذا جاء العدو قاتلوهم جميعا فقال سليمان قد طلب منا اهل مصرنا ذلك فابينا قال زفر فاسبقوهم الي عين الوردة و تسمي رأس عين ايضا فاجعلوا المدينة في ظهوركم فيكون البلد و الماء و المؤن في ايديكم و ما بيننا و بينكم فانتم آمنون منه فوالله ما رأيت جماعة قط اكرم منكم فاطووا المنازل فاني ارجو ان تسبقوهم و لا تقاتلوهم في فضاء فانهم اكثر منكم و لا آمن ان يحيطوا بكم فيصرعوكم و لا تصفوا لهم فاني لا أري معكم رجالة و معهم الرجالة و الفرسان يحمي بعضهم بعضا


ولكن القوهم في الكتائب ثم بثوها فيما بين ميمنتهم و ميسرتهم و اجعلوا مع كل كتيبة كتيبة اخري الي جانبها فان حملوا علي احدي الكتيبتين تقدمت الأخري و عاونتها و فرجت عنها و متي شاءت احدي الكتائب ارتفعت و متي شاءت انحطت و لو كنتم صفا واحدا فزحفت اليكم الرجالة فدفعتكم عن الصف انتقض فكانت الهزيمة ثم ودعهم و دعا لهم و دعوا له و اثنوا عليه «ثم» ساروا مجدين فجعلوا يقطعون كل مرحلتين في مرحلة حتي وردوا عين الوردة فنزلوا غربيها و استراحوا خمسة ايام و اراحوا دوابهم و اقبل عبيدالله بن زياد في عساكر الشام حتي كانوا من عين الوردة علي مسيرة يوم و ليلة «فقام» سليمان بن صرد خطيبا في اصحابه فوعظهم و ذكرهم الدار الآخرة و رغبهم فيها ثم قال «اما بعد» فقد اتاكم عدوكم الذي دأبتم اليه في السير اناء الليل و النهار قاذا ليقتموهم فاصدقوهم القتال و اصبروا أن الله مع الصابرين و لا يولينهم امروء دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الي فئة و لا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا علي جريح و لا تقتلوا اسيرا من اهل دعوتكم اي من المسلمين الا ان يقاتلكم بعد ان تأسروه فأن هذه كانت سيرة علي عليه السلام في أهل هذه الدعوة «ثم» قال ان انا قتلت فاميركم المسيب بن نجبة فان قتل فالامير عبدالله بن سعد بن نفيل فان قتل فالامير عبدالله بن وال فان قتل فالامير رفاعة بن شداد


رحم الله امرءا صدق ما عاهد الله عليه «ثم» بعث المسيب في اربعمائة فارس و قال سر حتي تلقي أول عساكرهم فشن الغارة عليهم فأن رأيت ما تحبه من النصر و الا رجعت و اياك ان تنزل او تترك واحدا من اصحابك ان ينزل و اخر ذلك حتي لا تجد منه بدا «قال» حميد بن مسلم كنت معهم يومئذ فسرنا يومنا كله وليلتنا حتي اذا كان وقت السحر نزلنا و نمنا قليلا ثم صلينا الصبح و ركبنا ففرق المسيب العسكر و بقي معه مائة فارس و ارسل اصحابه في الجهات ليأتوه بمن يلقونه فرأوا اعرابيا يطرد حمرا و هو يقول:



يا مال لا تعجل الي صحبي

و اسرح فأنك آمن السرب



فقال عبدالله بن عوف بشري و رب الكعبة و قال للأعرابي ممن انت قال من بني تغلب قال غلبناهم و رب الكعبة ان شاء الله ثم اتوا بالاعرابي الي المسيب و اخبروه بما قال فسر بذلك و قال كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يعجبه الفال ثم قال للأعرابي كم بيننا و بين ادني القوم فقال ميل (و الميل نحو من مسير نصف ساعة) هذا شراحيل بن ذي الكلاع منك علي رأس ميل و معه اربعة آلاف و من ورائهم الحصين بن نمير في اربعة آلاف و من ورائهم الصلت بن ناجيه الغلابي في اربعة آلاف و جمهور العسكر مع عبيدالله بن زياد بالرقة «و كان» ابن زياد توجه من الشام في عسكر عظيم كما تقدم فلما وصل


الي الرقة ارسل هؤلاء امامه مقدمة له «فسار» المسيب و من معه مسرعين حتي اشرفوا علي عسكر اهل الشام و هم آمنون غير مستعدين فقال المسيب لأصحابه كروا عليهم فحملوا في جانب عسكرهم فانهزم عسكر اهل الشام و قتل المسيب و اصحابه منهم و جرحوا كثيرا و اخذوا الدواب و خلي الشاميون معسكرهم و انهزموا فغنم منه اصحاب المسيب ما ارادوا ثم صاح في اصحابه الرجعة انكم قد نصرتم و غنمتم و سلمتم فانصرفوا الي سليمان موفورين غانمين «و وصل» الخبر الي عبدالله بن زياد «فارسل» اليهم الحصين بن نمير مسرعا في اثني عشر الفا و قيل في عشرين الفا و عسكر الغراق يومئذ ثلاثة آلاف و مائة لا غير فتهيأت العساكر للقتال و ذلك يوم الاربعاء لأربع و قيل لثمان بقين من جمادي الاولي سنة خمس و ستين «فجعل» اهل العراق علي ميمنتهم المسيب بن نجبة و علي ميسرتهم عبدالله بن سعد و قيل بالعكس و علي الجناح رفاعة بن شداد و الامير سليمان بن صرد في القلب «و جعل» اهل الشام علي ميمنتهم عبدالله بن الضحاك بن قيس الفهري و قيل جبلة بن عبدالله و علي ميسرتهم ربيعة بن المخارق الغنوي و علي الجناح شراحيل بن ذي الكلاع و في القلب الحصين بن نمير «و دنا» بعضهم من بعض فدعاهم اهل الشام الي الدخول في طاعة عبدالملك بن مروان و كان مروان قد مات في شهر رمضان من


هذه السنة و بويع بالخلافة ولده عبدالملك «و قيل» بل كان مروان حيا و دعاهم اصحاب سليمان الي تسليم عبيدالله بن زياد اليهم و الخروج من طاعة عبدالملك و آل الزبير ورد الامر الي اهل بيت النبي صلي الله عليه و آله فابي الفريقان و حمل بعضهم علي بعض و جعل سليمان بن صرد يحرضهم علي القتال و يبشرهم بكرامة الله ثم كسر جفن سيفه و تقدم نحو اهل الشام و جعل يرتجز و يقول:



اليك ربي تبت من ذنوبي

و قد علاني في الوري مشيبي



فارحم عبيدا غير ما تكذيب

و اغفر ذنوبي سيدي و حوبي



فحملت ميمنة سليمان علي ميسرة الحصين و ميسرته علي ميمنته و حمل سليمان في القلب علي جماعتهم فانهزم اهل الشام الي معسكرهم و ظفر بهم اصحاب سليمان و ما زال الظفر لأصحاب سليمان الي ان حجز بينهم الليل فلما كان الغد وصل الي الحصين جيش مع ابن ذي الكلاع عدده ثمانية آلاف كان امدهم به عبيدالله بن زياد فصاروا عشرين الفا و خرج اصحاب سليمان عند الصباح فقاتلوهم قتالا لم يكن اشد منه لم ير الشيب و المرد مثله جميع النهار و لم يحجز بينهم الا الصلوة فلما امسوا تحاجزوا و قد كثرت الجراح في الفريقين «و كان» في اصحاب سليمان ثلاثة من القصاص و هم الذين يحفظون القصص و الأخبار منهم رفاعة بن شداد و ابوجويرية العبدي


