بازگشت

الهوي


عن الهوي و دوره التخريبي في حياة الانسان يقول تعالي: (و اتل عليهم نبأ الذي آتيانه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين و لو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الي الأرض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون). [1] .

و في الرواية ان هذه الآيات نزلت في بلعم بن باعوراء من علماء بني اسرائيل الذي آتاه الله تعالي آياته فانسلخ منها باتباعه الهوي.

و سواء صحت هذه الرواية أم لم تصح فان الآية الكريمة تشير الي الدور التخريبي الواسع لسلطان الهوي علي حياة الانسان و أول هذه الآثار هو الخلود الي الأرض (ولكنه أخلد الي الأرض) و المقصود بالأرض الحياة الدنيا، و الخلود: السقوط. و هذا هو الأثر الأول لسلطان الهوي علي النفس و هو السقوط في لذات الدنيا و حطامها، و الالتصاق بها، و هذا السقوط بطبيعة الحال في مقابل العروج الي الله، يحبس الانسان عن الله.

و الأثر الثاني: هو الانسلاخ عن آيات الله (فانسلخ منها) كما تنسلخ الحية من جلدها، و ينفصل و يبين عنها تماما، فلم تعد لها علاقة به، و لم يعد له علاقة بها، كذلك الانسان اذا تمكن منه الهوي ينسلخ عن آيات الله و تبين عنه، و يصبح غريبا عنها و تصبح غريبة عنه، و يفقد كل بصيرة و وعي بآيات الله، و يرفضها، كما يرفض المريض الطعام الشهي اللذيذ.

و الأثر الثالث: اتباع الشيطان (فاتبعه الشيطان) أي أدركه، و تمكن منه، و من تمكن منه الشيطان و نشبت فيه مخالبه، سلب منه عقله و قلبه و ضميره و فطرته


و كل ما آتاه الله تعالي من القيم و ذلك أقصي درجات السقوط في حياة الانسان.

و الأثر الرابع: الغواية و الضلالة (فكان من الغاوين)، و كيف يمكن أن يستقيم علي هدي الله من تمكن منه الشيطان، و سلب منه عقله و قلبه و ضميره و فطرته و مسخه فلا محالة يكون سعيه كله في ضلال وغي.

و الأثر الخامس: الجشع و الحرص علي حطام الدنيا (فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أن تتركه يلهث) فلا يروي ظمأهم الي حطام الحياة الدنيا و زخرفها شي ء و مهما أكثروا منها ازدادوا اليها جشعا. كما يصيب الكلاب داء (الكلب) فلا يرويها ماء، فهي تلهث علي كل حال، كذلك هؤلاء الذين اتبعوا أهواءهم فأخلدوا الي الأرض فلا يزيدهم السعي الي الدنيا الا لهاثا و ظمأ و لست أقول لا تزيدهم الدنيا، و انما أقول لا يزيدهم السعي الي الدنيا، فقد يسعي المؤمن الي الدنيا فيصيب منها ما يشاء الله قل أو كثر، ولكنه لا يلهث خلف الدنيا و لا يزيده السعي الي الدنيا ظمأ و لهاثا من ورائها.

روي أن الامام الصادق عليه السلام قال لرجل اشتكي اليه حرصه علي الدنيا:«ان كان ما يكفيك يغنيك، فأدني ما فيها يغنيك و ان كان ما يكفيك لا يغنيك، فكل ما فيها لا يغنيك». [2] .

تلك صورة عن سلطان الهوي علي الانسان و دوره التخريبي في حياة الانسان... من القرآن الكريم و يرسم القرآن، علي لسان مرأة العزيز، في سورة يوسف لوحة اخري لسلطان الهوي علي الانسان، و هي لوحة معبرة و ناطقة و ذلك في قوله تعالي: (.. ان النفس لأمارة بالسوء...) [3] و تحمل هذه الآية المباركة - من معاني تأكيد سلطان الهوي علي النفس - الشي ء العظيم و كان


أساتذتنا عندما كنا نقرأ (النحو) يستشهدون بهذه الآية الكريمة في تكرار التأكيد و توكيدها.

فالجملة اسمية، و مصدرة بأن و الامارة صيغة مبالغة معروفة، و مصدرة باللام لتأكيد المبالغة و التأكيد.

و كل هذه التأكيدات لتثبت الدور التخريبي السي ء للهوي (الأمارة بالسوء) و نكتفي بهاتين الآيتين من كتاب الله في تقرير الدور السلبي لسلطان الهوي في حياة الانسان.


پاورقي

[1] الاعراف / 176 - 175.

[2] اصول الکافي 139 / 2.

[3] يوسف / 53.