بازگشت

البطولة الاسلامية و ملحمة كربلاء


من هنا جاءت ملحمة كربلاء لتقسم البطولة الي قسمين:-

النوع الاول: البطولة في الدفاع عن الثغور:

الدفاع عن الامة الاسلامية خارجياً حيث صبغت البطولات الافق بالدم لتحرر البشرية من نير الاستعباد وتدافع عن نبتة الاسلام الوليدة، وكانت هذه التضحيات تقع علي تخوم ومشارف وثغور الدولة الاسلامية.

النوع الثاني: بطولة التصحيح الداخلي:

التضحية لزرع الثقافة الرسالية الثورية في العمق الاسلامي.

فبطولة من أجل تحرير الآخرين. وبطولة أخري من أجل حرية الامة الاسلامية ذاتها.

ومن هنا نستطيع ان نؤكد بأن ملحمة كربلاء أعطت شرعية للثورة ولبطولاتها وللشهادة من أجلها. وبعد كربلاء وجدنا بأن كل الحركات التحررية بلا أستثناء من الخوارج الي حركة الزيدية، الي حركة الاسماعيلية والي حركة القرامطة والي كل الحركات داخل الامة الاسلامية كانت تحاول أن ترتبط بخيط يمدها الي كربلاء. وأن تستلهم من معركة الامام الحسين (ع) دروسها. وأن تغذي أبناءها بروح البطولة المنبعثة من وادي كربلاء، هكذا كانت ثورة الامام الحسين تمتاز بصفة العطاء وهكذا أصبحت مسيرة ثورية أخترقت حاجزالزمان والمكان.

ثانياً: الضغوط الحضارية علي الامة الاسلامية:

علي طول تاريخ الامة الاسلامية التي دخلت الآن في السنة الثامنة بعد الاربعمائة والالف من بداية انطلاقها بعد الهجرة، علي طول هذه الحقبة الزمنية تعرضت أمتنا لضغوط حضارية شديدة جداً كادت تذوب بسببها.

إن هذه الضغوط الحضارية لم تكن خطيرة في الجانب العسكري، لان أمتنا قد تحصنت منذ البدء بفلسفة الشهادة التي لا يخشي عليها من الذوبان العسكري، ولم تكن اقتصادية الاتجاه، لان أمتنا لم تعتمد علي محور المال والثروة والاقتصاد. بل تمحورت حول قيمة الحق. لذلك لم تكن الضغوط الاقتصادية قادرة علي تذويب أمتنا عبر التاريخ، ولم تكن الضغوط الاجتماعية كذلك، لان امتنا تدرعت بدرع حصين من الروابط الاجتماعية المتينة. بل كانت تلك الضغوط ثقافية، الثقافة التي تتسرب كالماء تدخل في عمق القواعد الارضية للامة، و تفسد جماهيرها ثقافياً و فكرياً بطريقة أو بأخري. هذا الضغط كان أشد خطراً من ألف سيف بل مئة ألف سيف بل مليون سيف.

إذن كيف نحافظ علي أمتنا من خطر الغزو الثقافي عبر التايخ. امتداداً من حركة الترجمة اليونانية في البلاد الاسلامية ايام يزيد بن معاوية أول من حاول أن يترجم الكتب الفلسفية الالحادية الي اللغة العربية، امتداداً من ذلك اليوم وانتهاءاً بانتشار الافكار الديصانية، و الافكار الافلاطونية الحديثة، والافكار الهندوكية و الافكار المجوسية!!

الجواب: هو مجالس الذكر.

لا ريب ان العلماء الأمناء علي حلال الله وحرامه هم أول من حافظ علي هذه الثقافة، وأول من ضحي من أجلها.

فحينما كانت ورقة الكتاب تهمة تكفي لاعدام كاتبها، وحينما كانت الدنيا تضيق بأهل العلم الحقيقيين ولا تزال. حينئذ كان المنبر الحسيني وجلسات الذكر ومواكب العزاء ومسيرات التعزية، كلها كانت أداة لتزريق الجماهير بثقافة رسالية حية صافية نقية بعيدة عن الرواسب الجاهلية وعن الافكار المستوردة.