فجعلوا يطوفون علي اصحاب سليمان يحرضونهم «و كان» جويرية يدور فيهم و يقول ابشروا عباد الله بكرامة الله و رضوانه فحق و الله لمن ليس بينه و بين لقاء الأحبة و دخول الجنة الا فراق هذه النفس الامارة بالسوء ان يكون بفراقها سخيا و بلقاء ربه مسرورا «فلما» اصبح اهل الشام أتاهم ادهم بن محرز الباهلي في نحو من عشرة آلاف امدهم بهم ابن زياد فصاروا ثلاثين الفا فاقتتلوا اليوم الثالث و هو يوم الجمعة قتالا شديدا الي وقت الضحي «ثم» ان اهل الشام تكاثروا عليهم و احاطوا بهم من كل جانب فلما رأي سليمان رحمه الله ذلك نزل و نادي يا عباد الله من اراد البكور الي ربه و التوبة من ذنبه فالي ثم كسر جفن سيفه و نزل معه ناس كثير و كسروا جفون سيوفهم و مشوا معه فقاتلوا حتي قتلوا من اهل الشام مقتلة عظيمة و جرحوا فيهم فاكثروا الجراح فلما رأي الحصين صبرهم و باسهم بعث الرجالة ترميهم بالنبل فأتت السهام كالشرار المتطاير و اكتنفتهم الخيل و الرجال فقتل سليمان رحمه الله تعالي رماه يزيد بن الحصين بن نمير بسهم فوقع ثم وثب ثم وقع «و كان» عمره يوم قتل ثلاثا و تسعين سنة فلما قتل سليمان اخذ الراية المسيب بن بحبة «و كان» من وجوه اصحاب علي عليه السلام و ترحم علي سليمان ثم تقدم الي القتال و كر علي القوم و جعل يرتجز و يقول:




قد علمت ميالة الذوائب

واضحة الخدين [9] و الترائب



اني غداة الروع و التغالب [10]

اشجع من ذي لبدة مواثب



قصاع اقران مخوف الجانب

فقاتل بها ساعة ثم رجع ثم حمل فلم يزل يحمل و يقاتل ثم يرجع حتي فعل ذلك مرارا و قتل جمعا كثيرا ثم تكاثروا عليه فقتل رضي الله عنه «فلما» قتل اخذ الراية عبدالله بن سعيد بن نفيل و ترحم علي سليمان و المسيب ثم قرأ فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا ثم حمل علي القوم و جعل يرتجز و يقول:



ارحم آلهي عبدك التوابا

و لا تؤاخذه فقد انابا



و فارق الأهلين و الأحبابا

يرجو بذاك الفوز و الثوابا



وحف به من كان معه من الازد (فبينما) هم في القتال اتاهم فرسان ثلاثة و هم عبدالله بن الخضل الطائي و كثير بن عمرو المزني و سعد بن ابي سعر الحنفي و قد ارسلهم سعد بن حذيفة فاخبروا بمسيره من المدائن في سبعين و مائة من اهل المدائن و اخبروا بمسير اهل البصرة مع المثني بن مخزمة العبدي في ثلاثمائة فسر الناس بذلك فقال عبدالله بن سعد ذلك لو جاءونا و نحن احياء فلما نظر الرسل الي مصارع اخوانهم ساءهم ذلك و استرجعوا و قاتلوا معهم فكان اول من استشهد


في ذلك الوقت من الثلاثة كثير بن عمرو المزني و طعن الحنفي فوقع بين القتلي ثم برء بعد ذلك و كان الطائي فارسا شاكرا فجعل يقول:



