بازگشت

في قصر بني مقاتل


و في قصر بني مقاتل رأي فسطاطا مضروبا و رمحا مركوزا و فرسا واقفا فسأل عنه فقيل هو لعبيدالله بن الحر الجعفي، و بعث اليه الحجاج بن مسروق الجعفي فسأله ابن الحر عما وراءه؟

قال: هدية اليك و كرامة، ان قبلتها. هذا حسين يدعوك الي نصرته، فان قاتلت بين يديه اجرت و ان قتلت استشهدت فقال ابن الحر: والله ما خرجت من الكوفة الا لكثرة ما رأيته خارجا لمحاربته وخذلان شيعته فعلمت أنه مقتول و لا أقدر علي نصره و لست احب أن يراني و أراه. [1] .

فأعاد الحجاج كلامه علي الحسين فقام صلوات الله عليه و مشي اليه في جماعة من أهل بيته و صحبه فدخل عليه الفسطاط فوسع له عن صدر المجلس. يقول ابن الحر: ما رأيت أحدا قط أحسن من الحسين و لا أملأ للعين منه، و لا رققت علي أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي و الصبيان حوله، و نظرت الي لحيته فرأيتها كأنها جناح غراب، فقلت له أسواد أم خضاب؟ قال: يا ابن الحر عجل علي الشيب فعرفت انه خضاب. [2] .

و لما استقر المجلس بأبي عبدالله حمد الله و أثني عليه ثم قال:«يابن الحر ان أهل مصركم كتبوا الي أنهم مجتمعون علي نصرتي، و سألوني القدوم عليهم، و ليس الأمر علي ما زعموا [3] ، و ان عليك ذنوبا كثيرة، فهل لك من توبة تمحي به ذنوبك؟


قال: و ما هي يا ابن رسول الله؟ فقال:«تنصر ابن بنت نبيك و تقاتل معه». [4] .

فقال ابن الحر: والله اني لأعلم أن من شايعك كان السعيد في الآخرة ولكن ما عسي أن اغني عنك و لم أخلف لك بالكوفة ناصرا؟ فأنشدك الله أن تحملني علي هذه الخطة فان نفسي لا تسمح بالموت، ولكن فرسي هذه«الملحقة»والله ما طلبت عليها شيئا قط الا لحقته، و لا طلبني أحد و أنا عليها الا سبقته، فخذها فهي لك.

قال الحسين:«أما اذا رغبت بنفسك عنا فلا حاجة لنا في فرسك [5] و لا فيك، و ما كنت متخذ المضلين عضدا [6] . و اني أنصحك كما نصحتني، ان استطعت أن لا تسمع صراخنا و لا تشهد وقعتنا فافعل، فوالله لا يسمع واعيتنا أحد و لا ينصرنا الا أكبه الله في نار جهنم». [7] .

و ندم ابن الحر علي ما فاته من نصرة الحسين عليه السلام فأنشأ:



أيا لك حسرة مادمت حيا

تردد بين صدري و التراقي



غداة يقول لي بالقصر قولا

أتتركنا و تعزم بالفراق



حسين حين يطلب بذل نصري

علي أهل العداوة و الشقاق



فلو فلق التلهف قلب حر

لهم اليوم قلبي بانفلاق



و لو و اسيته يوما بنفسي

لنلت كرامة يوم التلاق



مع ابن محمد تفديه نفسي

فودع ثم أسرع بانطلاق



لقد فاز الالي نصروا حسينا

و خاب الآخرون ذووا النفاق [8] .




و في هذا الموضع اجتمع به عمرو بن قيس المشرقي و ابن عمه فقال لهما الحسين:«جئتما لنصرتي، قالا له انا كثيروا العيال، و في أيدينا بضائع للناس، و لم ندر ماذا يكون، و نكره أن نضيع الأمانة.

فقال لهما عليه السلام: انطلقا فلا تسمعا لي واعية و لا تريا لي سوادا، فانه من سمع واعيتنا أو رأي سوادنا فلم يجيبنا، كان حقا علي الله عزوجل أن يكبه علي منخريه في النار». [9] .


پاورقي

[1] الأخبار الطوال: ص 249.

[2] خزانة الأدب / للبغدادي 298 / 1 ط. بولاق. و أنساب الأشراف 291 / 5.

[3] نفس المهموم / ص 104.

[4] أسرار الشهادة / ص 233.

[5] الأخبار الطوال / ص 249.

[6] أمالي الصدوق / ص 94 (المجلس 30 (.

[7] خزانة الأدب 298 / 1.

[8] مقتل الخوارزمي 228 / 1 و ذکره الدينوري في الأخبار الطوال / ص 258.

[9] مقتل الحسين / للسيد عبدالرزاق المقرم: 205 - 202.