بازگشت

اعراض التعلق بالدنيا في نقطة الانطلاق


و ينشأ من تعلق الانسان بالدنيا، و انشداده اليها ثلاثة أنواع من الأعراض المرضية الصعبة:

منها: ما يتعلق بعلاقته بالدنيا.

و منها: ما يتعلق بعلاقته بالله تعالي.

و منها: ما يتعلق بعلاقته بالآخرين.

و النوع الأول هو: الأمراض الأخلاقية التي تخص علاقة الانسان بالدنيا مثل


(الحرص) و (الطمع) و (الجشع) و (الركون الي الدنيا) و (البطر) و (طول الأمل)... و غير ذلك.

و النوع الثاني: الأعراض التي تخص علاقة الانسان بالله تعالي و هي كثيرة و مما لا شك فيه أن علاقة الانسان بالدنيا لها انعكاس مباشر و نسبة عكسية علي علاقة الانسان بالله تعالي و كلما كان اقبال الانسان و انشغاله بالدنيا أكثر قل اقباله علي الله تعالي و ذكره اياه. و القرآن الكريم يشير الي هذه الحقيقة في قوله تعالي: (كلآ ان الانسان ليطغي أن رآه استغني) [1] أن الاحساس بالاستغناء و هم كاذب ناتج عن تعلق الانسان بالدنيا و اقباله عليها و اعتماده عليها و هو ليس من الاستغناء فان الانسان لا يستغني عن الله تعالي في كل حال، يقول تعالي: (يا أيها الناس أنتم الفقراء الي الله...) [2] ، و انما هو توهم كاذب للاستغناء و تعبير القرآن عن ذلك دقيق (أن رآه استغني) و ليس (أن استغني) و بين هذا و ذاك فرق. اذن المسألة نفسية، و ليست موضوعية. و بتعبير آخر ليس الغني والتمكن من أسباب الحياة الدنيا هي التي تؤدي بالانسان الي الطغيان، اذا كان الانسان يشعر في قرارة نفسه في كل الحالات بفقره و حاجته الي الله، و انما الذي يؤدي الي الطغيان في علاقته بالله هو و هم الاكتفاء بالدنيا عن الله و الاستغناء بالدنيا عن الله، و هو يؤدي الي الشره و الحرص و يؤدي الي الطغيان و الاعراض عن الله تعالي في وقت واحد.

اذن الاقبال علي الدنيا، و الاعتماد عليها، و التعلق بها يؤدي بالانسان الي الاعراض عن الله بدرجات مختلفة علي قدر اقباله علي الدنيا، و تعلقه بها،


و انشداده اليها، و يؤدي به الي ضعف الثقة بالله و ضعف التوكل علي الله، و ضعف اليقين بالله، و ينعكس انعكاسا سلبيا علي يقينه و ثقته و اقباله و توكله علي الله و هذا هو النوع الثاني من الأعراض النابعة عن تعلق الانسان بالدنيا.

و النوع الثالث من هذه الأعراض: هي الأعراض الناجمة عن الاحتكاك و التنافس، و التزاحم فيما بين الناس علي حطام متاع الدنيا، كالحسد و البغضاء و سوء الظن، و الغيبة، و الكذب، و المماراة، و الجدال، و التقاطع، و التسقيط و العدوان.

و هذه الأمراض الثلاثة نابعة من حب الدنيا، و هي من عوامل انحراف الانسان و سقوطه، و لذلك ورد في الحديث الشريف«حب الدنيا رأس كل خطيئة». [3] .

هذا هو - علي نحو الايجاز الشديد - المحور الأول أو المنطلق في حياة الانسان، و هو (الأنا). و الأعراض المرضية الناجمة عن ارتباط الانسان بهذا المحور و التي تجره الي السقوط و الهلاك.


پاورقي

[1] العلق / 7 - 6.

[2] فاطر / 15.

[3] الدنيا ليست مذمومة في الفکر الاسلامي، و اقتناء متاع الدنيا ليس أمرا مذموما، انما المذموم هو التعلق بمتاع الحياة الدنيا و الانشداد اليها فليس من بأس أن تکون الدنيا بمتاعها و لذاتها و طيباتها في قبضتک، فليست هذه الطيبات محرمة علي عباد الله، ولکن البأس کل البأس أن يکون الانسان في قبضة الحياة الدنيا و تحت تأثيرها.