قد علمت ذات القوام الرود

ان لست بالواني و لا الرعديد



يوما و لا بالفرق الحيود

و قاتل قتالا شديدا و طعن فقطع انفه «و قاتل» عبدالله بن سعد بن نفيل فاختلف هو و ربيعة بن المخارق ضربتين فلم يصنع سيفاهما شيئا و اعتنق كل واحد منهما صاحبه فوقعا الي الارض ثم قاما فاضطربا و حمل ابن اخ لربيعة علي عبدالله بن سعد فطعنه في ثغرة نحره فقتله فحمل عبدالله بن عوف بن الأحمر علي ربيعة فطعنه فصرعه ثم قام ربيعة فكر عليه عبدالله بن عوف في المرة الثانية فطعنه اصحاب ربيعة فصرعوه ثم ان اصحابه استنقذوه «و قال» خالد بن سعد بن نفيل اروني قاتل اخي فاروه اياه فحمل عليه فقنعه بالسيف فاعتنقه الآخر فخر الي الارض فحمل اهل الشام فخلصوه بكثرتهم و قتلوا خالدا «و بقيت» الرايه ليس عندها احد فنادوا عبدالله بن وال فاذا هو يحارب في جانب آخر في عصابة معه فحمل رفاعة بن شداد فكشف اهل الشام عنه فاتي و اخذ الراية و قاتل مليا حتي قطعت يده اليسري ثم استند الي اصحابه و يده تشخب ثم كر عليهم و هو يقول:



نفسي فداكم اذكروا الميثاقا

و صابروهم و احذروا النفاقا






لا كوفة نبغي و لا عراقا

لا بل نريد الموت و العناقا



و في رواية ثم قال لأصحابه من اراد الحياة التي ليس بعدها موت و الراحة التي ليس بعدها نصب و السرور الذي ليس بعده حزن فليتقرب الي الله بقتال هاؤلاء الرواح الي الجنة و ذلك عند العصر فحمل هو و اصحابه فقتلوا رجالا و كشفوهم ثم ان اهل الشام تعطفوا عليهم من كل جانب حتي ردوهم الي المكان الذي كانوا فيه و كان مكانهم لا يؤتي الا من وجه واحد فلما كان المساء تولي قتالهم ادهم بن محرز الباهلي فحمل عليهم في خيله و رجله فوصل الي ابن وال و هو يتلو و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فغاظ ذلك ادهم فحمل علي ابن وال فضرب يده فابانها ثم تنحي و قال اني اظنك تتمني ان تكون عند اهلك قال ابن وال بئسما ظننت والله ما احب ان يدك كانت قد قطعت مكان يدي الا ان يكون لي من الاجر مثل ما في قطع يدي ليعظم و زرك و يعظم اجري فغاظه ذلك ايضا فحمل عليه و طعنه فقتله و هو مقبل ما يزول «و كان» ابن وال من الفقهاء العباد «فلما» قتل عبدالله بن وال اتوا الي رفاعة بن سداد و طلبوا منه ان ياخذ الراية فاشار عليهم بالرجوع لما رأي انه لا طاقة لهم باهل الشام و قال لعل الله يجمعنا ليوم هو شر لهم فقال له عبدالله بن عوف بن الاحمر ليس هذا برأي لئن انصرفنا


ليتبعوننا فلا نسير فرسخا حتي نقتل عن آخرنا و ان نجا منا احد اخذته العرب يتقربون به اليهم فيقتل صبرا ولكن هذه الشمس قد قاربت الغروب فنقاتلهم علي خيلنا فاذا غسق الليل ركبنا خيولنا اول الليل و سرنا حتي نصبح و نسير علي مهل و يحمل الرجل صاحبه و جريحه و نعرف الجهة التي نتوجه اليها فقال رفاعة نعم ما رأيت و اخذ الراية و قاتلهم قتالا شديدا و جعل يرتجز و يقول:



يا رب اني تائب اليكا

قد اتكلت سيدي عليكا



قدما ارجي الخير من يديكا

فاجعل ثوابي املي لديكا



و رام اهل الشام استئصالهم قبل الليل فلم يقدروا لشدة قتالهم و قوة بأسهم (و تقدم) عبدالله بن عزيز الكناني فقاتل اهل الشام و معه ولده محمد و هو صغير فنادي بني كنانة من اهل الشام و سلم ولده اليهم ليوصلوه الي الكوفة فعرضوا عليه الامان فأبي و اخذ ابنه يبكي في اثر ابيه و بكي الشاميون رقة له و لأبنه فقال يا بني لو كان شي ء آثر عندي من طاعة ربي لكنت انت ثم اعتزل ذلك الجانب و قاتل حتي قتل «و لما» علم كريب بن زيد الحميري ما عزم عليه رفاعة من الرجوع جمع اليه رجالا من حمير و همدان و قال عباد الله روحوا الي ربكم و الله ما في شي ء من الدنيا خلف من رضا الله و قد بلغني ان طائفة منكم يريدون الرجوع فاما انا فوالله لا اولي هذا


