بازگشت

رحلة الانسان الي الله


و يوجز القرآن الكريم هذه الرحلة بقوله تعالي: (يا أيها الانسان انك كادح الي ربك كدحا فملاقيه) [1] ، و بالتأمل في هذه الآية الكريمة نلتقي بالنقاط التالية:


1- ان هذه المسيرة و النقلة، هي الهدف و الغاية من خلق الانسان، و لذلك يتوجه الخطاب في الآيةالكريمة الي (الانسان)، علي غير طريقة القرآن في الخطابات التي تترتب علي الايمان بالله، حيث يوجه القرآن فيها الخطاب الي (الذين آمنوا)، و توجيه الخطاب هنا الي الانسان دون تخصيص بالذين آمنوا فقط، ينم عن أن هذه المسيرة و الرحلة هي الهدف و الغاية من خلق الانسان. و من دون أن يدخل الانسان في هذه المسيرة، و يتعرض لكدحها و عنائها لا يمكن أن يحقق الغاية و الهدف من تكوينه و خلقه، و لا يتحقق النضج و الرشد و الكمال المطلوب منه.

2- و تبدأ هذه المسيرة ب(الأناء)؛ بما تكتنف الأنا من الشهوات و الأهواء و الغرائز، بصورة طبيعية، و تنتهي الي الله: (الي ربك...) و هذا القوس الصعودي من الأنا الي الله هو مسار حركة الانسان و نموه و تكامله.

3- و لابد أن تتم هذه الحركة بصورة اختيارية و طوعية في حياة الانسان، و قيمة هذه الحركة أنها تتم بصورة اختيارية و طوعية و بارادة الانسان. ولو أن هذه الحركة كانت تتم بصورة قهرية لم تكن تحقق للانسان هذا التكامل و النمو الذي سوف نشير اليه.

ان الموت ينتزع الانسان بصورة قهرية من محور الأنا، و لذاته، و شهواته، و أهوائه، و ما يملك من متاع الحياة الدنيا، و من الأبناء، و الأزواج، و الأموال، الا أن هذا الانفصال حيث يتم بصورة قهرية لا يحقق للانسان لقاء الله الذي تشير اليه الآية الكريمة.

و لعل صعوبة (النزع) نابعة من هذا الانتزاع القهري من الحياة الدنيا و كلما تكون علاقة الانسان بالحياة الدنيا أكثر و أعمق تكون نزعات الموت عليه أصعب و أقسي. و ان الانسان ليفقد دراهم معدودات من المال أو بعض أعزائه، أو


بعض ما يملك من حطام الدنيا فيشق عليه ذلك مشقة بالغة، فيكف اذا قهره الموت لينتزعه من كل علاقاته في الحياة الدنيا علي الاطلاق، و مرة واحدة.

و هذا الانتزاع القهري الذي يحققه الموت لا يرفع من درجة الانسان و لا يحقق للانسان كمالا. لأنه تم بصورة قهرية و من دون ارادة الانسان و انما يتكامل الانسان عندما يسعي لانتزاع نفسه من التعلق بالحياة الدنيا، و متاعها، و لذاتها، بصورة اختيارية، و بشكل تدريجي، حتي يتحرر من حب الدنيا و التعلق بها و من (الأنا) و (الهوي) بشكل كامل.

و لعل الحديث المعروف:«موتوا قبل أن تموتوا» [2] يشير الي هذه الحقيقة، و يكون المقصود بالموت الأول هو الموت الاختياري و بالموت الثاني هو الموت القهري و الطبيعي. و هذه الحركة الطوعية الي الله تتطلب من الانسان الكثير من الجهد و المعاناة، و ربما تشير الآية الكريمة الي هذه الحقيقة في قوله تعالي: (... انك كادح الي ربك كدحا...).

4- و هذه المسيرة مسيرة كمال الانسان و عروجه الي الله. و الغاية من هذه المسيرة هي أشرف الغايات و أسماها في حياة الانسان علي الاطلاق و هي: لقاء الله، و الي هذه الغاية العالية العليا تشير الآية الكريمة: (فملاقيه).

فان لقاء الله هو النتيجة التي تترتب علي مسيرة الانسان لكادحةالي الله، و حسب الانسان في هذه الرحلة الشاقة و الكادحة أن ينال (لقاء الله) و تلك غاية لا ينالها الا القليل ممن ارتضاهم الله تعالي و اختارهم.

5- و هذه المسيرة بقدر ما تحقق للانسان الكمال و التسامي و نيل لقاء الله - الذي هو أشرف ما يناله الانسان في دنياه و آخرته - تتطلب منه الجهد و العناء


و الكدح، و هذه الضربية الحتمية في الطريق الي الله هي التي تشير اليها الآية الكريمة: (... كادح الي ربك كدحا...)


پاورقي

[1] الانشقاق / 6.

[2] بحار الانوار 59 / 72 الحديث الأول.