بازگشت

ثورة الامام الحسين دروس وعبر


انها «كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء».

ها كلمة تعبّر عن حقيقة تاريخية هامة لا مجال فيها للشك والارتياب، كما انها قابلة للتكرار دوماً في كل واقع وزمان.. وهذا ما أثبته لنا التاريخ.

فلقد تحولت ملحمة كربلاء الي مسيرة ثورية امتدت مع الزمن، كما أمتدت الي آفاق بعيدة، وذلك لان لكل شعب أو أمة رموزاً في مختلف مرافق حياتها.. وكل رمز من هذه الرموز يقوم بوظيفة تجميع وتركيز التجربة في المرفق الخاص به. وملحمة كربلاء تحولت الي رمز للثورة الأصيلة التي جمعت في واقعها كل شروط وعوامل وخصائص الثورة الاسلامية، بل لقد استوعبت هذه التجربة كل دروس الرسالة السماوية عبر التاريخ، حتي في غير مجال الثورة فيما يتعلق بسائر مجالات الحياة، والسبب في ذلك بسيط و واضح جداً، وهو أن قلم الصراع هو أفضل قلم يكتب بحبر الدم علي لوح الزمن ما لا يمكن للمتغيرات أو تصفيها أو أن تنال منها شيئاً.

وحينما يترسخ مبدأ وتتكرس عقيدة تتجذر قيمه بدماء الشهداء في أوج المعركة بين الجاهلية و الاسلام، فلابد أن يبقي ذلك المبدأ وتبقي تلك العقيدة راسخة شامخة دائماً.

و كربلاء ليست مدرسة للبطولة الثورية فقط، وانما هي أيضاً مدرسة لبطولة الانسان حينما يخرج من ذاته، من شح نفسه من حدوده الضيقة ليملأ الدنيا شجاعة وبطولة.. كربلاء مدرسة الوفاء، مدرسة التبتل والضراع، مدرسة الحب و التضحية، مدرسة العلم والتقوي، بالإضافة الي أنها مدرسة الجهاد والاستشهاد.

وبالتالي فان كربلاء رمز لكل ملحمة.. و بذلك أصبحت مسيرة. إذ أننا حينما نجدد ذكري الامام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه المستشهدين في أرض كربلاء في سنة (61) من الهجرة، فاننا نتذكر ايضاً ملحمة مسلم بن عقيل في الكوفة، وملحمة الحسين الشهيد، صاحب فخ بين مكة والمدينة، وجهاد الابطال من أبناء الامام الحسين، وأبناء زيد بن علي بن الحسين، وبالتالي فاننا نتذكر مكابدة كل الثائرين عبر تاريخنا المليء بدم الثوار، و المضوّع بأجساد شهدائنا الطاهرة.

من هنا أصبحت [كل أرض كربلاء] و [كل يوم عاشوراء]، لان كليهما قد استوعب تجربتنا. وتعظيمنا نحن الامة الاسلامية الثورية وتقديرنا وتكرينما لهذه الملحمة، انما هو تكريم لكل ثورة رسالية أصيلة، ولكل دم زكي طاهر أريق في أية ثورة.

ولذلك وفي بداية هذه السنة الهجرية الثامنة بعد الاربعمائة والالف نعزي أمتنا الاسلامية تعزية تحمل في طياتها البشارة بالنصر، فبكاونا ليس وسيلة للعجز. وحزننا ليس يأساً وأداء للانطواء إنما هو أمل يفتح لنا الطريق واسعاً، ويسد أمامنا أبواب الخزي والتخاذل والغرور والخداع الذاتي. وتجديدنا لذكري الشهداء ليس طريقاً للتعويض بهم عن شهادتنا و عن تضحياتنا.. ان بكاءنا تنديد بالظلم، وعويلنا وصراخنا انما هو صراخ الضمير الحر و الحي النابض في وجدان أمنتا، وصراخ النفس الابية ضد العبودية والطغيان. وبالتالي هو وسيلتنا للتعبير عن سخطنا وأعتراضنا المغلف بالحزن و الاسي علي الفساد المنتشر في أنحاء الارض.. وتكريمنا للشهداء معراجنا الي ذلك المستوي الاسمي الذي بلغه هؤلاء الابرار.

