بازگشت

استشهاد الأصحاب


وخطب فيهم خطبة أخري، وأتمّ عليهم الحجّة فما أفاد فيهم الكلام ثم أناخ راحلته، ودعي بفرس رسول الله (صلّي الله عليه وآله) المرتجز فركبه، فعند ذلك تقدّم عمر بن سعد وقال: يا دريد أدن رايتك ثم أخذ سهماً ووضعه في كبد القوس وقال: اشهدوا لي عند الأمير فأنا أول من رمي الحسين، فاقبلت السهام من القوم كأنها شآبيب المطر، فقال الحسين لأصحابه: قوموا رحمكم الله فإن هذه السهام رسل القوم إليكم.

فاقتتلوا ساعة من النهار حملةً وحملةً، فلما انجلت الغبرة وإذا بخمسين من أصحاب الحسين صرعي، فعند ذلك ضرب الحسين بيده علي لحيته الكريمة وقال: (اشتدّ غضبُ الله علي اليهود إذ جعلوا له ولدا، واشتدّ غضبه علي النصاري إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتدّ غضبه علي المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر، واشتدّ غضبه علي قوم اتّفقت كلمتهم علي قتل ابن بنت نبيهم، أما والله لا أجيبهم إلي شيء ممّا يريدون حتي ألقي الله وأن مخضّب بدمي).

ثم جعل أصحاب الحسين يبرزون واحداً بعد واحد، وكل من أراد منهم الخروج ودّع الحسين وقال السلام عليك يا أبا عبدالله. فيجيبه الحسين: وعليك السلام ونحن خلفك، ثم يتلو: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَي نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).

ولا يبرز منهم رجلٌ حتي يقتل خلقاً كثيراً من أهل الكوفة، فضيّقوا المجال علي الأعداء حتي قال رجل من أهل الكوفة يصفهم:

ثارت علينا عصابةُ أيديها علي مقابض سيوفها، كالأسود الضارية تحطّم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها علي الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها بين الورود علي حياض المنية، والاستيلاء علي الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت علي نفوس العسكر بحذافيرها).

ونعم ما قيل في حقّهم:



قـــــــومٌ إذا نـــــودوا لــــدفع ملمّةٍ

والخـــــيل بـــين مدَعّسٍ ومكردس



لبسوا القـلوب علي الدروع وأقبلوا

يـــــتهافتون عـــلي ذهاب الأنفس



وأقبل الحرّ بن يزيد الرياحي إلي عمر بن سعد وقال: يا عمر أمقاتل أنت هذا الرجل؟

قال: إي والله قتالاً أيسرهُ أن تطير الرؤوس وتطيح الأيدي.

فقال الحر: أفمالكم فيما عرضه عليكم رضي؟

قال عمر: أما لو كان الأمر لي لفعلت، ولكن أميرك أبي.

فاقبل الحرّ حتي وقف موقفاً من الناس، فأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس: ما تريد أن تصنع؟ أتريد أن تحمل عليه؟

فلم يجيبه الحر، وأخذه مثل الإفكل وهي الرعدة، فقال له المهاجر: إن أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قطّ مثل هذا، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، فما هذا الذي أراه منك؟!

فقال الحر: إني والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار؛ فوالله لا أختار علي الجنة شيئاً ولو قُطّعتُ وحُرّقت.

ثم ضرب فرسه قاصداً نحو الحسين ويده علي رأسه وهو يقول: اللهم إليك أنبتُ فتُبْ عليّ، فقد أرعبتُ قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيّك، فلما دني من الحسين قال له: من أنت؟ قال: جعلني الله فداك أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعتُ بك في هذا المكان، وما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون بك هذه المنزلة، وأنا تائبٌ إلي الله ممّا صنعتُ، فتري لي من ذلك توبة؟ قال: نعم يتوب الله عليك فانزل.

قال: أنا لك فارساً خير مني لك راجلاً أقاتلهم علي فرسي ساعة وإلي النزول يصير آخر أمري، فقال له الحسين: فاصنع رحمك الله ما بدا لك.

