بازگشت

الامام ينعي نفسه


إرشاد المفيد 232.

قال علي بن الحسين (عليه السلام): اني جالس في تلك العشية التي قتل ابي في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تمرّضني إذ اعتزل أبي في خباء له، وعنده جون مولي ابي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وابي يقول:



يــــا دهـــــر افّ لـك من خليل

كــــــم لك بالإشراق والأصــيل



مــــن صــــاحب أو طالب قتيل

والـــــدهر لا يقـــــنع بـــالبديل



وإنـــــما الأمـــر إلـــــي الجليل

وكـــــلّ حـــي ســــالك سبيلي



فأعادها مرّتين، أو ثلاثاً حتي فهمتها وعرفت ما أراد فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت، وعلمت أنّ البلاء قد نزل، وأمّا عمّتي فلمّا سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرقّة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وهي حاسرة حتي انتهت إليه، فقالت: واثكلاه ليت الموت أعد مني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة، وأبي علي وأخي الحسن (عليه السلام)، يا خليفة الماضين وثمال الباقين، فنظر إليها الحسين (عليه السلام) فقال لها:

يا اخيّة لا يذهبنّ حلمك الشيطان! وترقرقت عيناه بالدموع وقال: لو ترك القطا لنام [1] .

فقالت: ياويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصاباً؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدّ علي نفسي ثم لطمت وجهها، وهوت إلي جيبها فشقّته وخرّت مغشياً عليها.

فقام إليها الحسين (عليه السلام) فصبّ علي وجهها الماء وقال لها: ايهاً يا اختاه اتّقي الله وتعزّي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وانّ كل شيء هالك إلاّ وجه الله الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعيدهم وهو فرد وحده، جدي خير مني وأبي خير مني وأمي خير مني وأخي خير مني ولي ولكلّ مسلم برسول الله (صلي الله عليه وآله) أسوة، فعزّاها بهذا ونحوه، وقال لها: يا أخيّة إنّي أقسمت عليك فأبرّي قسمي لا تشقّي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تدّعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت، ثم جاء بها حتي أجلسها عندي.

ثم خرج إلي أصحابه فأمرهم أن يقرب بعضهم بيوتهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا بين البيوت فيستقبلوا القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم، وعن ايمانهم، وعن شمائلهم قد حفّت بهم، إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم، ورجع (عليه السلام) إلي مكانه فقام اللّيل كلّ يصلّي ويستغفر ويدعو ويتضرّع، وقام أصحابه كذلك يصلّون ويدعون ويستغفرون.


پاورقي

[1] القطا: جمع قطاة وهي طائر في حجم الحمام صوته قطاقطا. وهذا مثل. قال الميداني: نزل عمرو بن مامة علي قوم من مراد، فطر قوه ليلاً فأثاروا القطا من أماکنها فرأتها امرأته طائرة، فنبهت المرأه زوجها فقال: انما هي القطا، فقالت: لو ترک القطا ليلاً لنام. يضرب لمن حمل علي مکروه من غير ارادته، وقيل غير ذلک. راجع مجمع الأمثال ج 2 ص 174 تحت الرقم 3231.