بازگشت

في ذكر رجال سليمان بن صرد و خروجه و مقتله


لما أراد النهوض بعسكره من النخيلة و هي العباسية مستهل شهر ربيع الآخر سنة خمس و ستين، و هي السنة التي أمر مروان بن الحكم أهل الشام بالبيعة من بعده لابنيه عبد الملك و عبد العزيز، و جعلهما وليي عهده، و فيها مات مروان بدمشق مستهل شهر رمضان، و كان عمره إحدي و ثمانين سنة، و كانت خلافته تسعة أشهر و كان عبيد الله بالعراق، فسا رحتي نزل الجزيرة فأتاه الخبر بموت مروان، و خرج سليمان بن صرد ليرحل فرأي عسكره فاستقله، فبعث حكيم بن منقذ الكندي و الوليد بن حصين الكناني في جماعة، و أمرهما بالنداء في الكوفة يا آل ثأرات الحسين عليه السلام فسمع النداء رجل من كثير من الازد، و هو عبد الله بن حازم و عنده ابنته و إمرأته سهلة بن سبرة، و كانت من أجمل النساء و أحبهم إليه، و لم يكن دخل في القوم فوثب إلي ثيابه فلبسها، و إلي سلاحه و فرسه، قالت له زوجته: ويحك أجننت؟ قال: لا و لكني سمعت داعي الله عز و جل فأنا مجيبه، و طالب بدم هذا الرجل حتي أموت، فقالت: إلي من تودع بيتك هذا؟ قال: إلي الله أللهم إني أستودعك ولدي و أهلي! أللهم احفظني فيهم، و تب علي مما فرطت في نصرة ابن بنت نبيك ثم نادوا يا آل ثأرات الحسين في الجامع، و الناس يصلون العشاء الآخرة فخرج جمع كثير إلي سليمان و كان معه ستة عشر ألفا مثبتة في ديوانه، فلم يصف منهم سوي أربعة آلاف، و عزم علي المسير إلي الشام لمحاربة عبيد الله بن زياد، فقال


له عبد الله بن سعد: إن قتلة الحسين كلهم بالكوفة، منهم عمربن سعد و رؤس الارباع و أشرا ف القبائل و ليس بالشام سوي عبيد الله بن زياد؟ فلم يوافق إلا علي المسير فخرج عشية الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الاخر كما ذكرنا فباتوا بدير الاعور، ثم سار فنزل علي أقساس بني مالك علي شاطئ الفرات، ثم أصبحوا عند قبر الحسين عليه السلام فأقاموا يوما و ليلة يصلون و يستغفرون ثم ضجوا ضجة واحدة بالبكاء و العويل فلم ير يوم أكثر بكاء فيه، و ازدحموا عند الوداع علي قبره كالزحام علي الحجر الاسود، و قام في تلك الحال وهب بن زمعة الجعفي باكيا علي القبر و أنشد أبيات عبيد الله بن الحر الجعفي:



تبيت النشاوي من أمية نوما

و بالطف قتلي ما ينام حميمها



و ما ضيع الاسلام إلا قبيلة

تأمر نوكاها و دام نعيمها



و أضحت قناة الدين في كف ظالم

إذا اعوج منها جانب لا يقيمها



فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة

و عيني تبكي لا يجف سجومها



حياتي أو تلقي أمية خزية

يذل لها حتي الممات قرومها



و كان مع الناس عبد الله بن عوف الاحمر علي فرس كميت يتأكل تأكلا [1] .



و هو يقول:



خرجن يلمعن بناأرسلا

عوابسا قد تحمل الابطالا



نريد أن نلقي بها الاقيالا

الفاسقين الغدر الضلالا



و قد رفضنا الاهل والاموالا

و الخفرات البيض و الحجالا [2] .



