بازگشت

كربلاء الساحة النموذجية للصراع بين الحق و الباطل


هذا المعني من الثار و الانتقام الالهي قد تحقق في الصراع التأريخي الذي حدث في كربلاء سنة) 61 ه) بين سيدالشهداء الحسين عليه السلام و يزيد بن معاوية و جيشه.

لقد كانت هذه المعركة علي صغر مساحتها العسكرية تجسد صراعا ضخما بين معسكرين، و حضارتين، و فكرتين و مدرستين، بين الاسلام و الجاهلية، و الذي ينظر الي هذه المعركة من بعيد تتراءي له أن المعركة كانت بين طائفتين من المسلمين، و لخلافات و مسائل داخلية و سياسية تتعلق بالحكم و السلطان في الحياة الدنيا.

ولكن الأمر أعمق بكثير من هذا البعد؛ لقد اتخذت الجاهلية الاولي - بعد هزيمتها أمام انطلاقة الرسالة الاسلامية - دولة بني امية مظلة اسلامية واقية لها لتعود من جديد الي صلب الحياة و لتصادر كل مكاسب الاسلام في الحكم


و الادارة و الاقتصاد و التربية و التعليم و الأخلاق و العقيدة، و نجحت هذه المحاولة الجاهلية نجاحا كبيرا، حتي استطاعت أن تتسلل من خلال آل امية الي الخلافة و هو قمة النجاح السياسي و الحضاري؛ و الذي ينظر بامعان في تأريخ معاوية و ابنه يزيد من غير تعصب، لا يحتاج الي عناء كبير ليلمس عودة الجاهلية الاولي من خلال و لا يتهما علي المسلمين في البذخ و تبذير أموال المسلمين و في استعمال المحرمات، من غناء، و خمرة، و قمار، و في الاستهانة بحدود الله. و في تصفية قادة الامة (الحسين عليه السلام و أهل بيته و أصحابه) و في الاعتداء علي معاقل العالم الاسلامي (مكة المكرمة و المدينة المنورة) و عشرات النماذج الاخري التي تكشف عن هذه الحقيقة، و التي لا يحتاج فهمها الي أكثر من التجرد عن التعصب.

و كان الحسين عليه السلام يدرك هذه الحقيقة ادراكا جيدا و يري رؤية واضحة عودة الجاهلية الي صلب المجتمع من جديد تحت مظلة بني امية، و يري غفلة الامة عن هذه المأساة فلم يجد بدأ من أن ينهض بأهل بيته و أصحابه، ليكافح هذا التيار الجاهلي و يصبغ هذه المقاومة بدمه و دماء الثلة المؤمنة التي و اكبته في هذه المسيرة و لينبه الامة الي ضخامة الجريمة و المؤامرة تنسج خيوطها في قصور بني أمية ضد الاسلام.

فكانت (واقعة كربلاء) مقاومة جريئة و فدائية و خالصة دارت رحاها حول مسألة حضارية مهمة هي (ايقاف الردة الجاهلية) الي صلب المجتمع - بعد أن أزاحها و عزلها الاسلام عنه - و ايقاف التيار الجاهلي، و صده من التقدم، و فضحه، و كشف أبعاد هذه الجريمة، و تنبيه الامة الي عمق المأساة، و خطورة تلك الردة التي تسللت الي موقع الخلافة من خلال يزيد بن معاوية، و من قبله أبوه معاوية ابن ابي سفيان.


ان الانتقام الحقيقي لدماء شهداء كربلاء، ليس في انزال عقوبة مادية مماثلة بالقتلة و انما الانتقام الحقيقي و المكافي ء للجريمة هو: تحقيق الغاية التي قاتل من أجلها أهل البيت عليهم السلام و كشف حقيقة و نوايا الجهاز الحاكم، و ايقاف تيار الردة الجاهلية، و احباط المؤامرة الجاهلية.

هذه النقاط في الحقيقة هي النقاط الأساسية للانتقام من الظالم و الانتصار للمظلوم و تحقيق ارادة الشهيد واحباط ارادة (الطاغية).

و الله تعالي هو الذي يتولي تحقيق هذه الغايات و توفير هذه الضمانات جميعا للشهيد، فهو ولي الدم و صاحب الثار و المنتقم من الطاغية، و المنتصر للشهيد.

و (هذا الثارالالهي) من الظالم يعم كل الشهداء بدرجات مختلفة: فكل دم اريق في سبيل الله دم مضمون القضية، والله تعالي ولي كل دم اريق في سبيله و هذه الضمانة الالهية لدم الشهيد تعطي دم الشهيد قيمة حركية كبري في التأريخ، فهو الدم المضمون و المؤمن الذي يتولي الله تعالي الثار له، و تحقيق قضيته و رسالته و دحض أعدائه و اسقاطهم و فضحهم؛ وقلما يتمتع شي ء في حياة الانسان بمثل هذه الحركية التي يمنحها الله تعالي لدم الشهيد.