بازگشت

الانقسام والتنازع الاجتماعي


ان رسالة موسي (ع) كانت قد هبطت علي قوم كانوا قد انقسموا علي أنفسهم فريقين، فالفريق الاول هو فريق المستكبرين الذين يسعون في الارض فساداً، والفريق الثاني هو فريق المستضعفين الذين يقاومون ذلك الفساد بقيادة رسول الله (س)، وحسب منهج سماوي.

وهكذا كان قيام الامام الحسين (ع)، تعبيراً حقيقياً عن ضمير الجماهير المستضعفة التي حاول الفريق المستكبر الحاكم المتمثل في بني أمية، أن سلبهم حريتهم وكرامتهم ودينهم.

علي الرغم من أن هناك رسالات سماوية تختلف شيئاً ما عن ثورة الامام الحسين، حيث يقف الاغلبية المضلة من الناس في مواجهة الرسالة التي جاءت لانقاذهم، ويتدخل عامل الغيب في انقاذ الاقلية المؤمنة من الاكثرية الضالة المضلة، وتنتهي حضارة تلك الاكثرية أو ينتهي مجتمعهم وتهلك قريتهم، بصورة غيبية.

بينما بعض الرسالات لها علائم في ثورة الامام الحسين-عليه الصلاة والسلام-لا يمكن انكارها، وسنشير اليها، ولكن الخط العام لهذه النهضة كان أكثر شبهاً بالخطوط العامة لقيام المستضعفين في عهد موسي (ع) وبقيادته الرشيدة ضد فرعون وملئه.

وحين نقرأ القرآن الحكيم بتدبر، نجد أن قصة موسي-عليه الصلاة والسلام-قد ذكرت حوالي سبعين مرة، وتكررت سائر القصص أقل من هذا بكثير وربما يكون سبب ذلك يتلخص في أمرين:

اولا:

ذلك الذي عبر عنه الرسول (ص)، قائلا،

«لتحذون حذو بني اسرائيل حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة حتي لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه».

ان تفاصيل حياة الامة الاسلامية تشبه حياة بني اسرائيل في عدة نقاط هي التالية:

1-لانها تلك الامة التي فضلت علي العالمين بأمر الله سبحانه وتعالي، في بداية نشوئها وانطلاقها كما فضلت أمة بني اسرائيل.

2-لان تلك الامة التي فضلت باذن الله علي العالمين قد دب اليها الانحراف فانحرفت، وعبدت مرة العجل وطالبت ثانية بصنم، وثالثة انحرفت باختيار الادني علي اللافضل، وهكذا دبت اليها الانحرافات التي ذكرت في سورة البقرة.

الامام الحسين والنبي موسي صرخة الضمير الانساني

ثانياً:

ان الضمير الجماهيري كان مع الامام الحسين (ع)، وهو يعبر عن ذلك الضمير بقوة واصرار.

ولقد التقي الامام الحسين (ع)، في مسيره الي كربلاء بالشاعر الكبير [الفرزدق] وهو من بني تميم، فسأله عن الناس في الكوفة فقال: يا أبا عبد الله [قلوبهم معك وسيوفهم عليك].

ان القلوب التي لم تستطع أن تعبر عن ذاتها بحمل السيف، والارادات الضعيفة التي استسلمت للواقع الفاسد كلها كانت في جانب قيامه المقدس، ومن هنا تماثلت وتشابهت حركة الامام الحسين (ع) في وجه يزيد مع حركة النبي موسي عليه الصلاة والسلام في وجه فرعون، ونجد في سورة الشعراء التي خضعت-حسب الظاهر-لبيان حركة الانبياء والوضع الاجتماعي الفاسد الذي كانت هذه الحركة تسعي من أجل اصلاحه، نجد في هذه السورة، وفي بدايتها بالذات آيات كثيرة وعديدة حول قصة موسي (ع).

أنظروا وتمعنوا في معني الجانب من هذه الآيات لنعرف المفارقات بينها وبين قيام الامام الحسين (ع) يقول ربنا سبحانه وتعالي:

«وإذ نادي ربك موسي ان ائت القوم الظالمين - قوم فرعون ألا يتقون - قال رب اني أخاف أن يكذبون - ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فارسل الي هارون - ولهم عليّ ذنب فأخاف أن يقتلون - قال كلا فاذهبا بآياتنا أنّا معكم مستمعون» (10/15/الشعراء).

في هذه الآيات نجد التأكيد علي دور القائد وضرورة استقامته، وضرورة شجاعته وبطولته وارتفاع مستواه من جميع النواحي وتكاملها، وتفوقه علي ضعف نفسه، النبي موسي (ع) يقول لربه هو يأمره بدعوة قومه الي التقوي:

«أخاف أن يكذبون».

انه كان يخاف أن يضيق صدره بتكذيبهم، ولا ينشرح أمام تكذبيهم، ويخاف أن لا ينطلق لسانه وبالتالي لا يفقهوا قوله، ويخاف أن يحملوا عليه ويقتلونه. واذا بالجواب من الله سبحانه وتعالي، كما جاء في القرآن الحكيم بكلمة واحدة:

«قال كلا فاذهبنا بآياتنا انّا معكم مستمعون».

ان من يحمل رسالة السماء، ويضع علي عاتقه الدفاع عن المحرومين والمستضعفين، يجب عليه أن يكون فوق تلك المعضلات التي بينها، وأن يتكل علي الله سبحانه وتعالي ويعتمد عليه، ويسير وفق هداه، ولا يخاف ولا يخشيدركاً، ولا يتعثر بعقبة.