نرجو به التحفة و النوا لا

لنرضي المهيمن المفضالا



فساروا حتي أتوا هيت، ثم خرجوا حتي انتهوا إلي قرقيسا، و بلغهم أن


أهل الشام في عدد كثير فساروا سيرا مغذا حتي وردوا عين الوردة عن يوم و ليلة ثم قام سليمان بن صرد، فوعظهم و ذكرهم الدار الآخرة و قال: إن قتلت فأميركم المسيب بن نجبة فان اصيب المسيب فالأَمير عبد الله بن سعد بن نفيل، فان اصيب فأخوه خالد بن سعد فان قتل خالد فالأَمير عبد الله بن وأل، فان قتل ابن وأل فأميركم رفاعة بن شداد ثم بعث سليمان المسيب بن نجبة في أربعة آلاف فارس رائدا، و أن يشن عليهم الغارة، قال حميد بن مسلم: كنت معهم فسرنا يومنا كله و ليلتنا، حتي إذا كان السحر نزلنا و هو منا [3] ثم ركبنا و قد صلينا الصبح ففرق العسكر و بقي معه مائة فارس، فلقي أعرابيا فقال: كم بيننا و بين أدني القوم؟ فقال: ميل - أقول و الميل أربعة آلاف ذراع و كل ثلاثة أميال فرسخ - و هذا عسكر شراحيل بن ذي الكلاع [4] من قبل عبيد الله معه أربعة آلاف، و من ورائهم الحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف، و من ورائهم الصلت بن ناجية الغلابي في أربعة آلاف، و جمهور العسكر مع عبيد الله بن زياد بالرقة فساروا حتي أشرفوا علي عسكر الشام، فقال المسيب لاصحابه: كروا عليهم، فحمل عسكر العراق فانهزموا فقتل منهم خلق كثير و غنموا منهم غنيمة عظيمة و أمرهم المسيب بالعود فرجعوا إلي سليمان بن صرد و وصل الخبر إلي عبيد الله فسرح إليهم الحصين بن نمير و أتبعه بالعساكر حتي نزل في عشرين ألفا و عسكر العراق يومئذ ثلاثة آلاف و مائة لا غير ثم تهيأت العساكر للحرب، فكان علي ميمنة أهل الشام عبد الله بن الضحاك ابن قيس الفهري، و علي ميسرتهم مخارق بن ربيعة الغنوي، و علي الجناح شراحيل ابن ذي الكلاع الحميري، و في القلب الحصين بن نمير السكوني، ثم جعل أهل العراق علي ميمنتهم المسيب بن نجبة الفزاري، و علي ميسرتهم عبد الله بن سعد بن


نفيل الازدي، و علي الجناح رفاعة بن شداد البجلي، و علي القلب الامير سليمان بن صرد الخزاعي و وقف العسكر فنادي أهل الشام: أدخلوا في طاعة عبد الملك بن مروان، و نادي أهل العراق: سلموا إلينا عبيد الله بن زياد و أن يخرج الناس من طاعة عبد الملك و آل الزبير، و يسلم الامر إلي أهل بيت نبينا فأبي الفريقان، و حمل بعضهم علي بعض، و جعل سليمان بن صرد يحرضهم علي القتال، و يبشرهم بكرامة الله، ثم كسرجفن سيفه و تقدم نحو أهل الشام، و هو يقول:



إليك ربي تبت من ذنوبي

و قد علاني في الوري مشيبي



فارحم عبيدا عرما تكذيب

و اغفر ذنوبي سيدي و حوبي



قال حميد بن مسلم: حملت ميمنتنا علي ميسرتهم، و حملت ميسرتنا علي ميمنتهم، و حمل سليمان في القلب فهزمناهم و ظفرنا بهم، و حجز الليل بيننا و بينهم ثم قاتلناهم في الغد و بعده حتي مضت ثلاثة أيام ثم أمرهم الحصين بن نمير لاهل الشام برمي النبل فأتت السهام كالشرار المتطائر فقتل سليمان بن صرد - ره - فلقد بذل في أهل الثأر مهجته، و أخلص لله توبته و قد قلت: هذين البيتين حيث مات مبراءا من العتب و الشين:



قضي سليمان نحبه فغدا

إلي جنان و رحمة الباري



مضي حميدا في بذل مهجته

و أخذه للحسين بالثأر



ثم أخذ الراية المسيب بن نجبة، فقاتل قتالاخرت له الاذقان، و أثر في ذلك الجيش الجم الطعان ثلاث مرات، و كان من أعظم الشجعان قتالا و أكرهم علي الاعداء نكالا، و هو يقول:



قد علمت ميالة الذوائب

واضحة الخدين و الترائب



أني غداة الروع و التغالب

أشجع من ذي لبدة مواثب



قصاع أقران مخوف الجانب

فلم يزل يكر عليهم فيفرون بين يديه حتي تكاثروا فقتلوه ثم أخذ الراية عبد الله بن سعد بن نفيل ثم حمل علي القوم و طعن و هو يقول:






ارحم إلهي عبدك التوابا

و لا تؤاخذه فقد أنابا



و فارق الاهلين و الاحبابا

يرجو بذاك الفوز والثوابا



فلم يزل يقاتل حتي قتل ثم تقدم أخوه خالد بن سعد بالراية، و حرضهم علي القتال، و رغبهم في حميد المال، فقاتل أشد قتال، و نكل بهم أي نكال حتي قتل و تقدم عبد الله بن وأل فأخذ الراية، و قاتل حتي قطعت يده اليسري ثم استند إلي أصحابه و يده تشخب دما ثم كر عليهم، و هو يقول:



نفسي فداكم اذكروا الميثاقا

و صابروهم و احذروا النفاقا



لا كوفة نبغي و لا عراقا

لابل نريد الموت والعتاقا



و قاتل حتي قتل، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم النجدة مع المثني بن مخرمة العبدي من البصرة و من المدائن مع كثير بن عمرو الحنفي فاشتدت قلوب أهل العراق بهم، و اجتمعوا و كبروا و اشتد القتال، فتقدم رفاعة بن شداد نحو صفوف الشام و هو يرتجز و يقول:



يا رب إني تائب إليكا

قد انكلت سيدي عليكا



قدما ارجي الخير من يديكا

فاجعل ثوابي أملي إليكا



قال عبد الله بن عوف الازدي: و اشتد القتال حتي بان في أهل العراق الضعف و القلة، و تحدثوا في ترك القتال، فبعضهم يوافق، و بعضهم يقول إن ولينا ركبنا السيف، فلا نمشي فرسخا حتي لا يبقي منا واحد، و إنما نقاتل حتي يأتي الليل و نمضي، ثم تقدم عبد الله بن عوف إلي الراية فرفعها، و اقتتلوا أشد قتال، فقتل جماعة من أهل العراق، و انفلت الجموع، و افترق الناس، و عاد العسكر حتي وصلوا قرقيسا من جانب البر، و جاء سعد بن حذيفة إلي هيت، فلقيه الاعراب فأخبروه بما لقي الناس، ثم عاد أهل المدائن و أهل البصرة و أهل الكوفة إلي بلادهم، و المختار محبوس و كان يقول لاصحابه عدوا لغارتكم هذا أكثر من عشر و دون الشهر، ثم يجيئكم نبأ هتر، من طعن بتر، و ضرب هبر، و قتل جم، و أمرهم


فمن لها، أنا لها، لا تكذبن أنا لها، و كان المختار يأخذ أفعاله بالرجز و الفراسة و الخدع و حسن السياسة قال المرزباني في كتاب الشعراء: كان له غلام اسمه جبرئيل، و كان يقول: قال لي جبرئيل، و قلت لجبرئيل فيتوهم الاعراب و أهل البوادي أنه جبرئيل عليه السلام فاستحوذ عليهم بذلك حتي انتظمت له الامور، و قام باعزاز الدين و نصره، و كسر الباطل و قصره و لما قدم أصحاب سليمان بن صرد من الشام، كتب إليهم المختار من الحبس أما بعد فان الله أعظم لكم الاجر، و حط عنكم الوزر، و بمفارقة القاسطين، و جهاد المحلين، إنكم لن تنفقوا نفقة و لم تقطعوا عقبة، و لم تخطوا خطوة إلا رفع الله لكم بها درجة، و كتب لكم حسنة، فابشروا فاني لو خرجت إليكم جردت فيما بين المشرق و المغرب من عدوكم بالسيف باذن الله، فجعلتهم ركاما، و قتلتهم فذا و توأما، فرحب الله لمن قارب و اهتدي، و لا يبعد الله إلا من عصي و أبي، و السلام يا أهل الهدي فلما جاء كتابه وقف عليه جماعة من رؤساء القبائل و أعادوا الجواب: قرأنا كتابك و نحن حيث يسرك، فان شئت أن نأتيك حتي نخرجك من الحبس فعلنا فأخبره الرسول فسر باجتماع الشيعة له، و قال: لا تفعلوا هذا فاني أخرج في أيامي هذه، و كان المختار قد بعث إلي عبد الله بن عمربن الخطاب أما بعد فاني حبست مظلوما و ظن بي الولاة ظنونا كاذبة، فاكتب في رحمك الله إلي هذين الظالمين، و هما عبد الله بن يزيد، و إبراهيم بن محمد كتابا عسي الله أن يخلصني من أيديهما بلطفك و منك و السلام عليك فكتب إليهما ابن عمر أما بعد فقد علمتما الذي بيني و بين المختار من الصهر و الذي بيني و بينكما من الود فأقسمت عليكما لما خليتما سبيله، حين تنظر ان في كتابي هذا و السلام عليكما و رحمة الله و بركاته فلما قرأ الكتاب، طلبا من المختار كفلاء فأتاه جماعة من أشراف الكوفة، فاختارا منهم عشرة ضمنوه، و حلفاه أن