فاستقدم أمام الحسين فقال: (يا أهل الكوفة لأّمكم الهُبل والعبر أدعوتم هذا العبد الصالح حتي إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجّه إلي بلاد الله العريضة، فصار كالأسير المرتهن لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً، وحلأتموه ونساءه وصبيته عن ماء الفرات الجاري الذي تشربه اليهود والنصاري والمجوس، وتمرغ به خنازير السواد وكلابه، وها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلّفتم محمداً في ذريّته، لا سقاكم الله يوم الظمأ الأكبر).

فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل، فأقبل حتي وقف أمام الحسين واستأذن قائلاً: يابن رسول الله كنت أول خارجٍ عليك، فأذن لي لأكون أول قتيلٍ بين يديك، وأول من يصافح جدّك غداً، فأذن له الحسين فبرز مرتجزاً:



إنــــيّ أنا الحرّ ومأوي الضيف

أضـــرب فــي أعناقكم بالسيف



عن خير من حلّ بأرض الخيف

أضــــربكم ولا أري مــن حيف



وحمل عليهم وقتل منهم نيفاً وأربعين رجلاً، فعقروا فرسه فجعل يقاتلهم راجلاً، ثم شدّت عليه عصابة فقتلوه، فلما صرع وقف عليه الحسين ودمه يشخب، فجعل الحسين يمسح الدم والتراب عن وجهه وهو يقول: بخٍ بخٍ يا حر، أنت الحر كما سمّتك أمك، وقضي نحبه وحملته عشيرته ودفنته.

وبرز برير بن خضير الهمداني بعد الحر، وكان من عباد الله الصالحين فجعل يحمل عليهم ويقولك (اقتربوا مني يا قتلة أولاد رسول الله وذريته الباقين)، حتي قتل منهم ثلاثين رجلاً فخرج إليه يزيد بن المغفّل أو معقل، وقرّرا المباهلة إلي الله في أن يقتل المحقّ منهما المبطل، فقتله برير، ثم حمل عليه القوم وقتلوه رحمه الله.

ثم برز مسلم بن عوسجة وجعل يقاتلهم قتالاً شديداً، وبالغ في قتال الأعداء وصبر علي أهوال البلاء، حتي سقط صريعاً فمشي إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر وبه رمق من الحياة، فقال له الحسين: رحمك الله يا مسلم، فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً، ثم دن منه حبيب ابن مظاهر وقال: يعزّ والله عليّ مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة، فقال مسلم ـ بصوت ضعيف ـ: بشّرك الله بالخير، فقال حبيب: لو لا أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إليّ بكل ما أهمّك، فقال مسلم: أوصيك بهذا (وأشار إلي الحسين) قاتل دونه حتي تموت. فقال حبيب لأنعمنّك عينا.



نصــــروك أحياءً وعند مماتهم

يوصي بنصرتك الشفيق شفيقا



أوصــي ابن عوسجةٍ حبيباً قال

قـــاتل دونه حتي الحِمام تذوقا



ونادي أصحاب عمر بن سعد ـ مستبشرين ـ: قد قتلنا مسلم بن عوسجة، فصاحت جارية له وا سيّداه، يابن عوسجتاه.

فلما سمع ابنه ذلك دخل عند إمّه وهو يبكي فقالت: ما يبكيك؟ قال: أريد الجهاد، فقامت أمّه وشدّت سيفاً في وسطه وقالت: أبرز يا بني فإنك تجد رمحاً مطروحاً بين أطناب المخيّم. فخرج وأراد حمل الرمح فلم يتمكّن، وجعل يسحبه علي الأرض سحباً، فبصر به الحسين فقال: إن هذا الشاب قد قتل أبوه في المعركة وأخاف أمّه تكره برازه فقال الغلام: يا سيدي إنّ أمي ألبستني لامة حربي فبرزَ مرتجزاً:



أميــــري حســــين ونعم الأمير

ســـــرور فـــؤاد البشير النذير



عــــــليّ وفــــــاطمـــــة والداه

فهــــــل تــــعلمون له من نظير



لـــه طـلعة مثل شمس الضحي

لـــــه غـــــرّةٌ مـــــثل بدرٍ منير



فقاتل حتي قتل فاحتزوا رأسه، ورموا بالرأس نحو معسكر الحسين، فأخذت ا مه رأسه وقالت: أحسنت يا بني يا سرور قلبي يا قرّة عيني، ثم رمت براس ولدها وأخذت عمود الخيمة وحملت عليهم وهي تقول:



أنـــــا عـــــجوز سيدي ضعيفة

خــــــاوية بــــــالية نحـــــــيفة



أضـــــربكم بضــــــربةٍ عنــيفة

دون بــــــني فـــاطمة الشريفة



فأمر الحسين بصرفها ودعا لها.

