بازگشت

تفسير الاذان


334. معاني الأخبار بإسناده عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام: كُنّا جُلوساً فِي المَسجِدِ إذ صَعِدَ المُؤَذِّنُ المَنارَةَ فَقالَ: «اللَّهُ أكبَرُ اللَّهُ أكبَرُ»، فَبَكي أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام وبَكَينا لِبُكائِهِ، فَلَمّا فَرَغَ المُؤَذِّنُ قالَ: أتَدرونَ ما يَقولُ المُؤَذِّنُ؟ قُلنا: اللَّهُ ورَسولُهُ ووَصِيُّهُ أعلَمُ! قالَ: لَو تَعلَمونَ ما يَقولُ لَضَحِكتُم قَليلاً ولَبَكَيتُم كَثيراً! فَلِقَولِهِ: «اللَّهُ أكبَرُ» مَعانٍ كَثيرَةٌ:

مِنها: أنَّ قَولَ المُؤَذِّنِ: «اللَّهُ أكبَرُ» يَقَعُ عَلي قِدَمِهِ وأزَلِيَّتِهِ وأبَدِيَّتِهِ وعِلمِهِ وقُوَّتِهِ وقُدرَتِهِ وحِلمِهِ وكَرَمِهِ وجودِهِ وعَطائِهِ وكِبرِيائِهِ، فَإِذا قالَ المُؤَذِّنُ: «اللَّهُ أكبَرُ» فَإِنَّهُ يَقولُ: اللَّهُ الَّذي لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ وبِمَشِيَّتِهِ كانَ الخَلقُ، ومِنهُ كُلُّ شَي ءٍ لِلخَلقِ، وإلَيهِ يَرجِعُ الخَلقُ، وهُوَ الأَوَّلُ قَبلَ كُلِّ شَي ءٍ لَم يَزَل، وَالآخِرُ بَعدَ كُلِّ شَي ءٍ لا يَزالُ، وَالظّاهِرُ فَوقَ كُلِّ شَي ءٍ لا يُدرَكُ، وَالباطِنُ دونَ كُلِّ شَي ءٍ لا يُحَدُّ، وهُوَ الباقي وكُلُّ شَي ءٍ دونَهُ فانٍ.

وَالمَعنَي الثّاني: «اللَّهُ أكبَرُ» أيِ العَليمُ الخَبيرُ عَلَيهِم [1] بِما كانَ ويَكونُ قَبلَ أن يَكونَ.

وَالثّالِثُ: «اللَّهُ أكبَرُ» أيِ القادِرُ عَلي كُلِّ شَي ءٍ، يَقدِرُ عَلي ما يَشاءُ، القَوِيُّ لِقُدرَتِهِ، المُقتَدِرُ عَلي خَلقِهِ، القَوِيُّ لِذاتِهِ، قُدرَتُهُ قائِمَةٌ عَلَي الأَشياءِ كُلِّها، إذا قَضي أمراً فَإِنَّما يَقولُ لَهُ: كُن، فَيَكونُ.

وَالرّابِعُ: «اللَّهُ أكبَرُ» عَلي مَعني حِلمِهِ وكَرَمِهِ، يَحلُمُ كَأَنَّهُ لا يَعلَمُ، ويَصفَحُ كَأَنَّهُ لا يَري، ويَستُرُ كَأَنَّهُ لا يُعصي، لا يُعَجِّلُ بِالعُقوبَةِ كَرَماً وصَفحاً وحِلماً.

وَالوَجهُ الآخَرُ في مَعني «اللَّهُ أكبَرُ»؛ أيِ الجَوادُ جَزيلُ العَطاءِ كَريمُ الفَعالِ. [2] .

وَالوَجهُ الآخَرُ: «اللَّهُ أكبَرُ» فيهِ نَفيُ صِفَتِهِ وكَيفِيَّتِهِ؛ كَأَنَّهُ يَقولُ: اللَّهُ أجَلُّ مِن أن يُدرِكَ الواصِفونَ قَدرَ صِفَتِهِ الَّذي هُوَ مَوصوفٌ بِهِ، وإنَّما يَصِفُهُ الواصِفونَ عَلي قَدرِهِم لا عَلي قَدرِ عَظَمَتِهِ وجَلالِهِ، تَعالَي اللَّهُ عَن أن يُدرِكَ الواصِفونَ صِفَتَهُ عُلُوّاً كَبيراً.

وَالوَجهُ الآخَرُ: «اللَّهُ أكبَرُ» كَأَنَّهُ يَقولُ: اللَّهُ أعلي وأجَلُّ، وهُوَ الغَنِيُّ عَن عِبادِهِ، لا حاجَةَ بِهِ إلي أعمالِ خَلقِهِ.

