بازگشت

عاشوراء في وعي الجمهور و وعي النخبة


فيما يلي نحاول أن نقف وقفة تأمل في رحاب يوم عاشوراء، و نبحث عن العناصر و القيم و الآفاق الواسعة لهذا اليوم العجيب، هذه الساعات القليلة و المعدودة من يوم العاشر من محرم تنطوي علي آفاق واسعة جدا و علي معاني و قيم تستحق أن يتوقف الانسان عندها طويلا و يتأمل فيها كثيرا.

هذه الآفاق لم تلق بعد العناية الكافية من قبل الباحثين و المفكرين الذين أولوا (عاشوراء) اهتمامهم، رغم كثرة الدراسات و الأبحاث و الجهود الفكرية التي تصب في الأحداث التي جرت علي أرض كربلاء يوم العاشر من محرم من سنة(61 ه ق).

و انني لا أشك أن وعي الجمهور لعاشوراء و عمقه و آفاقه أكثر بكثير من وعي المفكرين الذين تناولوا هذا اليوم العجيب من التاريخ بالدراسة و البحث.

ان الذي يدركه جمهور الناس بوعيه الفطري، شي ء أعمق بكثير ما يتلقاه الباحثون و المفكرون من هذا اليوم، ولو أمعنا النظر في وعي الجمهور ليوم


عاشوراء، وجدنا أن الجمهور يسبق الباحثين و المفكرين في وعي هذا اليوم و آفاقه الواسعة و ما ينطوي عليه من القيم و المفاهيم.

و أنا من الذين يثقون بوعي الجمهور المؤمن و حسه المرهف الدقيق في التشخيص و التقييم. و أعارض الذين ينتقصون من وعي الجمهور المؤمن و فهمه و تشخيصه. فالجمهور يملك حسا مرهفا و وعيا فطريا و بصيرة نافذة - في حالات السلامة و الصحوة - لا يملكه اولئك الذين يتتبعون الأحداث من خلال التأملات الفكرية و الدراسات العلمية.

و هذا الحس الفطري المرهف يجعل الجمهور سباقا الي درك و وعي هذه الآفاق الربانية في حياة الانسان. و كثيرا ما يتفق أن الباحثين و المفكرين يتتبعون خطي الجمهور و يقتفون أثره في الوعي و التفسير و التشخيص. و مع ذلك فان الوعي الفطري للجمهور يبقي محتفظا لنفسه بقدرة كبيرة جدا علي التشخيص، و التقسيم، و نفاذ البصيرة تقصر عنه أفكار و تفسيرات الباحثين و المفكرين.

و هذا هو ما يتراء ي لي فعلا في (عاشوراء). فكلما يمعن الانسان النظر في التعاطف الوجداني الكبير من قبل جماهير المسلمين مع حادث الطف في يوم عاشوراء، و قياس ذلك الي التفسير و التقييم العلمي المطروح علي الصعيد الفكري... يزداد ايمانا بأن الجمهور كان أقدر علي استيعاب الآفاق الواسعة لهذا اليوم من الباحثين و المفكرين و الذين تناولوا هذا الموضوع الخطير بالدراسة و البحث.

و يبدو أن الحس الفطري لدي الجمهور المؤمنين، أسرع الي فهم و وعي الحقائق من اولئك الباحثين الذين يعتمدون (عصا) التفسير و التحليل العلمي بالوسائل العلمية المعروفة، و يري الجمهور في حالة سلامة الفطرة بنور الله ما لا يراه غيره.


و هذا ما نراه فعلا من حيوية (عاشوراء) في وجدان جمهور المسلمين و عواطفهم، و تفاعل الجمهور الواسع و العميق مع عاشوراء خلال هذه الفترة الطويلة و التي تزيد علي ثلاثة عشر قرن من الزمان و علي هذه المساحة الواسعة من الأرض و هذا أمر فوق العادة بالتأكيد... و لا ينبغي أن نمر عليه مرورا سريعا من دون وقفة تأمل و تفكير.

و لا نعرف نحن الي الآن حدثا يستقطب عواطف جماهير المسلمين بهذه الصورة من القوة و الفاعلية كعاشوراء و لا نعرف أمرا في حياة المسلمين يستقطب الجماهير بهذه الصورة الواسعة و القوية الا الحج...

و قد روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: (ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا) [1] .


پاورقي

[1] مستدرک الوسائل 217 / 2.