بازگشت

الفاصل الحضاري بين المعسكرين في عاشوراء


لقد كانت الجبهتان المتصارعتان في كربلاء متميزتين في انتهائهما لمحور


الولاية الالهية، و الطاغوت، و لم يكن الأمر يخفي علي أحد.

(لقد مضي أصحاب الحسين عليه السلام ليلة العاشر و لهم دوي كدوي النحل، بين قائم و قاعد و راكع و ساجد). [1] .



سمة العبيد من الخشوع عليهم

لله أن ضمتهم الأسحار



و اذا ترجلت الضحي شهدت لهم

بيض القواضب انهم أحرار



و تقول فاطمة بنت الحسين: (و أما عمتي زينب فانها لم تزل قائمة في تلك الليلة في محرابها تستغيث الي ربها... والله، فما هدأت لنا عين و لا سكنت لنا رنة). [2] .

كذلك كان الأمر في معسكر الحسين عليه السلام الشوق الي لقاء الله و الاعراض عن الدنيا و زخرفها، و الانقطاع عن الدنيا الي الله حتي لقد كان بعضهم يداعب أصحابه و يمازحهم في الليلة العاشرة فقد هازل برير عبدالرحمن الأنصاري رحمه الله.

فقال له عبدالرحمن: (ما هذه ساعة باطل. فقال برير: لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلا و لا شابا، ولكني مستبشر بما نحن لاقون والله ما بيننا و بين الحور العين، الا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم... و لوددت أنهم مالوا علينا الساعة). [3] .

و الطرف الآخر في هذه المعركة كان همه ما يصيب من الذهب و الفضة و الامارة و الجائزة في قتال ابن بنت رسول الله.

فقد تولي عمر بن سعد أمر قتال ابن بنت رسول الله طمعا في امارة الري.


يقول اليافعي: (و وعد الأمير المذكور (عمر بن سعد) أن يملكه مدينة الري، فباع الفاسق الرشد بالغي و فيه يقول:



أأترك ملك الري و الري بغيتي

و أرجع مأثوما بقتل حسين



ثم يقول: (و حز رأس الحسين بعض الفجرة و الفاسقين و حمله الي ابن زياد و دخل به عليه و هو يقول:



أوقر ركابي فضة أو ذهبا

اني قتلت الملك المحجبا



قتلت خير الناس أما و أبا

و خيرهم اذ يذكرون نسبا



فغضب ابن زياد من قوله و قال له: (اذا علمت أنه كذلك فلم قتلته؟ والله لا سلمت مني خيرا أبدا). [4] .

و يتبجح الأخنس بن مرثد الخضرمي في رضه للأجساد الطاهرة بعد استشهادهم و هو يعلم أنه يعصي الله تعالي في طاعة أميره و يقول كما يروي الخوارزمي:



نحن رضضنا الظهر بعد الصدر

بكل يعبوب شديد الأسر



حتي عصينا الله رب الأمر

بصنعنا مع الحسين الطهر [5] .



لقد كان هم الحسين و أصحابه في كربلاء مرضاة الله و لقاء الله... و كان هم جند ابن زياد، ما يدفع لهم الأمير من الجائزة و الامارة و الذهب و الفضة.

لم يكن في الأمر اذن أي خفاء. و جميع الذين عاصروا المعركة أو شاهدوها أو وقفوا عليها من قريب أو بعيد... كانوا يميزون فيها الحق من الباطل، و دعوة الله عن دعوة الطاغوت.


و لم يتخلف أحد عنها عن جهل أو لبس، و انما عن ايثار العافية و الراحة علي القتل في سبيل الله... و لم يشهر أحد فيها السيف علي ابن رسول الله عن لبس أو جهل... و انما عن وضوح و علم بأنهم يحاربون الله و رسوله و أوليائه بقتال الحسين عليه السلام.

و هذا الوضوح في ساحة المعركة يجعل معركة الطف معركة متميزة من بين سائر المواقع التاريخية... أنها تعكس صورة صارخة من صراع الحق و الباطل، و مجابهة بين الولاء الله و الولاء و الطاغوت. و لذلك كانت هذه المعركة رمزا خالدا للصراع بين الحق و الباطل. و مسرحا للولاء و البراءة، في حياة المؤمنين.

ان وقعة الطف لا تبقي مجالا لأحد في التردد و التأمل.

فهي المواجهة الصارخة بين الحق و الباطل، و جند الله و جند الشيطان، و الهدي و الضلال...

... فلابد من موقف محدد واضح في هذه القضية... فان لم يكن هذا الموقف موقف الولاء لجند الله و البراءة من أعدائهم... فهو لا محالة موقف الرضي بفعل يزيد و جنده، و هو الموقف الذي يستحق اللعن و الطرد من رحمة الله، ففي زيارة وارث:

(فلعن الله امة قتلتك

و لعن الله أمة ظلمتك

و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت به). [6] .

ان فقدان الموقف في عاشوراء هو بنفسه الموقف الرافض. فمن لم يقف مع الحسين عليه السلام يوم استنصر المسلمين، و خذله، فلابد أن يكون راضيا بفعل يزيد،


و لو لم يكن راضيا بفعل يزيد، لما أبطأ عن تلبية دعوة الحسين و نصرته.


پاورقي

[1] مقتل الحسين للسيد عبدالرزاق المقرم: ص 238.

[2] مثير الأحزان: ص 56.

[3] تاريخ الطبري: 6 ص 241.

[4] انظر مرآة الجنان لليافعي 132 / 1. روايات السيد المهزبان.

[5] مقتل الحسين للخطيب الخوارزمي 39 / 2.

[6] زيارة وارث.