بازگشت

موقف السلاطين والحكام من عاشوراء


و لأمر ما كان يحس السلاطين و الملوك ان في مظاهر الحزن و الحداد علي الامام الشهيد شيئا يضرهم و يسي ء الي سلطانهم و ملكهم، و كانوا يواجهون الجمهور الحسيني بالجفاء و الانكار و أحيانا بالارهاب و المطاردة تماما كما كان الجمهور يشعر أن في قضية الحسين عليه السلام شيئا يرتبط بمصيره و مصير الاسلام... و في تاريخنا منذ العصر الأموي و عبر العصر العباسي الي اليوم الكثير من الأمثلة علي تنكر السلاطين و امتعاضهم من اقبال الجمهور علي زيارة الحسين و التعاطف مع قضية الحسين حتي بلغ الأمر أن هارون الرشيد أمر بهدم القبر


الشريف و كربه [1] كما أمر المتوكل العباسي بهدم القبر و ما حوله من المنازل و الدور و أن يبذر و يسقي موضع القبر و يمنع الناس من الزيارة [2] ... و مع كل هذه الضغوط السياسية و الارهاب الذي كان يمارسه السلاطين بشأن قضية الحسين و عاشوراء، فان عاشوراء كانت تتفاعل و لا تزال مع عواطف الجماهير و مشاعرهم في حركة تصاعدية.

و قد وضع علماء البلاط الاموي أخبارا و أحاديث كثيرة في يوم عاشوراء، و أنه يوم بركة (ليعدل الناس كما يقول الامام الصادق عليه السلام من الجزع و البكاء و المصيبة و الحزن في هذا اليوم الي الفرح و السرور و التبرك) و قد بذل حكام بني امية لذلك الجوائز و الهدايا. [3] .

و مع كل هذه الضغوط السياسية بشأن هذا اليوم و بشأن قضية الطف فقد بقت (عاشوراء) تتفاعل مع عواطف الجماهير و مشاعرهم في حركة تصاعدية يستلمها جيل من جيل، و تنتقل من جيل الي جيل بنفس الحيوية و القوة و تضيف اليها الأجيال المقبلة الكثير من عواطفها و مشاعرها و أحاسيسها.

و لا أكاد أتصور أن هذا التعاطف العميق و الواسع من قبل جماهير المسلمين في رقعة واسعة من الأرض و عبر تاريخ طويل تتكون و تستمر و تشق طريقها عبر مضايقات الحكام و السلاطين... من دون أن يكون الجمهور قد وجد - بوعيه الفطري - في هذه الساعات القليلة من يوم عاشوراء من الآفاق الواسعة،


و الصور، و المعاني، و القيم المخبوءة ما لم يتمكن من التقاطه و تسجيله و رسمه أقلام الباحثين و المفكرين.

فلا يسعنا أن نفهم مثل هذا التعاطف الجماهيري الواسع مع عاشوراء دون أن نقبل أن الجمهور قد تمكن أن يري في هذا اليوم - بحسه الفطري - ما لم تتمكن الدراسات العلمية أن تسجله و ترسمه في هذا اليوم. و الحجم المطروح لعاشوراء من قبل الباحثين و العلماء لا يناسب بالتأكيد هذا التعاطف و التفاعل الواسع من قبل الجماهير. و هذا هو الذي يدعو الي القول بأن الجمهور له دور السبق في اكتشاف آفاق (عاشوراء). و الباحثون الذين عملوا في تحليل و تفسير أحداث هذا اليوم كانوا يتحركون من وارء الجمهور، و يضعون خطاهم في التحليل و التفسير موضع خطي الجمهور.

و ليس في هذا ضير، اذا كانت أقلام الباحثين قادرة علي متابعة و ملاحقة الجمهور في وعيه و دركه للقضية الحسينية، و انما البأس أن تتوقف أقلام الباحثين و أفكارهم عن اكتشاف و تسجيل ما اكتشفه الجمهور من الآفاق الرحبة لعاشوراء بحسه الفطري.


پاورقي

[1] تاريخ النياحة علي الامام الشهيد للسيد صالح الشهرستاني 12 / 2 نقلا عن نزهة أهل الحرمين للسيد حسن الصدر الکاظمي 27.

[2] الکامل لابن الاثير 55 / 7 في حوادث سنة 236 ه.

[3] بحار الأنوار 270 / 44.