بازگشت

احذر عقوق الوالدين


بحار الأنوار 41/ 224- 228، ح 37: عن مهج الدعوات: روي جماعة يسندون إلي الحسين بن علي (عليه السلام) قال:..

كنت مع عليّ بن أبيطالب (عليه السلام) في الطواف ليلة ديجوجة [1] قليلة النور وقد خلا الطواف ونام الزوّار وهدأت العيون إذ سمع مستغيثاً مستجيراً مترحّماً بصوت حزين من قلب موجع وهو يقول:



يــا من يجيب دعاء المضطّر في الظلم

يا كاشف الضــــرّ والبــلوي مع السقم



قــــد نــام وفدك حـــول البيت وانتبهوا

يدعـــــو وعـــينك يـــا قـــيّوم لـــم تنم



هب لي بجودك فضل آلعفو عن جرمي

يا مـــــن أشــار إليه الخلق في الحرم



إن كـــــان عفوك لا يلــــقاه ذو سرف

فمــــن يــــجود عـلي العاصين بالنعم؟



قال الحسين بن عليّ صلوات الله عليهما: فقال لي أبي: يا أبا عبد الله أسمعت المنادي لذنبه المستغيث ربّه؟

فقلت: نعم قد سمعته.

فقال: اعتبره عسي أن تراه فما زلت أختبط في طخياء [2] الظلام وأتخلّل بين النيام فلمّا صرت بين الركن والمقام بدا لي شخص منتصب، فتأمّلته فإذا هو قائم.

فقلت: السلام عليك أيّها العبد المقرّ المستغفر المستجير، أحب بالله ابن عمّ رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فأسرع في سجوده وقعوده وسلّم فلم يتكلّم حتّي أشار بيده بأن: تقدّمني، فتقدّمته فأتيت به أمير المؤمنين فقلت: دونك هاهو، فنظر إليه فإذا هو شابّ حسن الوجه، نقيّ الثياب، فقال له: ممّن الرجل؟

فقال له: من بعض العرب.

فقال له: ما حالك وممّ بكاؤك واستغاثتك؟

فقال: ما حال من اخذ بالعقوق فهو في ضيق ارتهنه المصاب وغمره الإكتئاب، فإن تاب فدعاؤه لا يستجاب.

فقال له عليّ (عليه السلام): ولم ذاك؟

فقال: إنّي كنت ملتهياً في العرب باللّعب والطرب، أُديم العصيان في رجب وشعبان، وما اُراقب الرحمن وكان لي والد شفيق رفيق يحذّرني مصارع الحدثان ويخوّفني العقاب بالنيران، ويقول: كم ضجّ منك النهار والظلام واللّيالي والأيّام والشهور والأعوام والملائكة الكرام، وكان إذا ألحّ عليّ بالوعظ زجرته وانتهرته ووثبت عليه وضربته، فعمدت يوماً إلي شيء من الورق وكانت في الخباء [3] ، فذهبت لآخذها وأصرفها فيما كنت عليه فما نعني عن أخذها، فأوجعته ضرباً ولوّيت يده [4] وأخذتها ومضيت، فأومأ بيده إلي ركبته يريد النهوض من مكانه ذلك فلم يطق يحرّكها من شدّة الوجع والألم فأنشأ يقول:



جــــــرت رحـــم بيـــني وبــــين منازل

سواء كـــــــما يســـتنزل القـطر طالبه



وربّيــــــت حــــتّي صار جلداً شمر دلاً

إذا قام ساوي غارب العجل غاربه [5] .



وقــــد كــنت اوتيه من الزاد في الصبا

إذا جاع مــــــنه صــــــفوه وأطائـــــبه



فلمّا اســـــتوي فـــي عنــــفوان شبابه

وأصبـــــح كالرمح الردينيّ خاطبه [6] .



تـــــهضّمني مــالي كذا ولوي يدي [7] .

لـــــوي يـــــده الله الذي هـــــو غالبه



ثم حلف بالله ليقد منّ إلي بيت الله الحرام فيستعدي الله عليّ، فصام أسابيع وصلّي ركعات ودعا وخرج متوجّهاً علي عيرانة [8] يقطع بالسير عرض الفلاة ويطوي الأودية ويعلو الجبال حتّي قدم مكّة يوم الحجّ الأكبر، فنزل عن راحلته وأقبل إلي بيت الله الحرام، فسعي وطاف به وتعلّق بأستاره وابتهل بدعائه وأنشأ يقول:



يـــــا مـــــن إلـــــيه أتــــي الحجّاج بالجهد

فوق المــهادي من أقصي غاية البعد [9] .



