بازگشت

المضمون الحركي لخطاب الاستنصار الحسيني


و الدلالة الاخري لخطاب الاستنصار الحسيني هي الدلالة الحركية.

و لتوضيح ذلك لابد أن نرسم الاطار العام لخروج الحسين عليه السلام و عناصر هذا الاطار ثلاثة.

1- رفض البيعة ليزيد: و قد أعلن السحين عليه السلام رفضه لبيعة يزيد عندما أرسل


الوليد والي بني امية في المدينة، يطالبه بالبيعة بعد هلاك معاوية، و كان ذلك بحضور مروان بن الحكم، فامتنع الحسين عليه السلام من البيعة، و قال مثلي لا يبايع سرا فاذا دعوت الناس دعوتنا معهم.

فاقتنع الوليد، لكن مروان ابتدره قائلا: ان فارقك الساعة، و لم يبايع لم تقدر منه علي مثلها حتي تثكر القتلي بينكم، ولكن احبس الرجل حتي يبايع أو تضرب معهم.

فقال الحسين عليه السلام يابن الزرقاء [1] أنت تقتلني أم هو، كذبت و أثمت.

ثم أقبل علي الوليد، و قال أيها الأمير: انا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، بنا فتح الله و بنا يختم، و يزيد رجل شارب الخمور، و قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، و مثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح و تصبحون. [2] .

و في كربلاء خطب الحسين عليه السلام و قال:«ان الدعي ابن الدعي قد خير بين السلة و الذلة، و هيهات منا الذلة يأبي الله لنا ذلك و رسوله و حجور طابت و طهرت».

2- اعلان الرفض: لم يتكتم الحسين عليه السلام برفضه البيعة، و عرف الناس جميعا ان الحسين عليه السلام ممتنع عن البيعة و نصحه بعض الناس بالبيعة و آخرون أن يخفي نفسه عن الأمصار.

ولكن الحسين عليه السلام أعلن أنة يرفض البيعة و يريد الخروج الي مكة، و ترك وصيته الي بني هاشم و كافة المسلمين عند أخيه محمد بن الحنفية و غادر المدينة


الي مكة، سالكا الطريق العام الذي يسلكه الناس، و يراه الناس فيه، فقيل له لو تنكبت الطريق الأعظم، كما فعل ابن الزبير قال لا والله لا افارقه حتي يقضي الله ما هو قاض. [3] .

و دخل مكة، و هو يقرأ:

(و لما توجه تلقاء مدين قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل) [4] .

و نزل دار العباس بن عبدالمطلب [5] ، و اختلف اليه أهل مكة و من بها من المعتمرين و أهل الآفاق، و كان ابن الزبير يأتي الي الحسين عليه السلام فيمن يأتيه.

و كان بامكان الحسين عليه السلام أن يأخذ بنصيحة من ينصحه، باخفاء نفسه، فيخفي نفسه عن الأنظار، و يذهب الي بعض الثغور، و يبتعد عن الأضواء، و بذلك يسلم من أذي بني امية و كيدهم، و كان لا يخفي هذه الوجه علي الحسين عليه السلام، كما صرح بذلك لجملة من الذين نصحوه، ولكنه أصر أن يرفض البيعة، و أصر أن يعلن رفضه، و يبقي تحت الأضواء، و يصارح الناس برأيه في يزيد و بيعته، و بأنه أحق بذلك من كل انسان آخر علي وجه الأرض.

3- الخروج و الثورة: و أصر الحسين عليه السلام بعد ذلك أن يخرج من الحجاز الي العراق ليواجه فيه بني امية:

و اذا أنعمنا النظر في كلمات اولئك الذين نصحوا الحسين عليه السلام بالامتناع عن الخروج الي العراق نجد أن كلامهم يتضمن ثلاث نقاط.

الاولي: ان خروج الحسين عليه السلام الي العراق بمعني الثورة [6] و المواجهة


بعينها لنظام بني امية.

و الثانية: ان شيعة الحسين عليه السلام في العراق اذا وفوا للحسين عليه السلام بعهودهم و مواثيقهم، فلن يستطيعوا أن يدفعوا عن الحسين عليه السلام كيد بني امية و مكرهم و شرهم، و لن يغلبوا سلطان بني امية علي العراق.

و الثالثة: و بناء علي ذلك فان الحسين عليه السلام اذا خرج الي العراق فهو مقتول لا محالة.

و لم تكن هذه الحقائق تخفي علي الامام عليه السلام، و لم يكن يجهل الامام عليه السلام ان خروجه الي العراق بمعني الخروج علي سلطان بني امية علانية، و لم تكن تخفي علي الحسين عليه السلام عاقبة هذا الخروج.

