بازگشت

معني الشرك في القرآن


قال الله سبحانه وتعالي:

«وعلي الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت ظهرهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزينا هم ببغيهم وانا لصادقون-فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين-سيقول الذين أشركو الو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتي ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا أن تتبعون إلا الظن وأن أنتم إلا تخرصون-قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين-قل هلهم شهداءكم الذين يشهدون ان الله حرم هذا فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربّهم يعدلون» (146/150 الأنعام).

ان تبريراً بسيطاً ونظرة خاطفة علي هذه الآيات تكشف لنا معني الشرك، بعد أن ذكر الاحكام الشرعية.يبين القرآن الحكيم في بداية قوله:

«فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين» (147/ الأنعام).

ثم يقول في آية أخري:

«سيقول الذين أشركوا شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء» (148/ لأنعام).

ونتابع مع سياق الآيات:

«وهم بربهم يعدلون» (150/ الأنعام).

ومثل هذه الآيات كثيرة في القرآن الحكيم كالآية الكريمة التي تقول:

«أتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا لعيبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون» (31/ التوبة).

وجاء في الجزء العاشر من تفسير المنار بصدد حديثه عن الآية السابقة نقلاً عن الرازي-وهو من كبار المفسرين المسلمين-في كتابه مفاتيح الغيب: (ان الاكثرية من المفسرين قالوا: ليس المراد من اتخاذ الارباب من دون الله الاعتقاد بهم فقط، بل الطاعة في الاوامر والارتداع عن النواهي).

ونقلاً عن عدي بن حاتم الذي كان نصرانياً فأنتهي الي رسول الله (ص) وهو يقرأ سورة براءة فوصل الي هذه الآية، فقال للرسول (ص) [لسنا نعبدهم] قال:

«ألستم تحرمون ما أحل الله فتحرمونه وتحلون ما حرم الله فتستحلونه؟!».

قلت: بلي. قال:[فتلك عبادتهم] ويعلق صاحب المنار علي الآية والمفسرين فيها بما يلي: وجملة القول ان الله تعالي أنكر في كتابه حسب رأيه وفهمه هذا حلال، وهذا حرام، هذا أيضاً ما يقوله الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب وهو حجة في التفسير كما هو حجة في نقله عن أغلب المفسرين الاسلاميين في عصره.

الآن وبعد اتضاح الرؤية وانكشاف الغبار عن وجه الحقيقة.. لنطرح هذا السؤال علي أيدي الاستعمار المتلبسة بشعارات الاسلام [علماء البلاط ووعاظ السلاطين] ماذا تعني هذه الآية وهل هي ترتبط بواقعكم وخضوعكم للانظمة الغربية والشرقية؟

في ذلك العصر عرف المفسرون المسلمون المعني الحقيقي لهذه الآية، والمعني الحقيقي للشرك، الذي يقع في قبالة التقوي، والتي تعني الايمان بالوهية الله في التشريع، والتصميم علي قبول النظام السياسي للقيادة الاسلامية الرسالية، أي قبول قيادة النبي (ص) والائمة من بعده عليهم أفضل الصلاة والسلام.

الطاعة والتقوي هما ما كانت تهدف اليهما رسالات الانبياء، فالتقوي في مقابل الكفر، والطاعة في مقابل الشرك.

اذا عرفنا ذلك فلنعرف قصة النبي ابراهيم عليه السلام.

ان النبي ابراهيم (ع) كغيره من الانبياء عليهم السلام، كانوا يؤكدون علي هذه الفكرة، حيث بعث الي قومه وأخذ ينهاهم عن عبادة الاصنام كما جاء في القرآن الحكيم:

«واتل عليهم نبأ ابراهيم - إذ قال لابيه وقومه ما تعبدون. - قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين - قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضّرون - قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون - قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون - أنتم وآباؤكم الاقدمون» (69/76/ الشعراء).

يأتي نوح (ع) فيقول:

«فاتقوا الله وأطيعون».

ثم يأتي هود ويقول:

«فاتقوا الله وأطيعون».

كذلك ثمود حينما أرسل صالح اليهم قال لهم:

«اني لكم رسول أمين - فاتقوا الله وأطيعون».

ان رسالات الانبياء عليهم السلام خط واحد يمتد عبر التاريخ، مهما طال وبعد، والامام الحسين عليه الصلاة والسلام تجسيد لهذه الرسالات الالهية، وقيامه كقيام أولئك الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولكن بالرغم من ذلك فلابد أن نوف الكلام عن هذه الثورة.

ان الثورة الامام الحسين -عليه الصلاة والسلام-أشبه ما تكون بثورة موسي (ع)، فدم الامام الحسين (ع) بمثابة عصي موسي، هذا الدم أريق ظلماً علي صحراء كربلاء وأما السحرة الذين سجدوا لرب موسي وآمنوا به في لحظات قليلة رغم كل الضغوط فمثلهم كمثل من التحق بالامام الحسين عليه الصلاة والسلام، ومنهم من تغير في ظرف أيام أو ساعات كوهب الذي ترك دينه السابق بعد أن تفجرت في قلبه ينابيع الايمان التي اجتاحت تاريخه الماضي وأمحت سلوكه القديم من الوجود، وكذلك الحر بن يزيد الرياحي الذي انتقل فجأة من مستنقع الشرك ونصرة الباطل الي جنة الايمان ونصرة الحق. فكل أصحاب الامام الحسين (ع) هم رمز البطولة التي تتحدي كل الضغوط انّي كان حجمها ومصدرها.

ولنتدبر في هذه الآية الكريمة لكي نعرف كيف كانت حركة الامام الحسين عليه الصلاة والسلام امتداداً لحركة رسالات السماء عبر التاريخ. إذ يقول الله سبحانه:

«وألقي السحرة ساجدين - قالوا آمنا برب العالمين - رب موسي وهارون - قال فرعون آمنتم به قبل أن اذن لكم ان هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون - لأقطعن أيديكم وأرجلكم من ثم لأصلبنكم أجمعين - قالوا انّا الي ربنا منقلبون» (120/125/ الأعراف).

هكذا تحدوا طغيان فرعون.. كما تحدي أصحاب الامام الحسين عليه الصلاة والسلام فرعون زمانهم [يزيد] فالحركة الاسلامية عبر تيار التاريخ، أنما بنيت وارتفع منارها علي مثل هؤلاء الابطال، الذين تحدوا كل أسباب الضغوط بأرادتهم الرسالية الصلبة.