بازگشت

المعني الاجتماعي للدم


و لمسألة (الثار) تأريخ ينفنا أن نلم به في هذا العرض، فقد كان الدم في حياة العرب القبلية قبيل الاسلام مسألة اجتماعية تخص كرامة القبيلة كلها ضد القبيلة التي صدر العدوان منها كلها؛ فاذا اعتدي فرد من قبيلة علي فرد من قبيلة أخري لم يكن الدم يخص ولي المقتول و القاتل فقط، و انما كانت القبيلة التي وقعت عليها الظلامة هي صاحبة الدم؛ و القبيلة التي كان المعتدي منها هي التي تتحمل مسؤولية الدم، و ليس شخص المعتدي فقط، و كان كل فرد من القبيلة الاولي يعطي لنفسه الحق أن يثار من كل فرد من القبيلة الثانية، و ان كان الثائر بعيدا عن المقتول و الفرد الذي يقتل به لا علاقة له قريبة بالقاتل.

و السر في هذا الاهتمام و التعميم في مسألة الدم، أن القبيلة العربية كانت تعتبر


الدم حقا للجميع، و علي الجميع أن يعملوا لحماية دمائهم و للثار من القاتل أو القبيلة التي تؤوي القاتل و تمنحه الحماية، فالدم للقبيلة و ليس للفرد، و الدفاع عن الدم يقع علي القبيلة و ليس مسألة فردية.

و لهذا التصور لمسألة الدم أصل صحيح في الاسلام في بعض الحدود، و ان كان الاسلام يختلف في أمر الدفاع عن الدم و حمايته و الثار من القاتل اختلافا كبيرا عن قوانين الثار في الجاهلية، فالدم مسألة تخص الجميع، و لا تخص المقتول فقط، يقول القرآن الكريم في التعقيب علي أول عدوان وقع علي يد قابيل ضد أخيه هابيل:

(و من أجل ذلك كتبنا علي بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا...) [1] .

فالعدوان علي شخص عدوان علي جميع أو كأنه عدوان علي الجميع.

الا أن الاسلام هذب قانون الثار، و لم يسمح للجميع بالثار و انما خص أولياء الدم بذلك، فان لم يكن للمقتول ولي تولي ولي الأمر هذا الأمر، و ذلك لئلا يكون الأمر فوضي، و لم يسمح مطلقا بالقصاص و الثار من غير القاتل؛ يقول تعالي:

(... و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا). [2] .

فجعل الله تعالي لولي الدم الذي اريق بغير حق سلطانا ينتقم من الظالم و يقتص منه، علي أن لا يسرف في القتل و لا يتجاوز حدود الله تعالي؛ يقول تعالي:

(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلي الحر بالحر و العبد بالعبد


و الانثي بالانثي فمن عفي له من أخيه شي ء فاتباع بالمعروف وأداء اليه باحسان ذلك تخفيف من ربكم و رحمة فمن اعتدي بعد ذلك فله عذاب أليم.) [3] .

فلكل دم اريق بغير حق - اذن - ثار، و لولي الدم أن يطالب بانزال العقوبة علي المعتدي مقابل الجريمة فيوكل الأمر الي ولي الدم ليثار للمقتول، و ان لم يكن للمقتول ولي فولي الأمر، لأن هذا الدم من حق الأسرة، و ولي الدم ينوب من الاسرة في الثار، و اذا لم يوجد فولي الأمر يقوم بالثار للأسرة و القصاص من القاتل، و هذا كله يؤكد الصبغة الاجتماعية أو العائلية للدم، و حق الأسرة في المطالبة بالثار من خلال ولي الدم أو ولي الأمر.


پاورقي

[1] المائدة / 32.

[2] الاسراء / 33.

[3] البقرة / 178.