بازگشت

اعلي درجات القرب من الله


(عند ربهم) وهذه الفقرة تدخل لتكمل صورة هذه الحياة الحقيقية التي ينتقل اليها الشهيد في مسيرته الي الله تعالي. ان غاية حركة الشهيد الي الله، و هذه الغاية هي كل قيمة الحياة، و تكتسب الحياة قيمتها الحقيقية عندما تقترن بالقرب من الله و توصل الانسان اليه و تجعله بجواره، أما عندما تنقطع الحياة من التحرك الي الله، و من قربه، ومن التوجه اليه، فهي سراب و ضياع له في متاهات الدنيا، و استغراق في متاعها و حطامها.

ان غاية الانسان في مسيرته و حركته الكادحة الكبري في الدنيا هي القرب من الله و لقاء الله، و هي الغاية التي يسعي اليها الشهيد (يا أيها الانسان انك كادح الي ربك كدحا فملاقيه). [1] .

و ما يحقق الانسان في الدنيا من هذه الغاية هو قيمته و درجته، و القرب من الله هو المقياس الذي يقيس به الاسلام أقدار الناس و مراتبهم؛ و الناس في القرب و البعد من الله درجات و مراتب... حتي يكون الانسان (عند الله)، فلا تكون ثمة درجة أقرب الي الله منه الي لله. و لا تجد في اللغة تعبيرا أقوي و أبلغ في(القرب) من كلمة(عند) و كأن الفواصل تنعدم في هذه الدرجة من القرب، و حاشا ربنا من ملابسة خلقه و عباده و تبارك و تعالي من أن يرتفع عباده الي مستوي كبريائه و عزه و جلاله، ولكنه تعبير بليغ عن أقرب درجات القرب الي الله؛ و قد ورد في الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وآله:«فوق كل بر بر حتي يقتل الرجل في سبيل الله، فاذا قتل في سبيل الله عزوجل، فليس فوقه بر». [2] و روي عنه صلي الله عليه وآله:«فوق كل ذي بر بر


حتي يقتل الرجل في سبيل الله فليس فوقه بر». [3] .

ان كلمة (عند ربهم) لتستوقف الانسان طويلا! أيبلغ الأمر بالعبد الوضيع أن يكون (عند ربه) هكذا من دون فواصل و مراحل، و بمثل هذه الدرجة من القرب (عند ربه)، و تعالي الله عن ملابسة مخلوقاته علوا كبيرا. و قد ورد مثل هذا التعبير في القرب من الله في سورة القمر بالنسبة الي المتقين: (ان المتقين في جنات و نهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر) [4] و في المناجاة الشعبانية: (... الهي هب لي كمال الانقطاع اليك، و أنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها اليك، حتي تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل الي معدن العظمة...» [5] .

و حالة«كمال الانقطاع الي الله تعالي»هي التي توصل الانسان الي معدن العظمة، و تخرق له حجب الظلمة و النور الي الله تعالي؛ و في المناجاة:

«الهي فاسلك بنا سبل الوصول اليك، و سيرنا في أقرب الطرق للوفود عليك». [6] .

و ليس من أحد تنطبق عليه هذه الفقرات أكثر من الشهيد، فهو يسلك الي الله تعالي أقرب الطرق، و ليس من طريق أقرب الي الله من الشهادة ثم يفد علي الله تعالي.

يقول أميرالمؤمنين عليه السلام:«ان لله عبادا في الأرض كأنما رأوا أهل الجنة في جنتهم، و أهل النار في نارهم، يجأرون الي الله سبحانه بأدعيتهم، قد حلا في أفواههم، و حلا في قلوبهم طعم مناجاته، و لذيذ الخلوة به، قد أقسم الله علي نفسه بجلاله و عزته ليورثنهم المقام الأعلي في مقعد صدق عنده». [7] هؤلاء هم الذين يورثهم


الله المقام الأعلي، و يرزقهم الله جواره في الجنة، و يسكنهم في مقعد صدق عنده، و هم الذين يفدون علي الله.


پاورقي

[1] الانشقاق / 6.

[2] بحارالأنوار 10 / 100.

[3] بحارالأنوار 61 / 74.

[4] القمر / 55 - 54.

[5] مفاتيح الجنان / 158. مناجاة الأئمة عليهم‏السلام في شعبان.

[6] بحارالأنوار 147 / 94.

[7] تفسير البصائر 391 / 42.