لا يخرج عليهما، فان هو خرج فعليه ألف بدنة ينحرها لدي رتاج الكعبة، و مماليكه كلهم أحرار، فخرج و جاء داره قال حميد بن مسلم: سمعت المختار يقول: قاتلهم الله ما أجهلهم و أحمقهم حيث يرون أني أفي لهم بأيمانهم هذه، أما حلفي بالله فانه ينبغي إذا حلفت يمينا و رأيت ما هو أولي منها أن أتركها و أعمل الاولي و اكفر عن يميني، و خروجي خير من كفي عنهم، و أما هدي ألف بدنة فهو أهون علي من بصقة، و ما يهولني ثمن ألف بدنة، و أما عتق مماليكي فو الله لوددت أنه استتب لي أمري من أخذ الثأر ثم لم أملك مملوكا أبدا و لما استقر في داره، اختلفت الشيعة إليه، و اجتمعت عليه، و اتفقوا علي الرضا به، و كان قد بويع له و هو في السجن و لم يزل يكثرون و أمرهم يقوي و استقبلت حتي عزل عبد الله بن الزبير الواليين من قبله، و هما عبد الله بن زيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة المذكورين، و بعث عبد الله بن مطيع واليا علي الكوفة، و الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة علي البصرة، فدخل ابن مطيع إليها و بعث المختار إلي أصحابه فجمعهم في الدور حوله، و أراد أن يثب علي أهل الكوفة فجاء رجل من أصحابه من شبام عظيم الشرف و هو عبد الرحمن بن شريح فلقي جماعة منهم سعد بن منقذ، و سعر بن أبي سعر الحنفي، و الاسود الكندي و قدامة بن مالك الجشمي، و قد اجتمعوا، فقالوا له: إن المختار يريد الخروج بنا للاخذ بالثأر و قد بايعناه، و لا نعلم أرسله إلينا محمد ابن الحنفية أم لا؟ فانهضوا بنا إليه نخبره بما قدم به علينا، فان رخص لنا اتبعناه و إن نهانا تركناه، فخرجوا و جاؤا إلي ابن الحنفية فسألهم عن الناس فخبروه، و قالوا: لنا إليك حاجة قال: سر أم علانية، قلنا: بل سر، قال: رويدا إذن، ثم مكث قليلا و تنحي و دعانا فبدأ عبد الرحمن بن شريح بحمد الله و الثناء عليه و قال: أما بعد فانكم أهل بيت خصكم الله بالفضيلة، و شرفكم بالنبوة، و عظم حقكم علي هذه الامة، و قد اصبتم بحسين مصيبة عمت المسلمين، و قد قدم المختار يزعم أنه جاء من قبلكم و قد دعانا