وأمّا قَولُهُ: «أشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ» فَإِعلامٌ بِأَنَّ الشَّهادَةَ لا تَجوزُ إلّا بِمَعرِفَتِهِ مِنَ القَلبِ، كَأَنَّهُ يَقولُ: أعلَمُ أنَّهُ لا مَعبودَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ كُلَّ مَعبودٍ باطِلٌ سِوَي اللَّهِ، واُقِرُّ بِلِساني بِما في قَلبي مِنَ العِلمِ بِأَنَّهُ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، وأشهَدُ أنَّهُ لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إلّا إلَيهِ، ولا مَنجي مِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ وفِتنَةِ كُلِّ ذي فِتنَةٍ إلّا بِاللَّهِ.

وفِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ: «أشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ» مَعناهُ: أشهَدُ أن لا هادِيَ إلَّا اللَّهُ، ولا دَليلَ لي إلَي الدّينِ إلَّا اللَّهُ، واُشهِدُ اللَّهَ بِأَنّي أشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، واُشهِدُ سُكّانَ السَّماواتِ وسُكّانَ الأَرَضينَ وما فيهِنَّ مِنَ المَلائِكَةِ وَالنّاسِ أجمَعينَ، وما فيهِنَّ مِنَ الجِبالِ وَالأَشجارِ وَالدَّوابِّ وَالوُحوشِ وكُلِّ رَطبٍ ويابِسٍ، بِأَنّي أشهَدُ أن لا خالِقَ إلَّا اللَّهُ، ولا رازِقَ ولا مَعبودَ ولا ضارَّ ولا نافِعَ ولا قابِضَ ولا باسِطَ ولا مُعطِيَ ولا مانِعَ ولا ناصِحَ ولا كافِيَ ولا شافِيَ ولا مُقَدِّمَ ولا مُؤَخِّرَ إلَّا اللَّهُ، لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ، وبِيَدِهِ الخَيرُ كُلُّهُ، تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ.

وأمّا قَولُهُ: «أشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللَّهِ» يَقولُ: اُشهِدُ اللَّهَ أنَّهُ لا إلهَ إلّا هُوَ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ونَبِيُّهُ وصَفِيُّهُ ونَجِيُّهُ، أرسَلَهُ إلي كافَّةِ النّاسِ أجمَعينَ بِالهُدي ودينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَي الدّينِ كُلِّهِ ولَو كَرِهَ المُشرِكونَ، واُشهِدُ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالمُرسَلينَ وَالمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أجمَعينَ أنَّ مُحَمَّداً سَيِّدُ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ.

وفِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ: «أشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللَّهِ» يَقولُ: أشهَدُ أن لا حاجَةَ لِأَحَدٍ إلي أحَدٍ إلّا إلَي اللَّهِ الواحِدِ القَهّارِ الغَنِيِّ عَن عِبادِهِ وَالخَلائِقِ وَالنّاسِ أجمَعينَ، وأنَّهُ أرسَلَ مُحَمَّداً إلَي النّاسِ بَشيراً ونَذيراً وداعِياً إلَي اللَّهِ بِإِذنِهِ وسِراجاً مُنيراً، فَمَن أنكَرَهُ وجَحَدَهُ ولَم يُؤمِن بِهِ أدخَلَهُ اللَّهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً مُخَلَّداً لا يَنفَكُّ عَنها أبَداً.

وأمّا قَولُهُ: «حَيَّ عَلَي الصَّلاةِ» أي هَلُمّوا إلي خَيرِ أعمالِكُم ودَعوَةِ رَبِّكُم، وسارِعوا إلي مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم، وإطفاءِ نارِكُمُ الَّتي أوقَدتُموها، وفِكاكِ رِقابِكُمُ الَّتي رَهَنتُموها، لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنكُم سَيِّئاتِكُم، ويَغفِرَ لَكُم ذُنوبَكُم، ويُبَدِّلَ سَيِّئاتِكُم حَسَناتٍ، فَإِنَّهُ مَلِكٌ كَريمٌ ذُو الفَضلِ العَظيمِ، وقَد أذِنَ لَنا مَعاشِرَ المُسلِمينَ بِالدُّخولِ في خِدمَتِهِ، وَالتَّقَدُّمِ إلي بَينِ يَدَيهِ.

وفِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ: «حَيَّ عَلَي الصَّلاةِ» أي قوموا إلي مُناجاةِ اللَّهِ رَبِّكُم، وعَرضِ حاجاتِكُم عَلي رَبِّكُم، وتَوَسَّلوا إلَيهِ بِكَلامِهِ وتَشَفَّعوا بِهِ، وأكثِرُوا الذِّكرَ وَالقُنوتَ وَالرُّكوعَ وَالسُّجودَ وَالخُضوعَ وَالخُشوعَ، وَارفَعوا إلَيهِ حَوائِجَكُم، فَقَد أذِنَ لَنا في ذلِكَ.

