بازگشت

الاسلوب الحكيم


بحار الأنوار: ج 45 ص 8 - 10، عن المناقب: بإسناده، عن عبد الله بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه، عن عبد الله قال.

لمّا عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين بن علي (عليه السلام) ورتّبهم، وأقام الرايات في مواضعها، وعبّأ أصحاب الميمنة والميسرة، فقال لأصحاب القلب: اثبتوا. وأحاطوا بالحسين من كل جانب حتي جعلوه في مثل الحلقة فخرج (عليه السلام) حتي أتي الناس فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتي قال لهم:

ويلكم ما عليكم أن تنصتوا إليَّ فتسمعوا قولي، وإنما أدعوكم إلي سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين، ومن عصاني كان من المهلكين، وكلّكم عاص لأمري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام، وطبع علي قلوبكم ويلكم ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟ فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا: أنصتوا له.

فقام الحسين (عليه السلام) ثم قال: تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً، أفحين استصرختمونا ولهين متحيَّرين فأصرختكم مؤدّين مستعدّين، سللتم علينا سيفاً في رقابنا، وحششتم علينا نار الفتن خباها عدوّكم وعدوّنا، فأصبحتم إلباً علي أوليائكم ويداً عليهم لأعدائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، إلاّ الحرام من الدنيا أنالوكم، وخسيس عيش طمعتم فيه، من غير حدث كان منّا ولا رأي تفيل لنا، فهلاّ - لكم الويلات - إذ كرهتمونا وتركتمونا تجهّزتموها والسيف لم يشهر، والجأش طامن، والرأي لم يستحصف، ولكن أسرعتم علينا كطيرة الذباب، وتداعيتم كتداعي الفراش، فقبحاً لكم، فإنّما أنتم من طواغيت الأمّة وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرِّفي الكتاب، ومطفئ السنن، وقتلة أولاد الأنبياء، ومبيري عترة الأوصياء، وملحقي العهار بالنسب، ومؤذي المؤمنين، وصراخ أئمّة المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين.

وأنتم ابنَ حرب وأشياعه تعتمدون، وإيّانا تخاذلون، أجل والله الخذل فيكم معروف، وشجّت عليه عروقكم، وتوارثته أصولكم وفروعكم، وثبتت عليه قلوبكم، وغشيت صدوركم، فكنتم أخبث شيء سخناً للناصب وأُكلة للغاصب، ألا لعنة الله علي الناكثين الذين ينقضون الإيمان بعد توكيدها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً فأنتم والله هم.

ألا إنَّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات ما آخذ الدنية، أبي الله ذلك ورسوله، وجدود طابت، وحجور طهرت، وأنوف حميّة ونفوس أبيّة، لا تؤثر مصارع اللّئام علي مصارع الكرام، ألا قد أعذرت وأنذرت ألا إنّي زاحف بهذه الأسرة، علي قلّة العتار، وخذلة الأصحاب، ثمّ أنشأ يقول:



فـــإن نَـــــهزم فـهزّامون قدماً

وإن نُهــــــزم فغــــير مهزَّمينا



ومـــا إن طبــــــنا جبــن ولكن

منـــــــايانا ودولــة آخــــــرينا



ألا! ثمَّ لا تلبثون بعدها إلاّ كريثَ ما يركب الفرس، حتي تدور بكم الرحي، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثمَّ كيدوني جميعاً فلا تنظرون إنّي توكّلت علي الله ربي وربكم ما من دابّة إلاّ هو آخذ بناصيتها إنَّ ربي علي صراط مستقيم.

اللهمَّ احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسني يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبّرة، ولا يدع فيهم أحداً إلا [قتله] قتلة بقتلة، وضربة بضربة، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم، فإنهم غرّونا وكذبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

ثمّ قال: أين عمر بن سعد؟ ادعوا لي عمر! فدعي له، وكان كارهاً لا يحبّ أن يأتيه فقال: يا عمر أنت تقتلني؟ تزعم أن يولّيك الدعيّ بن الدعيّ بلاد الريّ وجرجان، والله لا تتهنّأ بذلك أبداً، عهداً معهوداً، فاصنع ما أنت صانع، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، ولكأنّي برأسك علي قصبة قد نصب بالكوفة، يتراماه الصبيان ويتّخذونه غرضاً بينهم.

فاغتاظ عمر من كلامه، ثمّ صرف بوجهه عنه، ونادي بأصحابه: ما تنتظرون به؟ احملوا بأبجمعكم إنّما هي أكلة واحدة، ثم إنَّ الحسين دعا بفرس رسول الله المرتجز فركبه، وعبّأ أصحابه.