ثم برز وهب بن عبدالله الكلبي، وكان نصرانياً ومعه أمه وزوجته فأسلموا علي يد الحسين في أثناء الطريق ورافقوه إلي كربلاء، فأقبلت أمه وقالت: يا بني قٌم وانصُر ابن بنت رسول الله.

فقال: أفعل يا أماه ولا أقصّر، فبرز وهو يقول:



إن تنـــــكروني فأنا ابن الكلبي

ســـوف تروني وترون ضربي



وسطوتي وجولتي في الحرب

فقتل جماعة منهم، ثمّ رجع إلي أمّه وقال: يا أماه ارضيِ عنّي؟

فقالت: ما رضيتُ حتي تقتل بين يدي الحسين، فقالت امرأته: بالله عليك لا تفجعني في نفسك، فقالت أمه: أعزب عنها ولا تقبل قولها، وارجع وقاتل بين يدي ابن بنت رسول الله تنل شفاعة جدّه يوم القيامة.

فرجع فلم يزل يقاتل حتي قتل تسعة عشر فارساً وعشرين راجلاً، ثم قطعت أصابع يده، وأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك أبي وأمي! قاتل دون الطيّبين حرم رسول الله، فاقبل كي يردّها إلي النساء فأخذت بجانب ثوبه وقالت: لن أعود أو أموت معك، فقال لها: كنت تنهينني عن القتال والآن تحرّضينني؟ قالت: يا وهب لقد عفتُ الحياة منذ سمعت نداء الحسين ينادي وا غربتاه وا قلّة ناصراه، أما من ذابّ يذبّ عنّا؟ أما من مجير يجيرنا؟

ثم استعان وهب بالحسين وقال سيدي ردّها، فقال الحسين: جزيتم من أهل بيت خيراً، إرجعي إلي النساء يرحمك الله، فانصرفت، وقتل وهب ورموا برأسه إلي عسكر الحسين، فأخذت أمّه الرأس فقبّلته وجعلت تمسح الدم من وجهه وهي تقول: الحمد لله الذي بيّض وجهي بشهادتك ـ يا ولدي ـ بين يدي أبي عبدالله الحسين. ثم رمت بالرأس وأخذت عمود الخيمة فقال لها الحسين: ارجعي يا أم وهب أنت وابنك مع رسول الله (صلّي الله عليه وآله).

فذهبت امرأته تمسح الدم والتراب عن وجهه وهي تقول: هنيئاً لك الجنّة. فبصر بها شمرٌ فأمر غلامه فضربها بعمود فقتلها، هي أول امرأة قتلت في عسكر الحسين.

ولم يزالوا كذلك حتي دخل وقت الظهر، فجاء أبو تمامة الصيداوي وقال: يا أبا عبدالله أنفسنا لنفسك الفداء، هؤلاء اقتربوا منك، لا والله لا تقتل حتي أقتل دونك... وأحبّ أن ألقي الله عزّ وجلّ وقد صلّيت هذه الصلاة معك.

فرفع الحسين رأسه إلي السماء وقال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين، نعم هذا أول وقتها، ثم قال (عليه السلام): سلوا هؤلاء القوم أن يكفّوا عنّا حتي نصلّي، فأذّن الحسين بنفسه، وقيل: أمر مؤذّنه ليؤذّن، ثم قال الحسين: ويلك يابن سعد أنسيت شرائع الإسلام؟ اقصر عن الحرب حتي نصلّي وتصلّي بأصحابك ونعود إلي ما نحن عليه من الحرب، فاستحي ابن سعد أن يجيبه، فناداه الحصين ابن نمير ـ عليه اللعنة ـ قائلاً: صلّ يا حسين ما بدا لك فإن الله لا يقبل صلاتك.

فأجابه حبيب بن مظاهر: ثكلتك أمك، ابن رسول الله صلاته لا تقبل وصلاتك تقبل يا خمّار؟!

