بازگشت

علي اعتاب الشهادة


إرشاد المفيد 230 - 231، واللّهوف 40 - 41.

نهض عمر بن سعد إلي الحسين (عليه السلام) عشية الخميس لتسع مضين من المحرّم ثم نادي: يا خيل الله اركبي، وبالجنّة أبشري، فركب الناس حتي زحف نحوهم بعد العصر والحسين (عليه السلام) جالس أمام بيته محتبياً بسيفه إذ خفق برأسه علي ركبتيه، فسمعت اخته الضجّة فدنت من أخيها وقالت: يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه فقال:

اني رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) الساعة في المنام، وهو يقول لي: انّك تروح إلينا، فلطمت اخته وجهها، ونادت بالويل.

فقال لها الحسين (عليه السلام): ليس لك الويل يا اخيّة، اسكتي رحمك الله.

ثم قال له العباس بن علي: يا أخي أتاك القوم فنهض ثم قال: يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتي تلقاهم وتقول لهم: ما لكم؟ وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم؟

فأتاهم العبّاس في نحو من عشرين فارساً فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فقال لهم العبّاس: ما بدا لكم وما تريدون؟

قالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا علي حكمه أو ننا جزكم.

فقال: فلا تعجلوا حتي ارجع إلي أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم.

فوقفوا وقالوا: القه فاعلمه ثم القنا بما يقول لك.

فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلي الحسين (عليه السلام) يخبره الخبر، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفّونهم عن قتال الحسين (عليه السلام).

فجاء العبّاس إلي الحسين (عليه السلام) فأخبره بما قال القوم.

فقال (عليه السلام): ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلي غدوة وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نصلّ لربّنا اللّيلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد كنت احبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والإستغفار.

فمضي العبا إلي القوم، ورجع من عندهم ومعه رسول من قبل عمر بن سعد يقول: إنّا قد أجّلناكم إلي غد، فإن استسلمتم سرحناكم إلي أميرنا عبيد الله ابن زياد، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم، وانصرف، فجمع الحسين (عليه السلام) أصحابه عند قرب المساء.

قال عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وأنا اذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: اُثني علي الله أحسن الثناء وأحمده علي السرّاء والضّراء اللّهمّ إنّي أحمدك علي أن كرّمتنا بالنبوّة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين.

أمّا بعد: فإنّي لا أعلم أصحاباً أو في ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً، ألا وإنّي أظنّ يوماً لنا من هؤلاء، ألا وانّي قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّ ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً.

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل ذلك لنبقي بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداًُ، بدأهم بهذا القول العباس بن علي (عليه السلام) وأتبعه الجماعة عليه فتكلّموا بمثله ونحوه.

فقال الحسين (عليه السلام): يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم.

قالوا: سبحان الله فما يقول الناس؟ يقولون إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا، لا والله ما نفعل [ذلك] ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتي نرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك.

وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال: أنحن نخلّي عنك، وبما نعتذر إلي الله في أداء حقك؟ أما والله حتي أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة والله لا نخلّيك حتي يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسوله فيك.

أما والله لو قد علمت أنّي اقتل ثم احييي ثم احرق ثم احييي ثم اذري يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتي ألقي حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً.

وقام زهير بن القين رحمه الله فقال: والله لوددت أنّي قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتي اقتل هكذا ألف مرّة، وأنّ الله عزّ وجلّ يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.

وتكلّم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجه واحد فجزّاهم الحسين (عليه السلام) خيراً.

وقيل لمحمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال: قد اسر ابنك بثغر الري.

فقال: عند الله احتسبه ونفسي ما كنت احبّ أن يؤسر وأنا أبقي بعده.

فسمع الحسين (عليه السلام) قوله، فقال: رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك.

فقال: أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك.

قال: فاعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

قال الرواي: وبات الحسين (عليه السلام) وأصحابه تلك اللّيلة ولهم دويّ كدويّ النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فعبر إليهم - أي التحق بهم - في تلك اللّيلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلاً.