بازگشت

كل أرض كربلاء و كل يوم عاشوراء


اذن عاشوراء مرآة لكل حركة التاريخ، و امتداد للصراع القائم بين الحق و الباطل في التاريخ.

و العكس أيضا صحيح، فان كل صراع في التاريخ بين الدعاة الي الله و أولياء الطاغوت نسخة من عاشوراء علي درجات مختلفة من التمثيل و هذا هو معني الكلمة المأثورة و الدقيقة المعروفة: (كل أرض كربلا و كل يوم عاشوراء).

ففي كل أرض و في كل يوم صراع بين الحق و الباطل بموجب قانون حتمية الصراع بين أولياء الله، و أولياء الطاغوت،و لا تخلو أرض من هذا الصراع، و لا يخلو يوم من أيام التاريخ منه.

و كل صراع في هذه السلسلة الطويلة من الصراعات و الحروب و القتال يعتبر نسخة من (كربلا) و من (عاشوراء)، علي درجات مختلفة من التمثيل حسب سعة و عمق هذا الصراع، و أبعاده في حياة الانسان.

فالزمان (: كل يوم) و المكان (: كل أرض) أكثر من وعائين لحضارة الانسان... أنهما و عاءان لحضارة الانسان، و مقومان لها أيضا، يتفاعلان مع الانسان،


يمنحانه و يأخذان منه. و الانسان في تفاعل مستمر مع الزمان و المكان، يأخذ منهما و يمنحها و يؤثر فيهما و يتأثر بهما.

فالزمان و المكان - اذن - لا يعتبران وعاءين لحضارة الانسان فقط، بالمعني المعروف للوعاء، الذي ليس لها أي تأثير فيما تحتوية. ان الزمان و المكان جزءان مقومان لحضارة الانسان و يحملان شحنة و طاقة حضارية معينة في تاريخ الانسان، و عندما نقول (كل أرض كربلا و كل يوم عاشوراء) يعني أن الصراع جزء حتمي لا يتجزأ من حضارة الانسان.

و هذا الصراع يمتد زمانا و مكانا مع حضارة الانسان، و في كل مراحله يعتبر نسخة ممثلة لكربلاء و عاشوراء علي درجات مختلفة من التمثيل. فهذه ثلاثة اصول و ثلاثة قوانين:

1- حتمية الصراع.

2- استمرارية الصراع علي خطي الزمان و المكان.

3- تمثيل عاشوراء بدرجات مختلفة.

اذن عاشوراء مرآة للتاريخ و التاريخ مرآة لعاشوراء و من خلال عاشوراء نطل علي حركة التاريخ، و من خلال حركة التاريخ نطل علي عاشوراء.

ان عاشوراء تصغير و اختزال شديد لمساحة التاريخ الكبري، و حركة التاريخ الممتدة علي بعدي الزمان و المكان، تكبير لعينة عاشوراء، و تمديد لها. ولو وضعنا هذه العينة (: عاشوراء) تحت المجهر شاهدنا حركة التاريخ، ولو اختزلنا حركة التاريخ و صغرناها بدرجة عالية جدا التقينا بعاشوراء.

ان (عاشوراء) ينبغي أن يدرس من خلال هذا الأفق التاريخي الواسع، من


خلال حركة التاريخ، و سنن الله في التاريخ، و سقوط الامم و صعودها، و صراع الحق و الباطل الممتد في أعماق التاريخ، و في ساحة التاريخ الكبري... و أعتقد أن الجمهور يعي (عاشوراء) بمثل هذه الرؤية الشاملة من خلال وعيه الفطري البسيط، و من خلال تفاعله الروحي و الوجداني العميق مع عاشوراء... أما طريقة بعض الباحثين في دراسة عاشوراء... في اقتطاع هذا اليوم العجيب من مساحة التاريخ، و دراسته بمعزل عن مساحة التاريخ و حركة التاريخ الكبري، و بتره عما قبله و بعده، و تكليس عاشوراء، و تعتيم هذه الرؤية النافذة التي تنفذ بنا من خلال عاشوراء الي مساحة التاريخ الواسعة، فهو من الظلم لهذا اليوم و قيمته التاريخية. و لابد من الاعتراف بأن جمهور الناس أوعي لقيمة هذا اليوم من بعض الباحثين الذين تناولوا هذا اليوم بهذه الطريقة التجزيئية.

و يبلغ السذاجة ببعض الكتاب أن يتصور أن جذور معركة الطف تكمن في قضية أرينب و ما تلف هذه القضية من ظروف. أو الخلاف و التنافس التاريخي بين (هاشم) و (أمية).

ان عاشوراء أعمق بكثير من المستوي الذي يتناوله هؤلاء الكتاب و أمثالهم.