إلي كتاب الله و سنة نبيه، و الطلب بدماء أهل البيت، فبايعناه علي ذلك فان أمرتنا باتباعه اتبعناه و إن نهيتنا اجتنبناه فلما سمع كلامه و كلام غيره، حمد الله و أثني عليه، وصلي علي النبي و قال: أما ما ذكرتم مما خصنا الله فان الفضل لله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم و أما مصيبتنا بالحسين فذلك في الذكر الحكيم، و أما الطلب بدمائنا قال جعفر بن نما مصنف هذا الكتاب: فقد رويت عن والدي رحمة الله عليه أنه قال لهم: قوموا بنا إلي إمامي و إمامكم علي بن الحسين، فلما دخل و دخلوا عليه أخبر خبرهم الذي جاؤا لاجله، قال: يا عم لو أن عبدا زنجيا تعصب لنا أهل البيت، لوجب علي الناس موازرته، و قد وليتك هذا الامر، فاصنع ما شئت فخرجوا و قد سمعوا كلامه و هم يقولون: أذن لنا زين العابدين عليه السلام و محمد ابن الحنفية و كان المختار علم بخروجهم إلي محمد ابن الحنفية و كان يريد النهوض بجماعة الشيعة قبل قدومهم، فلما تهيأ ذلك له، و كان يقول: إن نفيرا منكم تحيروا و ارتابوا، فإن هم أصابوا أقبلوا و أنابوا، و إن هم كبوا و هابوا و اعترضوا و انجابوا فقد خسروا و خابوا، فدخل القادمون من عند محمد ابن الحنفية فقال: ماوراء كم فقد فتنتم و ارتبتم؟ فقالوا: قد امرنا بنصرتك، فقال: أنا أبو إسحاق أجمعوا إلي الشيعة فجمع من كان قريبا فقال: يا معشر الشيعة إن نفرا أحبوا أن يعلموا مصداق ما جئت به، فخرجوا إلي إمام الهدي و النجيب المرتضي و ابن المصطفي المجتبي - يعني زين العابدين عليه السلام - فعرفهم أني ظهيره و رسوله، و أمركم باتباعي و طاعتي و قال كلاما يرغبهم إلي الطاعة و الاستنفار معه و أن يعلم الحاضر الغائب و عرفه قوم أن جماعة من أشراف الكوفة، مجتمعون علي قتالك مع ابن مطيع، و متي جاء معنا إبراهيم بن الاشتر رجونا بإذن الله تعالي القوة علي عدونا فله عشيرة، فقال: القوه و عرفوا الاذن لنا في الطلب بدم الحسين و أهل بيته فعرفوه فقال: قد أجبتكم علي أن تولوني الامر فقالوا له: أنت أهل و لكن ليس


إليه سبيل، هذا المختار قد جاءنا من قبل إمام الهدي و من نائبه محمد ابن الحنفية و هو المأذون له في القتال، فلم يجب فانصرفوا و عرفوه المختار فبقي ثلاثا ثم إنه دعا جماعة من وجوه أصحابه قال عامر الشعبي: و أنا و أبي فيهم، فسار المختار و هو أمامنا يقدبنابيوت الكوفة، لا يدري أين يريد حتي وقف علي باب إبراهيم، فأذن له و القيت الوسائد فجلسنا عليها و جلس المختار معه علي فراشه، و قال: هذا كتاب محمد بن أمير المؤمنين عليه السلام يأمرك أن تنصرنا فان فعلت اغتبطت، و إن امتنعت فهذا الكتاب حجة عليك و سيغني الله محمدا و أهل بيته عنك و كان المختار قد سلم الكتاب إلي الشعبي فلما تم كلامه قال:، ارفع الكتاب إليه ففض ختمه و هو كتاب طويل فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد المهدي إلي إبراهيم بن الاشتر سلام عليك قد بعثت إليك المختار و من ارتضيته لنفسي، و قد أمرته بقتال عدوي، و الطلب بدماء أهل بيتي فامض معه بنفسك و عشيرتك، و تمام الكتاب بما يرغب إبراهيم في ذلك فلما قرأ الكتاب قال: ما زال يكتب إلي اسمه و اسم أبيه فما باله و يقول في هذا الكتاب المهدي؟ قال المختار: ذاك زمان، قال إبراهيم: من يعلم أن هذا كتاب ابن الحنفية إلي؟ قال يزيد بن أنس و أحمر بن سقيط و عبد الله بن كامل و غيرهم: نحن نعلم و نشهد أنه كتاب محمد إليك، قال الشعبي: إلا أنا و أبي لا نعلم، فعند ذلك تأخر إبراهيم عن صدر الفراش، و أجلس المختار عليه، و قال: أبسط يدك فبسط يده فبايعه، و دعا بفاكهة و شراب من عسل فأصبنا منه فأخرجنا معنا إبراهيم إلي أن دخل المختار داره فلما رجع أخذ بيدي و قال: ياشعبي علمت أنك لا تشهد و لا أبوك أفتري هؤلاء شهدوا علي حق؟ قلت: شهدوا علي ما رأيت و فيهم سادة القراء و مشيخة المصر و فرسان العرب، و ما يقول مثل هؤلاء إلا حقا و كان إبراهيم رحمه الله ظاهر الشجاعة، واري زناد الشهامة، نافذ حد الصرامة