وأمّا قَولُهُ: «حَيَّ عَلَي الفَلاحِ» فَإِنَّهُ يَقولُ: أقبِلوا إلي بَقاءٍ لا فَناءَ مَعَهُ، ونَجاةٍ لا هَلاكَ مَعَها، وتَعالَوا إلي حَياةٍ لا مَوتَ مَعَها، وإلي نَعيمٍ لا نَفادَ لَهُ، وإلي مُلكٍ لا زَوالَ عَنهُ، وإلي سُرورٍ لا حُزنَ مَعَهُ، وإلي اُنسٍ لا وَحشَةَ مَعَهُ، وإلي نورٍ لا ظُلمَةَ مَعَهُ، وإلي سَعَةٍ لا ضيقَ مَعَها، وإلي بَهجَةٍ لَا انقِطاعَ لَها، وإلي غِنيً لا فاقَةَ مَعَهُ، وإلي صِحَّةٍ لا سُقمَ مَعَها، وإلي عِزٍّ لا ذُلَّ مَعَهُ، وإلي قُوَّةٍ لا ضَعفَ مَعَها، وإلي كَرامَةٍ يالَها مِن كَرامَةٍ، وَاعجَلوا إلي سُرورِ الدُّنيا وَالعُقبي، ونَجاةِ الآخِرَةِ وَالاُولي.

وفِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ: «حَيَّ عَلَي الفَلاحِ» فَإِنَّهُ يَقولُ: سابِقوا إلي ما دَعَوتُكُم إلَيهِ، وإلي جَزيلِ الكَرامَةِ وعَظيمِ المِنَّةِ وسَنِيِّ [3] النِّعمَةِ وَالفَوزِ العَظيمِ، ونَعيمِ الأَبَدِ في جِوارِ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه وآله في مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَليكٍ مُقتَدِرٍ.

وأمّا قَولُهُ: «اللَّهُ أكبَرُ» فَإِنَّهُ يَقولُ: اللَّهُ أعلي وأجَلُّ مِن أن يَعلَمَ أحَدٌ مِن خَلقِهِ ما عِندَهُ مِنَ الكَرامَةِ لِعَبدٍ أجابَهُ وأطاعَهُ، وأطاعَ أمرَهُ وعَبَدَهُ، وعَرَفَ وَعيدَهُ وَاشتَغَلَ بِهِ وبِذِكرِهِ، وأحَبَّهُ وآمَنَ بِهِ، وَاطمَأَنَّ إلَيهِ ووَثِقَ بِهِ، وخافَهُ ورَجاهُ، وَاشتاقَ إلَيهِ ووافَقَهُ في حُكمِهِ وقَضائِهِ ورَضِيَ بِهِ.

وفِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ: «اللَّهُ أكبَرُ» فَإِنَّهُ يَقولُ: اللَّهُ أكبَرُ وأعلي وأجَلُّ مِن أن يَعلَمَ أحَدٌ مَبلَغَ كَرامَتِهِ لِأَولِيائِهِ، وعُقوبَتِهِ لِأَعدائِهِ، ومَبلَغَ عَفوِهِ وغُفرانِهِ ونِعمَتِهِ لِمَن أجابَهُ

وأجابَ رَسولَهُ، ومَبلَغَ عَذابِهِ ونَكالِهِ [4] وهَوانِهِ لِمَن أنكَرَهُ وجَحَدَهُ.

وأمّا قَولُهُ: «لا إلهَ إلَّا اللَّهُ» مَعناهُ: للَّهِِ الحُجَّةُ البالِغَةُ عَلَيهِم بِالرَّسولِ وَالرِّسالَةِ وَالبَيانِ وَالدَّعوَةِ، وهُوَ أجَلُّ مِن أن يَكونَ لِأَحَدٍ مِنهُم عَلَيهِ حُجَّةٌ، فَمَن أجابَهُ فَلَهُ النّورُ وَالكَرامَةُ، ومَن أنكَرَهُ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمينَ، وهُوَ أسرَعُ الحاسِبينَ.

ومَعني «قَد قامَتِ الصَّلاةُ» فِي الإِقامَةِ؛ أي حانَ وَقتُ الزِّيارَةِ وَالمُناجاةِ وقَضاءِ الحَوائِجِ ودَركِ المُني وَالوُصولِ إلَي اللَّهِ وإلي كَرامَتِهِ وعَفوِهِ ورِضوانِهِ وغُفرانِهِ [5] . [6] .


پاورقي

[1] کذا في المصدر، وفي المصادر الاُخري: «علم ما کان» بدل «عليهم بما کان».

[2] في بعض نسخ المصدر: «النوال».

[3] السنيّ: الرفيع (الصحاح: ج 6 ص 2384 «سنا»).

[4] نَکَّلَ به تنکيلاً: صنع به صنيعاً يُحذِّر غيره. والنَّکال: ما نکَّلْتَ به غيرک کائناً ما کان (القاموس المحيط: ج 4 ص 60 «نکل»).

[5] معاني الأخبار: ص 38 ح 1، التوحيد: ص 238 ح 1 کلاهما عن يزيد بن الحسن عن الإمام الکاظم عن آبائه‏ عليهم السلام، فلاح السائل: ص 262 ح 156 عن زيد بن الحسن عن الإمام الکاظم عن آبائه عليهم السلام، بحار الأنوار: ج 84 ص 131 ح 24.

[6] قال الصدوق‏رحمه الله: إنّما ترک الراوي لهذا الحديث ذکر «حيّ علي خير العمل» للتقيّة (معاني‏الأخبار: ص 41).