إنـّي أتيـــتــــــك يـــــا مـــــن لا يخيّب مـن

يـــدعـــــوه مبــــــتهلاً بــــالواحــــد الصمد



هـــــذا مـــــنازل مـــن يــــرتاع من عققي

فخذ بحــــــقّي يـــــا جــبّار مـــــن ولــــدي



حـــــتّي تــــــــشــــلّ بعـــــون منـــك جانبه

يــــــا مـــن تـــقدّس لــم يـــولد ولـــــم يلد



قال: فو الّذي سمك السماء وأنبع الماء ما استتمّ دعاءه حتّي نزل بي ما تري ثمّ كشف عن يمينه فإذا بجانبه قد شلّ، فأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو لي في الموضع الّذي دعا به عليّ فلم يجـــبني، حتّي إذا كـــان العـــام أنعــــم عـــليّ فخرجـــت به عـــلي ناقة عشراء [10] اجدّ السير حثيثاً رجاء العافية، حتّي إذا كنّا علي الأراك وحطمة وادي السياك نفر طائر في اللّيل فنفرت منها الناقة الّتي كان عليها، فألقته إلي قرار الوادي فارفضّ بين الحجرين فقبرته هناك، وأعظم من ذلك أنّي لا اعرف إلاّ المأخوذ بدعوة أبيه، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): أتاك الغوث أتاك الغوث، ألا اعلّمك دعاء علّمنيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وفيه اسم الله الأكبر الأعظم الأكرم الّذي يجيب به من دعاه، ويعطي به من سأله، ويفرّج به الهمّ، ويكشف به الكرب، ويذهب به الغمّ، ويبرئ به السقم، ويجبر به الكسر، ويغني به الفقير، ويقضي به الدين ويردّ به العين، ويغفر به الذنوب، ويستر به العيوب؟ إلي آخر ما ذكره (عليه السلام) في فضله.

قال الحسين (عليه السلام): فكان سروري بفائدة الدعاء أشدّ من سرور الرجل بعافيته.

ثمّ ذكر الدعاء علي ما سيأتي في كتابه، ثمّ قال للفتي: إذا كانت اللّيلة العاشرة فادع وائتني من غد بالخبر.

قال الحسين بن عليّ (عليه السلام): وأخذ الفتي الكتاب ومضي، فلمّا كان من غد ما أصبحنا حسناً حتّي أتي الفتي إلينا سليماً معافي والكتاب بيده وهو يقول: هذا والله الإسم الأعظم استجيب لي وربّ الكعبة.

قال له عليّ صلوات الله عليه: حدّثني.

قال: لمّا هدأت العيون بالرقاد واستحلك [11] جلباب اللّيل رفعت يدي بالكتاب ودعوت الله بحقّه مراراً، فأُجبت في الثانية: حسبك فقد دعوت الله باسمه الأعظم، ثمّ اضطجعت فرأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) في منامي وقد مسح يده الشريفة عليّ وهو يقول: احتفظ بالله العظيم، فإنّك علي خير، فأنتبهت معافي كما تري فجزاك الله خيراً.


پاورقي

[1] الدجوجي والديجوج: الليل المظلم.

[2] خبط الليل: سار فيه علي غير هدي. والطيخاء. الليلة المظلمة.

[3] الورق: الدراهم المضروبة، ومنه قوله تعالي في سورة الکهف (فابعثوا أحدکم بورقکم هذه إلي المدينة). والخباء - بکسر الخاء -: ما يعمل من وبر أو صوف أو شعر للسکن.

[4] لوي الحبل ونحوه: فتله وثناه - ولوّي عليه الأمر: عوّصه. يقال: لوي أعناق الرجال أي غلبهم.

[5] الشمردل: الطويل والفتيّ السريع من النوق. قاله في اقرب الموارد. والغارب: الکاهل أو مابين الظهر أو السناء والعنق. والعجل: ولد البقرة. وفي المصدر: الفحل.

[6] الرديني: الرمح، نسبة إلي ردينة وهي امرأة اشتهرت بتقويم الرماح. ولعل المراد من الاطب اللسان أي صار لسانه کالرمح في الحدة والذرابة.

[7] تهضمه: ظلمه وغصبه.

[8] قال الفيروز آبادي: العيرانة من الابل الناجية في نشاط. وقال الشرتوني في الاقرب العيرانة من الابل: التي تشبه بالعير في سرعتها ونشاطها.

[9] المهاد: الارض المنخفضة. وفي المصدر (المهاري) والمهر: اول ما ينتج من الخيل والحمر الاهلية.

[10] العشراء - بالضم فالفتح -: الناقة التي مضي لحملها عشرة أشهر او ثمانية.

[11] حلک واستحلک: اشتد سواده.