مشمرا في محبة أهل البيت عن ساقيه، متلقيا راية النصح لهم بكلتا يديه، فجمع عشيرته و إخوانه و أهل مودته و أعوانه، و كان يترددبهم إلي المختار عامة الليل، و معه حميد بن مسلم الازدي حتي تصوب النجوم، و تنقض الرجوم، و أجمع رأيهم أن يخرجوا يوم الخميس لاربع عشر ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ست و ستين و كان إياس بن مضارب صاحب شرطة عبد الله بن مطيع أمير الكوفة، فقال له: إن المختار خارج عليك لا محالة، فخذ حذرك ثم خرج إياس مع الحرس، و بعث ولده راشدا إلي الكناسة، و جاء هو إلي السوق و أنفذ ابن مطيع إلي الجبانات من شحنها بالرجال يحرسها من أهل الريبة، و خرج إبراهيم بعد المغرب إلي المختار و معه جماعة عليهم الدروع و فوقها الاقيبة و قد أحاط الشرط بالسوق و القصر، لقي إياس بن مضارب أصحاب إبراهيم و هم متسلحون، فقال: ما هذا الجمع؟ إن أمرك لمريب، و لا أتركك حتي آتي بك إلي الامير، فامتنع إبراهيم و وقع التشاجر بينهم، و مع إياس رجل من همدان اسمه أبا قطن قال له إبراهيم: ادن مني لانه صديقه فظن أنه يريد أن يجعله شفيعه في تخلية القوم و بيد أبي قطن رمح طويل فأخذه إبراهيم منه و طعن إياس بن مضارب في نحره فصرعه و أمرهم فاجتزوا رأسه و انهزم أصحابه و أقبل إبراهيم إلي المختار و عرفه ذلك فاستبشر و تفاءل بالنصر و الظفر، ثم أمر باشعال النار في هرادي القصب و بالنداء يا آل ثأرات الحسين و لبس درعه و سلاحه، و هو يقول:



قد علمت بيضاء حسناء الطلل

واضحة الخدين عجزاء الكفل



إني غداة الروع مقدام بطل

لا عاجز فيها و لا و غد فشل



فأقبل الناس من كل ناحية و جاء عبيد الله بن الحر الجعفي في قومه و تقاتلوا قتالا عظيما، و شرد الناس و من كان في الطرق و الجبانات من أصحاب السلاح و استشعروا الحذر، و تفرقوا في الازقة خوفا من إبراهيم و أشار شبث بن ربعي علي الامير ابن مطيع بالقتال، فعلم المختار فخرج في أصحابه حتي نزل دير هند مما يلي بستان زائدة في السبخة، ثم جاء أبو عثمان النهدي في جماعة أصحابه إلي


الكوفة، و نادوا يا آل ثأرات الحسين يا منصور أمت - و هذه علامة بينهم - يا أيها الحي المهتدون، ألا إن أمين آل محمد قد خرج فنزل ديرهند و بعثني إليكم داعيا و مبشرا فاخرجوا إليه رحمكم الله فخرجوا من الدور يتداعون و في هذا المعني قلت هذه الابيات متأسفا علي ما فات، كيف لم أكن من أصحاب الحسين عليه السلام في نصرته و لا من أصحاب المختار و جماعته



و لما دعا المختار للثأر أقبلت

كتائب من أشياع آل محمد



و قد لبسوا فوق الدروع قلوبهم

و خاضوا بحار الموت في كل مشهد



هم نصروا سبط النبي و رهطه

و دانوا بأخذ الثار من كل ملحد



ففازوا بجنات النعيم و طيبها

و ذلك خير من لجين و عسجد



و لو أنني يوم الهياج لدي الوغي

لا عملت حد المشرفي المهند



فوا أسفا إذ لم أكن من حماته

فأقتل فيهم كل باغ و معتد




پاورقي

[1] اي يأکل نفسه من الغضب و الحرقة و التوهج و القياس أن يقال يأتکل کما قال الاعشي:



أبلغ يزيد بني شييان مألکة

أبا ثبيت أما تنفک تأتکل.

[2] جمع حجلة بيت العروس يزين بالثياب و الاسرة و الستور.

[3] التهويم: النوم القليل شبه النعاس.

[4] و يقال: شرحبيل أيضا راجع الاستيعاب و الاصابة ترجمة ذي الکلاع.