بازگشت

عتق الغلام و اهداء البستان


519. مقتل الحسين عن الحسن البصريّ: كانَ الحُسَينُ بنُ عَلِيّ عليه السلام سَيِّداً زاهِداً وَرِعاً صالِحاً ناصِحاً حَسَنَ الخُلُقِ، فَذَهَبَ ذاتَ يَومٍ مَعَ أصحابِهِ إلي بُستانِهِ، وكانَ في ذلِكَ البُستانِ غُلامٌ لَهُ اسمُهُ صافي، فَلَمّا قَرُبَ مِنَ البُستانِ رَأَي الغُلامَ قاعِداً يَأكُلُ خُبزاً، فَنَظَرَ الحُسَينُ عليه السلام إلَيهِ، وجَلَسَ عِندَ نَخلَةٍ مُستَتِراً لا يَراهُ، فَكانَ يَرفَعُ الرَّغيفَ فَيَرمي بِنِصفِهِ إلَي الكَلبِ ويَأكُلُ نِصفَهُ الآخَرَ، فَتَعَجَّبَ الحُسَينُ عليه السلام مِن فِعلِ الغُلامِ، فَلَمّا فَرَغَ مِن أكلِهِ قالَ: الحَمدُ للَّهِِ رَبِّ العالَمينَ، اللَّهُمَّ اغفِر لي، وَاغفِر لِسَيِّدي وبارِك لَهُ كَما بارَكتَ عَلي أبَوَيهِ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ.

فَقامَ الحُسَينُ عليه السلام وقالَ: يا صافي!

فَقامَ الغُلامُ فَزِعاً، وقالَ: يا سَيِّدي وسَيِّدَ المُؤمِنينَ، إنّي ما رَأَيتُكَ فَاعفُ عَنّي.

فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام: اِجعَلني فِي حِلٍّ يا صافي لِأَنّي دَخَلتُ بُستانَكَ بِغَيرِ إذنِكَ!

فَقالَ صافي: بِفَضلِكَ يا سَيِّدي وكَرَمِكَ وسُؤدَدِكَ تَقولُ هذا.

فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام: رَأَيتُكَ تَرمي بِنِصفِ الرَّغيفِ لِلكَلبِ وتَأكُلُ النِّصفَ الآخَرَ، فَما مَعني ذلِكَ؟

فَقالَ الغُلامُ: إنَّ هذَا الكَلبَ يَنظُرُ إلَيَّ حينَ آكُلُ، فَأَستَحي مِنهُ يا سَيِّدي لِنَظَرِهِ إلَيَّ، وهذا كَلبُكَ يَحرُسُ بُستانَكَ مِنَ الأَعداءِ، فَأَنَا عَبدُكَ وهذا كَلبُكَ، فَأَكَلنا رِزقَكَ مَعاً.

فَبَكَي الحُسَينُ عليه السلام وقالَ: أنتَ عَتيقٌ للَّهِِ، وقَد وَهَبتُ لَكَ ألفَي دينارٍ بِطيبَةٍ مِن قَلبي.

فَقالَ الغُلامُ: إن أعتَقتَني فَأَنَا اُريدُ القِيامَ بِبُستانِكَ.

فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام: إنَّ الرَّجُلَ إذا تَكَلَّمَ بِكَلامٍ فَيَنبَغي أن يُصَدِّقَهُ بِالفِعلِ، فَأَنَا قَد قُلتُ: دَخَلتُ بُستانَكَ بِغَيرِ إذنِكَ، فَصَدَّقتُ قَولي، ووَهَبتُ البُستانَ وما فيهِ لَكَ، غَيرَ أنَّ أصحابي هؤُلاءِ جاؤوا لِأَكلِ الثِّمارِ وَالرُّطَبِ، فَاجعَلهُم أضيافاً لَكَ وأكرِمهُم مِن أجلي، أكرَمَكَ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ، وبارَكَ لَكَ في حُسنِ خُلُقِكَ وأدَبِكَ.

فَقالَ الغُلامُ: إن وَهَبتَ لي بُستانَكَ فَأَنَا قَد سَبَّلتُهُ [1] لِأَصحابِكَ وشيعَتِكَ. [2] .


پاورقي

[1] سَبَّلَ ضَيعَتَهُ: جعلها في سبيل اللَّه (الصحاح: ج 5 ص 1724 «سبل»).

[2] مقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 153؛ مستدرک الوسائل: ج 7 ص 192 ح 6 نقلاً عن مجمع البحرين في مناقب السبطين وراجع: المناقب لابن شهرآشوب: ج 4 ص 75.