العدو ظهري حتي ارد مورد اخواني فاجابوه و قالوا رأينا مثل رأيك فتقدم عند المساء في مائة من اصحابه فقاتلهم اشد القتال فعرض ابن ذي الكلاع الحميري عليه و ززعلي اصحابه الامان فقال قد كنا آمنين في الدنيا و انما خرجنا نطلب امان الآخرة فقاتلوهم حتي قتلوا (و تقدم) صخر (صحير خ ل) ابن حذيفة بن هلال المزني في ثلاثين من مزينة فقال لهم لا تهابوا الموت في الله فانه لاقيكم و لا ترجعوا الي الدنيا التي خرجتم منها الي الله فانها لا تبقي لكم و لا تزهدوا فيما رغبتم فيه من ثواب الله فان ما عندالله خير لكم ثم مضوا فقاتلوا حتي قتلوا (فلما) امسوا رجع اهل الشام الي معسكرهم (و نظر) رفاعة الي كل رجل قد عقربه فرسه او جرح فدفعه الي قومه ثم سار بالناس ليلته كلها و جعل لا يمر بجسر الا قطعه خوفا ان يلحقهم الطلب و جعل وراءهم ابا الجويرية العبدي في سبعين فارسا فاذا مروا برجل قد سقط حمله اعانوه او وجدوا متاعا قد سقط قبضوه حتي يوصلوه الي صاحبه (و اصبح) الحصين و اصحابه فلم يجدوهم فتركهم الحصين و لم يبعث احدا في اثرهم فلما ساروا و اصبحوا اذا عبدالله بن غزية في نحو من عشرين رجلا قد ارادوا الرجوع الي العدو مستقتلين فجاء رفاعة و اصحابه و ناشدوهم الله ان يفعلوا فلم يزالوا يناشدوهم حتي

ردوهم الا رجل من مزينة يسمي عبيدة بن سفيان فانه انسل من بين الناس و رجع


بدون ان يعلم به احد حتي لقي اهل الشام فشد عليهم بسيفه يضاربهم حتي عقر فرسه فجعل يقاتل راجلا و هو يقول:



اني من الله الي الله افر

رضوانك اللهم ابدي و اسر



فقيل له من انت قال من بني آدم لا احب ان اعرفكم و لا ان تعرفرني يا مخربي البيت الحرام فبرز اليه سليمان بن عمرو الازدي و كان من اشجع الناس و حمل كل منهما علي صاحبه و كلاهما اثخن صاحبه و اصابه و شد الناس عليه من كل جانب فقتلوه (قال الراوي) فوالله ما رأيت احسا قط هو اشد منه «و ساروا» حتي اتوا قرقيسيا فعرض عليهم زفر الاقامة فاقاموا ثلاثة ايام فاضافهم و ارسل اليهم الاطباء ثم زودهم و ساروا الي الكوفة «ثم» اقبل سعد بن حذيفة بن اليمان في اهل المدائن حتي بلغ هيت فاتاه الخبر فيها فرجع فلقي المثني بن مخزمة العبدي في اهل البصرة بصندوداء [11] فاخبره الخبر فاقاموا حتي اتاهم رفاعة فاستقبلوه و بكي بعضهم الي بعض و اقاموا يوما و ليلة ثم تفرقوا فسار كل طائفة منهم الي

بلدهم «و قطع» اصحاب ابن زياد رأس المسيب بن نجبة و سليمان بن صرد فبعث بهما ابن زياد الي مروان بن الحكم او الي ولده عبدالملك في الشام. و قال اعشي همدان يذكر الوقعة و يرثي من قتل من التوابين من


قصيدة انتخبنا منها هذه الابيات:



الم خيال منك يا ام غالب

فحييت عنا من حبيب مجانب



فما انسي لا انس انتقالك في الضحي

الينا مع البيض الحسان [12] الخراعب



تراءت لنا هيفاء مهضومة الحشا

لطيفة طي الكشح ريا الحقائب



فتلك الهوي و هي الجوي لي و المني

فاحبب بها من خلة لم تصاقب



و لا يعبد الله الشباب و ذكره

و حب تصافي المعصرات الكواعب



فأني و ان لم انسهن لذاكر

رزيئة مخبات كريم المناصب



توسل بالتقوي الي الله صادقا

و تقوي الآله خير تكساب كاسب



و خلي عن الدنيا فلم يلتبس بها

و تاب الي الله الرفيع المراتب



تخلي عن الدنيا و قال اطرحتها

فلست اليها ما حييت بآيب



و ما انا فيما يكره [13] الناس فقده

و يسعي له الساعون فيها براغب



توجه من دون الثوية سائرا

الي ابن زياد في الجموع الكتائب [14]



بقوم هم اهل النقيبة و النهي

مصاليت انجاد سراة مناجب



مضوا تاركي رأي ابن طلحة حسبة

و لم يستجيبوا للأمير المخاطب



فساروا و هم ما [15] بين ملتمس التقي

و آخر مما جر بالأمس تائب



فلاقوا بعين الوردة الجيش فاصلا

اليهم [16] فحيوهم [17] ببيض قواضب






يمانية تذري الأكف و تارة

بخيل عتاق مقربات سلاهب



فجاءهم جمع من الشام بعده

جموع كموج البحر من كل جانب



فما برحوا حتي ابيدت سراتهم [18] .

فلم ينج منهم ثم غير عصائب



و غودر اهل الصبر صرعي فاصبحوا

تعاورهم ريح الصبا و الجنائب



واضحي الخزاعي الرئيس [19] مجدلا

كأن لم يقاتل مرة و يحارب



و رأس بني شمخ [20] و فارس قومه

شنوأة [21] و



التيمي [22] هادي

الكتائب

(و عمرو بن بشر و الوليد [23] .



و خالد [24]

و زيد بن بكر و الحليس بن غالب خ ل)



و ضارب من همدان كل مشيع

اذا شد لم ينكل كريم المكاسب



و من كل قوم قد اصيب زعيمهم

و ذو حسب في ذروة المجد ثاقب



ابوا غير ضرب يفلق الهام وقعه

و طعن باطراف الأسنة صائب



فياخير جيش للعراق و اهله

سقيتم روايا كل اسحم ساكب



فلا تبعدن فرساننا و حماتنا

اذا البيض ابدت عن خدام الكواعب



فان تقتلوا فالقتل اكرم ميتة

و كل فتي يوما لاحدي النوائب [25] .





پاورقي

[1] من بني‏تيم اللات بن ثعلبة «منه».

[2] الهادي العنق «منه».

[3] أشق خ ل نهد الشواء خ ل.

[4] قاري خ ل.

[5] الدرخ نحره خ ل.

[6] الفاسقين خ ل.

[7] الولد خ ل.

[8] نرضي به ذا النعم المفضالا خ ل.

[9] اللبات خ ل.

[10] والمقانب خ ل.

[11] قال في القاموس صندوداء موضع بالشام.

[12] الوسام خ ل.

[13] يکبر خ ل.

[14] الکباکب خ ل.

[15] من خ ل.

[16] عليهم خ ل.

[17] فحسوهم خ ل.

[18] جموعهم خ ل.

[19] هو سليمان بن صرد رحمه الله تعالي «منه».

[20] هو المسيب بن نجبة بالنون و الجيم و الباء الوحدة



المفتوحات الفزاري «منه».

[21] هو عبدالله بن سعد بن نفيل الازدي ازد شنوأة «منه».

[22] هو عبدالله بن وال بن تيم اللات بن ثعلبة «منه».

[23] هو الوليد بن عصير الکناني «منه».

[24] هو خالد بن سعد بن نفيل اخو عبدالله «منه».

[25] الشواعب خ ل.