لقد قلت-آنفاً-أن كربلاء ليست ملحمة للبطولة، و انما هي مدرسة لرسالة كلها بما فيها البطولة وبما فيها سائر عناوين الحياة. و حين دخلت ملحمة عاشوراء وعي الامة الاسلامية، فاننا لم نكن نخشي من انهيار ثقافي لان ركيزة ثقافية قوية قد تركزت في عمق الانسان المسلم بسبب كربلاء المقدسة، كون كل انسان مسلم لا سيما الفرد الرسالي يعيش في قلبه خريطة مصغرة لكربلاء ومنذ نعومه أظفاره. ويحمل في قلبه شخصية الامام الحسين عليه السلام، ليس الامام الشهيد فقط وانما كبار أصحابه و ابناءه، فالعباس له مكانة خاصة في قلوب الموالين.. وعلي الاكبر، وحتي ذلك الطفل الرضيع الذي أعدم رمياً بالسهام في أرض كربلاء بعد أن ذاق الامرين من العطش والحر، انه هو الآخر يعيش مثلاً للبراءة.. ومثلاً للبطولة في قلب كل انسان مسلم، أليس كذلك؟!

فكيف يمكن لهذا المسلم الذي يعيش كربلاء ويذوب في ملحمة الحسين عليه السلام وتبقي مأساة أطفال الامام الحسين عليه السلام في قلبه أن ينسي رسالة الاسلام؟ رسالة هذه رموزها هل تنسي؟! وأساساً هناك ما يدغدغ حلم الانسان و يحرك أطيب مشاعره اذا لم تدغدغها ملحمة كربلاء؟!

الجواب: كلا.

ومن هنا أصبح المنبر الحسيني وما يرافقه من وسائل اعلامية -وأستخدم هنا كلمة المنبر بمفهومه الشامل- أصبح درعاً للامة الاسلامية من الهجمات الثقافية الخطيرة ولا يزال. وهنا نتسائل علي ماذا تعتمد ثقافة أمتنا الاسلامية اليوم في العراق؟

فهل تعتمد علي الصحافة التي تسود الاوراق كما تسود وجه التاريخ ووجه الانسانية البيضاء، حيث تراها كل صباح ومساء تمجد خطوات كل مجرم وكل سفاك معتد أثيم، وكل زنيم، هذه الصحف التي يكتب فيها المرتزقة أقاويل ملفقة. فقد كنت أقرأ العدد الاخير الذي سجل بتاريخ [30/أكتوبر] من مجلة الحوادث احدي المجلات السائدة في فلك الرجعية السعودية_وقرأت الواقفين ببلاط الرجعية السعودية كالخدم المهنيين قرأتها فلم أجد كلمة واحدة عن الحج، بالرغم من أن الحج كان أقوي حدث وبارز وأكبر مؤتمر واعمق مسيرة وأشد تأثيراً وفعاليه، ولكن مع ذلك نري بوضوح مرتزقة الرجعة السعودية-تدعي أنها حامية الحرمين الشريفين-لم يكتبوا و لا كلمة واحدة عن الحج. لانهم قد نذروا أنفسهم للفساد وللجريمة ولبيان كل فكرة ملتوية رجعية متوغلة في التبعية والعبودية للغرب ولاميركا بالذات، وهم نظراً لذلك لا يسجلون تطلعات الامة، ولا يكتبون مسيرتها الحقيقية لا يوضحون الوحدة الاسلامية في الحج، وبدلاً من ذلك يذهبون ويسجلون مؤتمر الشمال والجنوب في المكسيك، ويكتبون تقريراً عن جنازة السادات صاحب معاهدة الكامب الخيانية، كل هذا يسجلونه في عشرات صفحات الصحف التابعة للرجعية السعودية.. هذه الأدارة العميلة التي عبئت لذلك الهجوم البربري الثقافي من قبل الغرب ضد أصالة امتنا الاسلامية وضد كرامة أمتنا الانسانية!! ومقابل ذلك يأتي المنبر الحسيني، وبطل عاشوراء الحسين، ليزود الامة بالطاقة والحيوية والاندفاع والحماس، وأيضاً بالفكر الاسلامي، الثوري الرصين والتقدمي.

ثالثاً: الثورة انتفاضة انسانية وحقيقة تاريخية:

ان قيمة كربلاء وملحمتها الثورية ليست فقط في انها كانت ثورة، بل لانها ثورة في ثورة، وتغيير وتصحيح لمسار الثورات وحركات التغيير، انظروا الي التاريخ الاسلامي لتجدوا كم من ثورة انحرفت الي فوضي، وكم من ثورة تحولت الي حزبية ضيقة، والي ديكتاتورية ارهابية، وكم من ثورة نسيت أهدافها وتحولت الي ثورة مضادة حينما وصلت الي السلطة.