بازگشت

الحياة الطيبة


الحقيقة الاولي في هذه اللوحة القرآنية:

ان الذين قتلوا في سبيل الله أحياء و ليسوا باموات، و النهي عن تصور أن الشهداء أموات: (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا...)، ان المسألة ليست من المجاز في التعبير، و انما هي حقيقة داخلة في حيز النفي و الاثبات: النهي عن حسبان الشهداء أمواتا، و اثبات أنهم أحياء، و هذا تصور جديد علي الذهنية المادية تماما.

ليست الحياة هي فقط هذه الفرصة و هذه الرقعة الضيقة التي يعيشها الانسان في هذه الدنيا.

و ليست الحركة الحيوانية التي يمارسها الانسان في هذه الدنيا من أكل و شرب، و تسابق علي متاع الحياة الدنيا و زخرفها، و نشاط و حركة في حقل الغرائز الحيوانية هي المؤشر و المقياس الوحيد للحياة. فهذه رقعة صغيرة للحياة، محدودة الأمد، قصيرة المدي، حافلة باللهو و اللعب. ان ما بأيدي الناس هنا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، و ليس من الحياة في شي ء، أما النبع الصافي و الزلال للحياة فشي ء آخر، يختلف تماما عما يعرفه الناس، والله تعالي و رسوله يدعوانا الي الحياة الطيبة الحقيقة: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم...). [1] .

و هذا الذي يدعونا اليه الله تعالي و رسوله من الحياة شي ء آخر غير ما يتنافس عليه الناس؛ من اللهو و اللعب، و التفاخر، و الزينة، و ما يشوبه من البعد عن الله


و البغضاء و المعاصي و الذنوب، و الاستغراق في متاع الحياة الدنيا، و التعلق بها، و حياة الذل و الهوان و العبودية لغير الله، و الاستسلام للأهواء و الشهوات.

ان الحياة في التصور الاسلامي انطلاق من القيود و الأغلال، و تحرر من أسر الهوي و الشهوات، و خروج من ذل الانقياد و الاستسلام للطغاة الي عز العبودية لله تعالي؛ و الحياة في هذا التصور الجديد علي البشرية تحرر من كل تعلق بالدنيا، لا بمعني ترك الدنيا و لذاتها، فان الانسان المؤمن يأخذ نصيبه مما خلق الله من الطيبات كالآخرين أو أفضل من الآخرين، الا أنه لا يقع في قبضة التعلق بالدنيا و لا تتحكم فيه و لا يكون مصداقا لقوله عليه السلام:«حب الدنيا رأس كل خطيئة». [2] .

ان ما بأيدي الناس من الحياة ليس من الحياة في شي ء، و انما هي أقرب الي حياة البهائم منها الي حياة الانسان. أما الحياةالحقيقية فهي التي اختارها الله للصالحين من عباده في الدنيا و الآخرة و هي (الحيوان) في الآخرة. (... و ان الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) [3] و الحيوان مبالغة في الحياة، انها الحياة الحافلة بلقاء الله و الايمان، و الحب، و الشهود، و الصدق، و الطيبات، و في افق واسع عريض، و علي مدي الخلود و الأبدية، حياة الروح و الجسم و العقل معا. و الشهيد في حركته الصاعدة الي الله ينتقل من هذه الرقعة الضيقة من الحياة الفانية و المؤقتة الي ذلك الافق الرحيب من الحياة، و من هذه المشوبة بالأكدار و الابتلاءات الي النبع الصافي الزلال من الحياة، و ليس الي الموت و الركود و الغياب كما يتصوره الناس.



پاورقي

[1] الانفال / 24.

[2] بحارالأنوار 258 / 51.

[3] العنکبوت / 64.