فقال الحسين لزهير بن القين وسعيد بن عبدالله: تقدّما أمامي حتي أصلّي الظهر. فتقدّما أمامه في نحو نصفٍ من أصحابه حتي صلّي بهم صلاة الخوف، وسعيد تقدّم أمام الحسين فاستهدف لهم فجعلوا يرمونه بالنبال كلّما أخذ الحسين يميناً وشمالاً قام بين يديه فما زال يرمي إليه حتي سقط علي الأرض وهو يقول: اللهم العنهم لعن عادٍ وثمود، اللهم أبلغ نبيّك عني السلام. وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإنني أردت بذلك نصرة ذرّية نبيّك ثم مات رحمه الله.

وخرج حبيب بن مظاهر وودع الحسين وجعل يقاتل وهو يقول:



أنا حبيـــــــب وأبـــــي مــظاهر

فـــــارس هيجاء وحرب تسعر



أنــــــتم عـــــدّ عــــــــدّة وأكثر

ونحـــــــن أوفــي منكم وأصبر



وأنـــــــتم عــــــند الوفاء أغدر

ونحــــــن أعـــلي حجّة وأظهر



فقتل اثنين وستين فارساً ثم قتل فبان الانكسار في وجه الحسين، فقال الحسين: لله درّك يا حبيب لقد كنت فاضلً تختم القرآن في ليلة واحدة.

وتقدّم زهير بن القين وقاتل قتالاً لم ير مثله، ثم رجع ووقف أمام الحسين وجعل يضرب علي منكب الحسين ويقول:



فدتــــــك نـــــفسي هادياً مهديّاً

اليــــــوم ألقـــــي جــــدّك النبيّا



وحسنا والمرتضي عليّا

إلي آخر أبياته، فكأنّه ودّع الحسين وعاد يقاتل حتي قتل مائة وعشرين رجلاً، ثم قتل رحمه الله، ووقف عليه الحسين وقال: لا يبعدك الله يا زهير، ولعن قتلك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير.

وجاء عابس بن شبيب الشاكري ومعه شوذب مولي آل شاكر، فقال عابس: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع اليوم؟

فقال: ما اصنع! أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله حتي اقتل، فقال له عابس: ذلك الظنّ بك، أما الآن فتقدّم بين يدي أبي عبدالله حتي يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه وحتي أحتسبك أنا، فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب.

فتقدم شوذب واستأذن وقاتل وقتل.

وتقدّم عابس إلي الحسين سلّم عليه وقال: يا أبا عبدالله، والله ما أمسي علي وجه الأرض قريب أو بعيد أعز عليّ ولا أحبّ إليّ منك ولو قدرت أن أدفع عنك الضيق أو القتل بشيء أعزّ علي من نفسي ودمي لفعلته، السلام عليك يا أبا عبدالله، إشهد أني علي هداك وهدي أبيك، ثم مشي بالسيف مصلتاً نحو القوم.

فصاح رجل من أهل الكوفة: هذا أسد الأسود هذا ابن شبيب. فأخذ عابس ينادي: إلا رجل ألا رجل؟ فلم يتقدّم إليه أحد، فنادي عمر بن سعد:

إرضخوه بالحجارة، فرمي بالحجارة من كلّ جانب، فلما رأي ذلك ألقي درعه ومغفره خلفه، ثم شدّ علي الناس.

قال الراوي: فوالله لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من الناس، حتي اثخنه بالجرح ضرباً وطعناً ورمياً وقتلوه رضوان الله عليه.

وأقبل جون مولي أبي ذر الغفاري يستأذن في القتال، فقل الحسين: يا جون أنت في إذن مني فإنما تبعتنا طلباً للعافية، فلا تبتل بطريقنا، فقال جون: يابن رسول الله أنا في الرخاء الحسُ قِصاعَكم وفي الشدّة أخذلكم؟! والله إنّ ريحي لنتن، وإن حسبي للئيم، وإن لوني لأسود، فتنفّس عليّ بالجنة فتطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيّض وجهي، لا والله لا أفارقكم حتي يختلط هذا الدم الأسود مع دماءكم.

