بازگشت

خطاب الحسين في القوم


فجعل القوم يرمونه بالسهام فرجع برير إلي ورائه، فتقدّم الحسين نحو القوم، ثم نادي بأعلي صوته: يا أهل العراق ـ وكلهم يسمعون ـ فقال: (أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتي أعظكم بما يحقّ لكم عليّ، وحتي أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك سعداء وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فأجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غُمّة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون، إنّ وليّي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّي الصالحين.

ثم حمد الله وأثني عليه وذكره بما هو أهله، وصلي علي النبي وآله وعلي الملائكة والأنبياء، فلم يسمع متكلّم قط قبله ولا بعده أبلغ منه في المنطق.

ثم قال: أما بعد يا أهل الكوفة فانسبوني فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم فعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟

الستُ ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأول مصدّق لرسول الله (صلّي الله عليه وآله) بما جاء به من عند ربّه؟

أو ليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟

أو ليس جعفر الطيّار في الجنة بجناحين عمّي؟

أو لم يبلغكم ما قال رسول الله لي ولأخي: (هذان سيدا شباب أهل الجنة).

فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحق، والله ما تعمّدتُ كذبً منذ علمتُ أن الله يمقت عليه أهله، وإن كذّبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الأنصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي؛ وزيد بن أرقم؛ وأنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي... أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟ يا قوم فإن كنتم في شكٍ من ذلك، أفتشكّون أني ابن بنت نبيّكم فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم! أتطالبوني بقتيل منكم قتله أو مالٍ استملكته، أو بقصاص من جراح؟

فأخذوا لا يكلّمونه، ونادي بأعلي صوته فقال: أنشدكم الله هل تعرفونني؟

قالوا: نعم أنت ابن رسول الله وسبطه.

فقال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت رسول الله؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم هل تعلمون أن جدّتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاماً؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيّار في الجنّة عمّي؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله أنا متقلّده؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله أنا لابسها؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن علياً كان أول القوم إسلاماً وأعلمهم عِلماً وأعظمهم حلما، وانه ولي كل مؤمن ومؤمنة؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: فبم تستحلّون دمي وأبي الذائدُ عن الحوض يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادر عن الماء، ولواءُ الحمد في يد أبي يوم القيامة؟!

قالوا: قد علمنا ذلك كلّه ونحن غير تاركيك حتي تذوق الموت عطشانا).

فلما خطب بهذه الخطبة وسمعت بناته وأخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن خدودهن، وارتفعت أصواتهن، فوجّه إليهن أخاه العباس وابنه عليّاً، وقال لهما: أسكتاهنّ فلعمري ليكثرن بكاؤهن.