بازگشت

نقلة زهير من ولاية الطاغوت الي ولاية الله


و مثال آخر علي هذه الحركة السريعة الي الله تعالي - عبر الشهادة - هجرة زهير بن القين رحمه الله. فقد كان عثماني الهوي. و لم يكن هواه مع آل محمد صلي الله عليه وآله و قد حج البيت في عام (60 ه)، و كان يساير موكب الحسين عليه السلام في الطريق الي العراق الا أنه كان يحرص ألا ينزل بالقرب من خيام الامام، مخافة الاجتماع به، حتي انتهت قافلة الامام الي (زرود)، فلم يجد زهير رحمه الله أبدا من أن ينزل بخيامه


بالقرب من خيام الحسين عليه السلام. فأرسل اليه الحسين عليه السلام رسولا يدعوه اليه و كان زهير مع صحبه يتناولون الطعام، فابلغه الرسول دعوة الحسين فطرحوا ما في أيديهم من طعام، و كأن علي رؤوسهم الطير، فأنكرت عليه زوجته - رحمها الله - ذلك. وقالت:«سبحان الله، يبعث اليك ابن بنت رسول الله ثم لا تأتيه! لو اتيته فسمعت كلامه!». فانطلق زهير علي كراهية منه الي الامام، فلم يلبث أن عاد مسرعا، و قد تهلل وجهه و امتلأ غبطة و سرورا ثم أمر بفسطاطه و ما كان عنده من ثقل و متاع، فحوله الي خيام الامام. و قال لزوجته:«أنت طالق»، ثم قال لأصحابه ساحدثكم حديثا:«غزونا (بلنجر) [1] ففتح الله علينا، و أصبنا غنائم، ففرحنا و كان معنا سلمان الفارسي. فقال لنا: أفرحتم بما فتح الله عليكم و أصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم، فقال: اذا أدركتم سيد شباب آل محمد، فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم». [2] .

و ينقلب زهير رحمه الله، و ينقلب هواه من بني أمية الي آل علي، و ينتزع نفسه من كل ما تربطه بهذه الدنيا، حتي زوجته التي أنكرت عليه تباطؤه عن استجابة دعوة الحسين عليه السلام، حتي يستطيع أن يخف للقاء الله.

و لما جمع الحسين عليه السلام أصحابه و أهل بيته قرب المساء قبل مقتله بليلة، فقال لهم:«اني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل، ليس عليكم مني ذمام، و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، و ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي


و تفرقوا في سوادكم و مدائنكم فان القوم انما يطلبوني، و لو أصابوني لذهلوا عن غيري، قال زهير بعد ما سمع كلام الحسين عليه السلام: والله لوددت أني قتلت، ثم نشرت، ثم قتلت، حتي اقتل كذا ألف مرة، و ان الله عزوجل يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك». [3] .

هكذا تحرر الشهادة الانسان من كل القيود، و الأواصر التي تربطه بالحياة الدنيا مرة واحدة، و بقوة و خفة، و تدفعه الي لقاء الله.

فالشهادة اذن اختزال شديد، و اختصار للطريق بين هذين المحورين. و المسافة التي يقطعها عامة الناس بتكلف، و تعثر، و مشقة، يتعثر فيها اناس، و يتساقط فيها آخرون، و يضعف عن السير فيها قوم و يقوي عليه آخرون... يقطعها الشهيد بوعي، و بصيرة، و قوة، و ثبات، في لحظات قصيرة، و حركة خفيفة، تنتزعه من الدنيا، و تعرج به الي لقاء الله.



پاورقي

[1] احتمل أن الکلمة الصحيحة هي (بالبحر). و قد بدأت عساکر المسلمين في ذلک التاريخ غزوات البحر ولکن الکلمة وردت خطأ بأقلام بعض النساخ بلنجر. و قد وردت الکلمة في بعض المصادر بالبحر.

[2] حياة الامام الحسين عليه‏ السلام للشيخ باقر القرشي 67 - 66 / 3. نقلا عن الارشاد / 264. و تأريخ ابن‏الاثير 177 / 3. و انساب الأشراف ق 1 / 1. و الدر العظيم / 167.

[3] مقتل الحسين عليه‏ السلام للمقرم / 235 - 234.