بازگشت

خطاب الإمام الحسين في أصحابه


وجمعهم الحسين وقام فيهم خطيباً وقال: أما بعد: فإني لا أعلم أصحاباً أوفي ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل ولا أفضل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً عنّي خيراً، فلقد بررتم وعاونتم، ألا: وإني لا أظن يوماً لنا من هؤلاء الأعداء إلا غداً، ألا: وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلٍّ من بيعتي ليس عليكم مني حرج ولا ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرّقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنهم لا يريدون غيري.

فقال له اخوته و أبناؤه و أبناء عبدالله بن جعفر:و لِمَ نفعل ذلك؟ لنبقي بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبدا، وتكلّم اخوته وجميع أهل بيته فقالوا: يابن رسول الله: فما يقول لنا الناس وماذا نقول لهم؟ نقول: إنا تركنا شيخنا وكبيرنا وابن بنت نبيّنا لم نرم معه بسهم، ولم نطعن معه برمح، ولم نضرب معه بسيف لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبداً، ولكن نقيك بأنفسنا حتي نقتل بين يديك ونرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك.

ثم قام مسلم بن عوسجة وقال: نحن نخلّيك هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك هذا العدو؟! لا والله لا يراني الله وأنا أفعل ذلك حتي أكسر في صدورهم رمحي، وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، ولا أفارقك حتي أموت معك.

وقام سعد بن عبدالله الحنفي فقال: لا والله يابن رسول الله لا نخلّيك أبداً حتي يعلم الله أنا قد حفظنا فيك وصيّة رسوله محمد، ولو علمت أني أقتل فيك ثم أحيي، ثم أحرق احياً، ثم أذري ويفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتي ألقي حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة، ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟

ثم قام زهير بن القين فقال: والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت ثمّ نشرت ألف مرة وإن الله قد دفع القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من اخوتك وولدك وأهل بيتك.

وقام الأصحاب وتكلّموا بما تكلّموا، فلما رأي الحسين ذلك منهم قال لهم: إن كنتم كذلك فارفعوا رؤوسكم وانظروا إلي منازلكم.

فكشف لهم الغطاء ـ بإذن الله ـ ورأوا منازلهم وحورهم وقصورهم، فقال لهم الحسين: يا قوم إني غداً أقتل وتقتلون كلكم معي، ولا يبقي منكم واحد.

فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرّفنا بالقتل معك، أو لا ترضي أن نكون في درجتك يابن رسول الله؟

فقال: جزاكم الله خيراً.

فقال له القاسم بن الإمام الحسن المجتبي: وأنا في يمن يُقتل؟ فاشفق عليه الحسين وقال: يا بني كيف الموت عندك؟

قال: يا عمّ فيك أحلي من العسل.

فقال الحسين: إي والله ـ فداك عمّك ـ إنك لأحدُ من يقتل من الرجال معي، بعد أن تبلوا بلاءً حسناً، ويقتل ابني عبدالله.

فقال: يا عمّ ويصلون إلي النساء حتي يقتل وهو رضيع؟

فقال الحسين: أحمله لأدنيه من فمي فيرميه فاسق فينحره.

ثم قال الحسين: ألا ومن كان في رَحْلهِ امرأة فلينصرف بها إلي بني أسد.

فقام علي بن مظاهر وقال: لماذا يا سيدي؟

فقال: إنّ نسائي تُسبي بعد قتلي، وأخاف علي نسائكم من السبي، فمضي علي بن مظاهر إلي خيمته فقامت زوجته واستقبلته وتبسّمت في وجهه، فقال لها: دَعيني والتبسّم فقالت: يابن مظاهر إني سمعتُ غريب فاطمة طب فيكم خطبة وسمعت في آخرها همهمة ودمدمة فما علمتُ ما يقول؟

قال: يا هذه إن الحسين قال لنا: ألا ومن كان في رحله امرأة فليذهب بها إلي بني أسد، لأني غداً اقتل ونسائي تسبي.

فقالت: وما أنت صانع؟

قال: قومي حتي ألحقك ببني عمّك. فقامت ونطحت رأسها بعمود الخيمة وقالت: والله ما أنصفتني يابن مظاهر أيسرّك أن تسبي بنات رسول الله وأنا آمنة من السبي؟ أيسرّك أن يبيّض وجهك عند رسول الله ويسوّد وجهي عند فاطمة الزهراء؟ والله أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء. فرجع علي بن مظاهر إلي الحسين وهو يبكي فقال الحسين: ما يبكيك؟ قال: يا سيدي أبتِ الأسدية إلا مواساتكم، فبكي الحسين وقال: جُزيتم منّا خيراً.