فأذن له الحسين فبرز يرتجز ويقول:



كيــــــف يري الكفّار ضرب الأسود

بالمـــــشرفيّ والقــــــنا المـــــسدّد



يذبّ عـــــــن آل النــــــبي أحـــــمد

يــــــذبّ عنــــــهم بـــاللسان واليد



فقتل خمساً وعشرين رجلاً ثم قتل، فوقف عليه الحسين وقال: اللهم بّيض وجهه وطيّب ريحه، واحشره مع الأبرار، وعرّف بينه وبين محمد وآل محمد.

وخرج غلام تركي وهو يقول:



البــحر من طعني وضربي يصطلي

والجوّ مـــــن نبلي وسهمي يمتلي



إذا حســــــامي فــــي يميني ينجلي

ينــــــشقّ قــــلب الحاســـد المبخل



فقتل جماعة ثم سقط فجاءه الحسين وبه رمق يومي إلي الحسين، فبكي الحسين وبه رمق يومي إلي الحسين، فبكي الحسين واعتنقه ووضع خدّه علي خدّه، ففتح الغلام عينيه وتبسّم وفاضت نفسه.

ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي وقال للحسين: يا أبا عبدالله جعلتُ فداك هممت أن الحق بأصحابك وكرهت أتخلّف فأراك وحيداً من أهلك قتيلاً، فقال له الحسين: تقدّم فإنا لاحقون بك عن ساعة، فقاتل حتي قتل، وبرز ابنه خالد مرتجزاً فقاتل حتي قتل.

ثم جاء حنظلة بن اسعد الشبامي فوقف بين يدي الحسين يقيه السهام والرماح بوجهه ونحره.

فقال له الحسين: يابن أسعد إنهم استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق. فقال: صدقت جعلت فداك أفلا نروح إلي الآخرة ونلتحق بإخواننا؟

فقال له الحسين: بلي، رح إلي ما هو خير لك من الدنيا وما فيها وإلي ملك لا يبلي، فقال: السلام عليك يا أبا عبدالله، صلي الله عليك وعلي أهل بيتك، عرّف الله بيننا وبينك في الجنّة، فقال الحسين: آمين آمين.

فاستقدم وقاتل قتال الأبطال وصبر علي احتمال الأهوال حتي قتل.

فبرز سعد بن حنظلة التميمي، وقاتل قتال الأسد الباسل، وبالغ في الصبر علي الخطب النازل، حتي سقط صريعاً بين القتلي وقد اثخن بالجراح، فلم يزل كذلك وليس به حراك حتي سمعهم يقولون: قتل الحسين فتحامل، وأخرج سكّيناً من خُفّه وجعل يقاتلهم بها حتي قتل.

وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري فاستأذن الحسين فأذن له، فقاتل قتال الأسد الباسل، وكان لايأتي إلي الحسين سهم إلا اتقّاه بيده، ولا سيف إلا تلقّاه بمهجته، فلم يكن يصل إلي الحسين سوء حتي اثخن بالجراح. فالتفت إلي الحسين وقال: يابن رسول الله أوفيت؟ فقال الحسين: نعم، أنت أمامي في الجنة، فاقرأ رسول الله عني السلام وأعلمه أني في الأثر.

وبرز جابر بن عروة الغفاري، وكان شيخاً كبيراً قد شهد مع رسول الله (صلّي الله عليه وآله) بدراً وحنيناً، فجعل يشدّ وسطه بعمامة، ثم شدّ جبينه بعصابة ثم رفعهما عن عينيه والحسين ينظر إليه ويقولك شكر الله سعيك يا شيخ، فبرز وقاتل حتي قتل ثمانين رجلاً، ثم قتل.

وبرز عبدالله وعبد الرحمن الغفاريان فقالا: السلام عليك يا أبا عبدالله أحببنا أن نقتل بين يديك فقال (عليه السلام): مرحباً بكما أدنوا مني؛ فدنوا منه وهما يبكيان فقال: يا بني أخي ما يبكيكما؟ فوالله أني ارجوا أن تكونا بعد ساعة قريري العين؟

فقالا: جعلنا الله فداك والله ما علي أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك، نراك قد أحيط بك ولا نقدر أن ننفعك، فقال الحسين: جزاكما الله يا بني أخي بوجدكما ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أفضل جزاء المتقين، ثم استقدما وقالا: السلام عليك يابن رسول الله، فقال: وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته، وقاتلا حتي قتلا.