و لا يصح ما يرويه بعض الناس أن الحسين عليه السلام طلب منهم أن يخلوا له الطريق الي بعض الثغور، بعيدا عن الأضواء، و بعيدا عن التصدي و المواجهة، فلا يعطيهم يده للبيعة و لا يتصدي للخروج و المواجهة.

روي الطبري و ابن الأثير عن عقبة بن سمعان أنه قال: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة الي مكة و من مكة الي العراق، و لم افارقه حتي قتل عليه السلام، و ليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة، و لا بمكة، و لا في الطريق و لا بالعراق، و لا في معسكر الي يوم قتله الا و قد سمعتها. لا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس و ما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، و لا أن


يسيروه الي ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال:«دعوني في هذه الأرض حتي ننظر ما يصير أمر الناس». [7] .

و كان من رأي محمد بن الحنفية أن يخفي الحسين عليه السلام نفسه عن الأنظار، و يبتعد عن أجواء المواجهة و التصدي، و يلتحق بالجبال و شعب الجبال، و يخرج من بلد الي آخر، حتي ينظر ما يصير اليه أمر الناس. [8] .

فأبي الحسين عليه السلام و أصر علي الخروج و نصحه ابن عباس أن يسير الي اليمن، فان بها حصونا و شعابا و هي أرض عريضة طويلة، و لأبيه عليه السلام بها شيعة، و هو عن الناس في عزلة.

فقال له الحسين عليه السلام:«يابن العلم اني والله أعلم انك ناصح مشفق، و قد أزمعت علي المسير». [9] .

اذن فان الحسين عليه السلام كان يقصد الخروج و يريده، و هو علي بكل لوازمه و تبعاته و عواقبه.

هذا هو الاطار العام لحركة الامام الحسين عليه السلام و موقفه من المدينة الي كربلاء، و في هذا الاطار نستطيع أن نفهم خطاب الاستنصار الحسيني.

ان الحسين يعلم أنه ان خرج الي العراق يقتل لا محالة، و كل القرائن و الدلائل تشير الي هذه الحقيقة.

اذن فان الحسين عليه السلام يطلب النصر بالقتل و الدم. و لم يكن يفطن يومئذ ابن عباس و عبدالله بن جفعر الطيار و محمد بن الحنفية لهذه الوسيلة التي اتخذها


الحسين عليه السلام يومئذ طريقا الي النصر.

لقد كان الحسين عليه السلام شاهدا لنجاح المؤامرة الاموية التي قادها آل أبي سفيان للانقلاب علي الأعقاب... و قد فقدت الامة في عرضها العريض حصانتها تجاه هذه المؤامرة، و عاد الضمير الاسلامي لا يملك الدرجة الكافية من المناعة و المقاومة. و لا يختلف في ذلك أهل العراق عن أهل الشام، و أهل مصر عن أهل الحجاز، فأراد الحسين عليه السلام أن يحدث هزة بشهادته و شهادة الثلة الطيبة من أهل بيته و أصحابه في ضمير الاسلامي، و يعيد اليهم ما سلبه منهم آل أبي سفيان من ضمائرهم و عزائمهم و رشدهم.

و قد كان الذي يريده الحسين عليه السلام بمصرعه و مصرع أهل بيته و أصحابه و المأساة التي يتناقلها أهل السير فأحدث في الضمير الاسلامي هزة عنيفة، و صحوة ضمير كانت مبدأ كثير من البركات و الثورات و الوعي و اليقظة السياسية في تاريخ الاسلام.


پاورقي

[1] الزرقاء جدة مروان و کانت من البغايا المعروفات. الفخرية: 88.

[2] مقتل الحسين للسيد عبدالرزاق المقرم، عن الطبري و ابن الأثير، و الارشاد، و أعلام الوري، و مثير الأحزان لابن نما الحلي.

[3] ارشاد المفيد.

[4] القصص / 22.

[5] تاريخ ابن العساکر 328: 4.

[6] انظر نصيحة محمد بن الحنفية للحسين عليه‏ السلام في المدينة - الکامل في التاريخ لابن الأثير 7: 4، و نصيحته له في مکة - البحار 44: و نصيحة عبدالله بن جعفر الطيار له بالامتناع عن الخروج الي العراق - الطبري 219: 6، و نصيحة عبدالله بن العباس له - الکامل في التاريخ لابن الأثير 16: 4، و نحن نشک في صدق کل هؤلاء في نصيحتهم للحسين عليه‏ السلام، و لا نشک أن الحسين عليه‏ السلام لم يکن يخفي عليه هذا الوجه من الرأي.

[7] تاريخ الطبري 314: 7، و الکامل في التاريخ لابن الأثير 15: 4.

[8] تاريخ الطبري 191: 6، و أنساب الأشراف 15: 4.

[9] الکامل في التاريخ لابن الأثير 16: 4.