انهم مدرّسونا، فنتعلم منهم كيف ننتصر علي ذواتنا، و نصل الي مستوي آبائنا وأسلافنا الذين ذهبوا شهداء في طريق الحق.

وهنا ألخّص بعض العبر والدروس التي نستوحيها من هذه الذكري العظيمة.. ذكري عاشوراء الدم والتضحية:

أولاً: خط الثورة والنظام المضاد:

خط الثورة كان أبداً قاطرة التقدم للامم، وطريقاً لتبديد سبات الانسان، وخروجاً عن الجمود، وانطلاقاً نحو بناء المستقبل، بينما كان خط الانظمة الفاسدة خطاً مضاداً لهذه الحركة التقدمية عبر التاريخ، ومن هنا فإن هناك ثقافتين تتراوحان في الحركة الاجتماعية..

ثقافة الانظمة التي تتمحور حول شرعية المؤسسات الجامدة الرجعية القائمة، وثقافة الشعوب.. ثقافة الثورة التي تعطي الشرعية لبناء المستقبل. وعاشوراء في تاريخنا الاسلامي تؤكد شرعية الثورة، وتعطينا بداية للعمل الثوري كون الحق لا يبتدأ مرحلته بالاستسلام والسكوت، والذل والخنوع، وانما يبدأ بالرفض.. كلمة التوحيد تبدأ بحرف [لا]

ونقول:

«لا إله إلا الله».

هذه العبارة التي تجسد تكريساً للرسالات السماوية، فكل الانبياء عليهم صلوات الله قد جاءوا لكي يكرسوا خط الحنفية البيضاء. أي: الرفض لكل ما هو شرك وفساد وانحراف، وخط الرفض هذا الذي انبعث في الامة الاسلامية كان موجهاً ضد الخارج، أي ضد من سموا بالكفار والمشركين والجاهلين، لان حركة الفتح الاسلامي المتصاعدة منذ بداية الهجرة تقريباً و حتي سنة (61) والتي كانت كأمواج البحر تتوسع في سرعة هائلة، وجهت رفض الامة وتمرد الجماهير وثورة الشعب ضد الاجنبي، ولذلك كانت كل البطولات التي سجلت في تاريخنا الاسلامي قبل ملحمة كربلاء موجهة لاعداء الامة الخارجيين، وليس ضد الانحراف الداخلي الذي كان ينخر في أعماق الامة الاسلامية، وفي نفس الوقت كانت النفوس الابية والروح المتعطشة للشهادة و القلوب الملتهبة ايماناً وحماساً من أجل الدين، كانت تترك داخل البلاد و تتوجه الي الفتوحات الاسلامية خارج البلاد حتي أصبح المثل الاعلي للشهيد هو أن يقتل في حدود الامة الاسلامية، أما داخل الدولة فكانت عربدات معاوية ومفاسد يزيد، وجرائم زياد وابن زياد، وتحريفات سمرة بن جندب، و من أشبه هي الرائحة، و بلغ الانحراف الذروة داخل كيان الأمة الاسلامية العملاق و العظيم حتي يكاد يسقط بسبب تلك الارضة التي كانت تنخر في العصي التي تعتمد و تتكيء عليها لولا ملحمة الامام الحسين و شرعية الثورة.

بلي لولا أبوا الشهداء الامام الحسين بن علي الذي بعث من وادي كربلاء صرخة دوت عبر التاريخ الاسلامي، وصنعت بطولة من نوع جديد جسدت فلسفة الشهادة و روح الرسالة وحماس التضحية من أجل الله في الثورة التحررية داخل الامة الاسلامية في مقاومة الانحراف الداخلي. وبالتالي حافظت علي عمق هذه الشجرة. لذلك لو قيل أن شجرة الاسلام قد سقيت بدم الشهيد وأبي الشهداء الامام الحسين بن علي (ع)، فان ذلك ليس جزافاً، فلولا هذا الدم لما قام للاسلام عود،و بيد ان الشجرة قد نمت بدماء الشهداء الاولين كجعفر بن أبي طالب وحمزة سيد الشهداء في عصرهم، إلا ان أرضة الفساد في هذه الامة كاد يؤدي بهذه الشجرة الي السقوط، فجاء دم الامام الحسين ليصحح هذا الخلل.