شريحة المتخلفين عن الصراع
و في كل صراع ثلاثة أطراف، الطرفان المتصارعان و الطرف المتفرج المتخلف، و الطرف الثالث أكثر تعقيدا من الطرفين الآخرين المتقاتلين في ساحة الصرع و القتال، و فهم هذا الطرف«المتفرج»علي الساحة أشق من فهم الطرفين الآخرين.
و قد أعطي القرآن الكريم اهتماما كبيرا بتحليل هذا الطرف بالذات، و الآية المباركة التي صدرنا بها الحديث من سورة التوبة المباركة واحدة من الآيات القرآنية في استعراض و تحليل هذه الشريحة المتخلفة من المجتمع الاسلامي يومذاك.
و نحن في هذه الدراسة نحاول أن نستغرض نموذجا من المتخلفين عن ثورة الحسين عليه السلام ندرس و نحلل مواقفهم.
و لا يكاد يختلف المتخلفون عن معركة«الطف»عن المتخلفين عن معركة«حنين»في عهد رسول الله صلي الله عليه وآله الا أن تبوك تدور حول محور«التنزيل»و الطف تدور حول محور«التأويل».
و الصراع هو الصراع، ليس علي أرض، و لا علي مال، و انما هو صراع حضاري حول الاسلام و الجاهلية، و تعود الجاهلية هذه المرة بعد أن انكسرت
شوكته، في بدر، و احد، و الأحزاب، و حنين، و من داخل صفوف المسلمين لتعاود الصراع مع الاسلام بتحريف الاسلام عن مسيره الصحيح و تشويه مفاهيمه و أفكاره و اصوله والدس فيه.
و الصراع هذه المرة كأي صراع حضاري يحمل نفس الضراوة و العنف و لا يقبل الهدنة و لا الصلح.
و لما كان الصراع في الطف نفس الصراع في حنين فان المتخلفين هنا هم من شريحة المتخلفين هناك، و المواقف نفس المواقف، والقوانين و السنن في هؤلاء و اولئك نفسها، و لنتأمل في نموذج من هؤلاء المتخلفين عن الحسين عليه السلام.